إبراهيم محمود
تحضرني الآن لقياه، ابتسامته، دماثة خلقه، هدوؤه في السلام والكلام، دقة ناظريه حين كان يركّز بصره على مقابله، وصواب مصافحته حين يمخر عباب الهواء بينه وبين المسلّم عليه.
تحضرني أيام وأيام، ذكريات وذكريات، لا أوسعَ من جهاتها مكاناً، ولا أُثقل منها إيلاماً، حين أستدعيه إلى ذاكرتي، وبي حزن وأسى، بي لوعة الفراق على رحيله الأبدي قدْراً زناور حاجو آغا، كما لو أنني وسط أفراد عائلته، آل حاجو وآل بطي طبعاً، منهم فرداً، إخلاصاً لأكثر من خبز وملح كرديين، لعلاقة أكثر من كونها صداقة فارعة، وسط أهليه الأقربين والأبعدين، أحبّته مشرقاً ومغرباً، وليعذروني إن لم أسمّ أحدهم أو بعضاً منهم، فالكل في القلب، ولهم اعتبارهم.
إنه رحيل إلى المكان العصيّ على النسيان، في 9-12/ 2020 !
أجدني هنا، حيث لا تستطيع اليد الامتداد إلى حيث ودَّعت روحه الكردية حياة طويلة وثرية، تحت سماء صمّاء، سماء السويد، وقد أبت أن تفارق جسدها إلا بعد صراع مستميت تأكيد لحق في البقاء، كما هو المجسَّد في الكردي الذي يتنفس الحياة إخلاصاً لروح كرديته .
حياة تفرعت وتشعبت وحلَّقت بأسمائهم، كما هو التاريخ البعيد والقريب، وكم كنتُ شاهد نظر وبيان قول في ذلك، وأنا أتابعهم فرداً فرداً، كما يتطلب مني حق الصداقة وأكثر منها، كما يتطلب مني واجب المحبة، والأمكنة الدافئة والعليلة التي أقمت فيها، وهي تسمّيهم، وبينهم هذا الراحل بنور الذّكْر الطيب، وهذا الذي يظهر، كما لو أنه الآن ملء السمع والبصر، في روايات لا يُشك في ارتباطها الحميم بالمكان الكردي، والزمان الكردي، والحنين الكردي إلى حيث يتلوع باسمه المكان الأول من حدود مزيزخ مروراً بـ” تربه سبي “، وليس مجرد عبور في قامشلو، وليس انتهاء بالسويد العابسة.
أن أسطّر هذه الكلمات، التي تتقافز على بياض الصفحة البارد الذاهل، كما هي برودة المسافة الفاصلة، وبي توتر خاص، بي تأثر خاص، لمن لهم موقع أهلي خاص، وود خاص، بيني، هنا حيث تشتد وطأة برد دهوك، وتتضاعف على وقْع سماع نبأ الرحيل الموجع، كما هي وطأة الفراق هناك سويدياً، وبين الذين أكتب عن فقيدهم المودَّع بالحزن البليغ، أو حيث يكون أهله الأهل، وأحبته الأحبة، فإنما هو الحد الأكثر تواضعاً من رد جميل على جميل علاقة سالكة، حيّة، عامرة، من واجب دَيْن صداقة ذُكرت سالفاً، تجاه الذين تناثروا في جهات أوربية وأبعد، ويجمعهم وجع المكان الواحد، والنسَب الواحد، والانتماء الكردي الواحد، وأنا أعزّيهم بما أسعفتني به ذاكرتي الأسيانة، ببعض من الكلمات تلك، وأنا أرفِقها بباقة نور، أمد بها يدي ما استطعت من حب وتقدير، وقابلية إيصال صوت، معزياً، ومؤاسياً، ومشاركاً في حدَاد من يستحق التألم على فقده.
لروحك أيها الطيّب الذكْر زناور حاجو، كامل السكينة والراحة الأبديتين، ولكم جميعاً أيها الأحبة الأحبة من آل حاجو وبطي كامل عزائي ومؤاساتي وحزني الجدير بمكان الراحل الكبير.