العراق وسوريا ولبنان على كف عفريت

 جان كورد 
مخطىء من يعتقد بأن دول العراق وسوريا ولبنان التي تشكلّت في ظل الوجود الاستعماري في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى وموت الامبراطورية العثمانية وظهور العملاق الشيوعي في روسيا قد أصبحت في طور النقاهة الاقتصادية والسياسية، بعد رقودٍ طويل الأمد في سرائر المرض المزمن، فإن الأوضاع المختلفة في هذه البلدان لا زالت متردية، منها ما اعترى هذه الدول منذ عقود، ومنها ما هو جديد، ومن الأسباب الأخرى لسوء الأوضاع ما يتعلّق بالبنى الفوقية للنظم التي تشكلّت دون سابق تربية شعبية ديموقراطية، وكذلك بضعف البورجوازية المتوسطة، بل بعدم وجود صناعة وطنية أو حتى زراعة متطوّرة، فلم تتأسس في هذه البلدان بنية متينة للاقتصاد الوطني الذي لابد من وجوده لتأسيس نظم سياسية عليه، وإنما حافظت النظم السياسية على التقاليد الاجتماعية العريقة  كالعشائرية، 
كما أن الجيوش الوطنية التي كان من المفروض فيها حماية الأمن والاستقرار في البلاد، حيث الأمن والاستقرار ضروريان للغاية في سبيل حماية الأسواق ومراكز الانتاج، انقلبت في هذه الدول الناشئة في إطار الظروف الناجمة عن التواجد الاستعماري الانجليزي – الفرنسي واحتضار النظام العثماني إلى أدوات في أيدي الانقلابيين والمتمردين على السلطة وقوى قمع وارهاب الدولة.
 وكانت الصحف والمجلات أضعف من أن تقوم بواجباتها في تعرية الفاسدين وتقوية العاملين على التغيير والإصلاح معنوياً. إضافةَ إلى أن   المستعمرين وضعوا قنابل موقوتة في عمق هذه الدول، كالطائفية المقيتة في لبنان، وعدم الاهتمام اللازم بقضايا المكونات غير العربية، وعلى رأسها المكون القومي الكوردي في كل من العراق وسوريا،  وسرعان ما تحولّت هذه القنابل الموقوتة إلى انفجارات هائلة، كان المستعمرون يعلمون أنها ستحدث، إلاّ  أنها لم تقم بواجباتها كسلطات إحتلال رغم قدرتها على ذلك. وكلنا يتذكّر الحرب العراقية المستمرة على الشعب الكوردي لدرجة قصفه بالنابالم والفوسفور والسلاح الكيميائي بهدف الإبادة، كما نتذكّر الحرب الطائفية المدمّرة في لبنان لعقدٍ ونصف من الزمان، إضافةّ إلى تخطيط الحدود بين دول المنطقة بالشكل الذي لا بد وأن تنجم عنه المشاكل المعقدة، كما بين العراق وإيران، حيث وصل الأمر إلى شن حربٍ كارثية بين البلدين. 
اليوم نشهد أوضاعاً سيئة للغاية في هذه الدول، حيث تبدو وكأنها انحطت إلى وضع “ما قبل الدولة”، ففي لبنان عجزٌ مالي وفشل سياسي في تشكيل حكومة وطنية قادرة على جرف المشاكل الكثيرة التي كادت تخنق تحتها المواطن اللبناني، وفي سوريا لا يعلم أحد كيف ستتخلّص البلاد من كل هذه القوى الخارجية والتنظيمات المتطرّفة والإرهابية، وكيف يمكن إيقاف الانهيار الشامل في كل نواحي الحياة الاقتصادية وإعادة الملايين من المهجرين إلى مواطنهم ووقف التغيير الديموغرافي في مناطق عديدة من بينها المناطق الكوردية في شمال البلاد وعلى الأخص في منطقة جبل الكورد (عفرين)، وفي العراق لا يدري المرء هل سيتفتت وينقسم إلى دويلات أو سيتمكن الايرانيون من القضاء على كيان الدولة العراقية وتحويله إلى محميات تابعة لدولة “ولي الفقيه” مباشرةً، في حال عدم قيام الولايات المتحدة بحملة إنقاذ وإصلاح وتطوير على مختلف الصعد الاقتصادية والمالية والعسكرية والإدارية.
هذه الدول على كف عفريت، ولربما تساهم بأوضاعها المتردية في تحقيق المخطط المرسوم من أجل كيانات جديدة في إطار “النظام العالمي الجديد” الذي وراءه قوى عالمية من خلف الستائر والواجهات الحكومية والدولية الحالية. 
إن المحاولات المختلفة لبعض السياسات الدولية لإنقاذ العراق من المخاطر ووقف نزيف الشعب السوري وعدم التفريط بلبنان كدولة كانت ستنجح بالتأكيد لو كانت العصابات المتحكمة بالأموال العالمية وبالحكومات التي تتوالى على الحكم في ظلها عازمة فعلاً على مساعدة شعوب هذه البلدان التي دخلت مرحلة الاحتضار منذ سنوات. 
11/1/2021   

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…