المبادئ السامية للكورد

عزالدين ملا
 الشعب الكوردي من أكثر الشعوب المنطقة تمسكاً بمقوماته الجغرافية والاجتماعية والثقافية والتاريخية وحتى الاقتصادية.
شعبٌ لم يعش تحت مظلة دولة مستقلة ورغم ذلك حافظ على جميع مقوماته، وعلاوة على ذلك أدخل ثقافته في صميم الشعوب المتعايشة معه، ومعروف عن الكورد النزعة الثائرة التي لا تقبل الخضوع والانصياع، حاولت الحكومات المتعاقبة على الدول التي تخضع لها أجزاء كوردستان من إجبار الشعب الكوردي على كسر إرادته وعزيمته والاستسلام، واستخدمت وسائل وأساليب مختلفة، ورغم ذلك لم تتمكن تلك الحكومات من إخضاعهم.
الشعب الكوردي علَّم جميع شعوب المنطقة معنى الحرية والكرامة والعزة، وعلَّمهم كيف المطالبة بحقوقهم، لذلك قامت ثورات عديدة خلال النصف الأول من القرن العشرين ضد الاستعمار الغربي.
ففي سوريا والعراق كانت جميع الثورات ضد الاستعمار بمساعدة الكورد، الذين كانوا لا يقبلون الظلم وكانوا على الدوام يد العون والمساعدة لأخوتهم من شعوب المنطقة.
بعد استقلال هاتين الدولتين، جاءت حكومات ديمقراطية في البداية لكن شيئاً فشيئاً تحولت تلك الحكومات إلى ديكتاتورية وخاصة عند تسلم البعث للسلطة، نكروا الجميل وعاثوا فساداً وقهراً تجاه الشعب الكوردي ورغم ذلك تشبث الكورد بأرضهم ومقوماتهم ولم تثنِ آلة البعث الحديدية من قهر إرادة الكورد، فكانوا أكثر إصراراً وتمسكاً، لإيمانهم بقضيتهم العادلة، ورغم ذلك كان الكورد ينظرون إلى أخوتهم من المكونات الأخرى بعين الحب والتسامح والعيش المشترك، وكانوا من أكثر المكونات السورية حيوية رغم ما عانوه من ظلم وقهر، كان الكوردي يتمتع بالحيوية والنشاط، عمل بجد من أجل إعمار مناطقه، فقد أغاظ ذلك الحكومات البعثية فقامت بوضع عراقيل من الحزام العربي والقوانين الجائرة التي تقيد نشاط الكورد، فما كان على شبابه سوى الهجرة الداخلية إلى المدن الكبرى مثل دمشق وحلب، وهناك أيضا أبرزوا تميزهم وحيوتهم، فكنت أينما حللت وأينما نزلت تلاقي كوردي يعمل، كل ذلك أدى إلى عودة الإزدهار إلى مناطقه بإرسال عائداتهم من رواتبهم الشهرية البسيطة إلى أهاليهم فعمّ بعض النشاط والرفاهية في تلك المنطقة، كما وفرض الكوردي أينما حلّ شخصيته المميزة من الثقة والأخلاق العالية شهدت له جميع المناطق التي عملوا فيها. 
قامت انتفاضة قامشلو 2004 نتيجة الضغط الذي لم يتحمله الشعب الكوردي، لذلك انتفضوا وطالبوا بحقوقهم، لم يبق كوردي إلا وانتفض، هذه الانتفاضة التي تعتبر ثورة بمعنى الكلمة، عمت المدن وهزت عروش النظام، ولكن انطفأت نتيجة تخاذل المكونات الأخرى عن مساعدتهم، بل على العكس وقفوا إلى جانب النظام ضد الشعب الكوردي.
رغم ذلك نسي الكوردي ذلك التخاذل، ولم ينظر إلى الشعوب الأخرى بعين الحقد والحسد، ولهذه القناعة كانت الثورة السورية الذي شملت كافة مكونات السورية، كوردا وعربا وأشورا وسريانا ودروزا، ولم يفكر الكورد بأنهم خذلوهم عام 2004 وأنهم لن يشاركوا. كان العكس، منذ الصيحة الأولى للثورة السورية كانت أولى المطالبات بإسقاط النظام في عامودا ومن ثم شملت كافة المناطق الكوردية دعما لإخوتهم في درعا وباقي المناطق، استمرّت الثورة السلمية للمطالبة برحيل النظام وبناء دولة سوريا لا مركزية تعددية ديمقراطية اتحادية، ولكن مع مرور السنوات، تحولت تلك الثورة من سلمية إلى مسلحة لأسباب كثيرة، نكر ذاك الأخ من المكونات الأخرى للكورد، وعلت أصوات نشاذ تنفث سموم العنصرية البعثية وتدعي أن الكورد ليس لهم الحق بالمطالبة بأي شيء، ورغم ذلك مازال الكورد مستمرين في مساندة المكونات الأخرى لأن أخلاقهم لا تقبل الظلم، والغدر ليس من شيمهم.
 هو على يقين أن الأخلاق والثقة والتسامح، واستمراره عليها سيحقق طموحات الكورد وجميع السوريين، لذلك، المجلس الوطني الكوردي مستمرّ في نضاله السلمي ولن يثنيه عن ذلك لا الأصوات النشاذ ولا الاستفزازات، لأنه يرى في نضاله السلمي والسياسي السبيل الوحيد لتحقيق طموحات الشعب الكوردي ضمن سوريا المستقبل. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…