الكردي الشجاع وأحلامه المترنحة

فرحان كلش 
وجود الكردي حقيقة مطلقة، الجغرافية مازالت تتوجع من خبط أقدامه دخولاً وخروجاً عليها، والتاريخ يشهد على فقدانه مفاتيح مدنه في ليالي الفجائع المتكررة، والحروب التي سودت وجه الإنسان تشهد على جره لحصانه الجريح خارج مدى الموت، وأحلامه التي تنخر عظامه تثبت أنه حي يناضل.
هذا الكردي الباحث عن ذاته منذ طوفان سومر، حيث خرج إلى سطح جودي واضعاً ترسه أعلى رأسه كي يرى بعيداً، كي يسكن جفن المدى، مدّ خطوته الأولى وتاه، مدّ يده الأولى وسقط على وجه خريطة، خريطة تصعق الوجود وتعادي الأحلام عليها.
ومازال يقلد الأحصنة المنتحرة و يتزمل بالكبرياء، يموت في جلباب الشجاعة، ويرسم صورته على وجه الحقيقة، مازال ينثر رائحة البنفسج حيثما حطته قدماه، إن عاش اصطف في مدار الكواكب وإن مات استظل بظل الله.
الكردي هو الإنسان الذي لحقته القيامة قبل نفخة الصور، تجهنمت لحظات وجوده على الأرض، حتى راح يحول عظامه إرادياً إلى وقود لتتأبد أحلامه المترنحة على عكازتها، تضرب مؤخرة الجبال بها كي تُسقط عن روحها هذه البرودة المستجدة، بل راح يدغدع بها بطن السماء لتُنزل شفاعة ورحمة.
حسناً فلنرقد معاً هنا في هذا الخندق، نفتح أنفاقنا بأربع سموت جلية، جيش (إكباتانا) إلى الشرق كي يلعن ضفائره الوهمية، وينهي أسطرته لفرسان ميديا.
وجيش(أسوار آمد)إلى فضاء أناضول ليؤدب الغزاة كلهم، ويعيد قبائل بكر إلى صحاريها، وجرار أرطغرل إلى خيمته الجائعة في مؤخرة آسيا.
وجيش (مدى شهرزور) إلى حدود البدو الذين اغتالوا مدانا باسم الله، وعطلوا أنفاس زرادشت في مغاراتنا،
وجيش (واش وكاني) صوب بلاد نبي هورو ،لترقد أنهار هذا الجزء من القلب في سلام.
هكذا تلتم قطع الأحلام على بعضها، تتماسك، تتعاضد، تسكن رؤوسنا المشوشة، تدخل أضلاعنا المتكسرة، وتنام على أسرتنا المسجورة بالهزائم،حتى نُقصي فؤوس الجيران من أشجارنا، ونُخرج ذئاب الضلالة من معابدنا، ونعلق كل حروف الوطن في رقابنا.
وليكتب المتهافتون على عض أرواحنا، أنهم ذاك الوهم، وذاك الضلال الآيل للتبعثر والذبول، ونحن مظاليم هذا الشرق الملعون، مازلنا نحفر صدورنا المكلومة بالخيانات كي نجعل فيها رواسينا نحن، ندك فيها أوتادنا نحن، ونجري سبق خيل النصر في بساتينها نحن.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس   إن حملة وحماة القومية النيرة والمبنية على المفاهيم الحضارية والتنويرية لا يمكن أن يكونوا دعاة إلغاء الآخر أو كراهيته. على العكس، فإن القومية المتناغمة مع مبادئ التنوير تتجسد في احترام التنوع والتعددية، وفي تبني سياسات تعزز حقوق الإنسان والمساواة. ما أشرت (هذا المقال هو بمثابة حوار ورد على ما أورده القارئ الكريم ‘سجاد تقي كاظم’ من…

لوركا بيراني   صرخة مسؤولية في لحظة فارقة. تمر منطقتنا بمرحلة تاريخية دقيقة ومعقدة يختلط فيها الألم الإنساني بالعجز الجماعي عن توفير حلول حقيقية لمعاناة النازحين والمهجرين قسراً من مناطقهم، وخاصة أهلنا الكورد الذين ذاقوا مرارة النزوح لمرات عدة منذ كارثة عفرين عام 2018 وحتى الأحداث الأخيرة التي طالت مناطق تل رفعت والشهباء والشيخ مقصود وغيرها. إن ما يجري…

المهندس باسل قس نصر الله ونعمٌ .. بأنني لم أقل أن كل شيء ممتاز وأن لا أحداً سيدخل حلب .. فكانوا هم أول من خَرَج ونعم .. بأنني كنتُ مستشاراً لمفتي سورية من ٢٠٠٦ حتى الغاء المنصب في عام ٢٠٢١ واستُبدل ذلك بلجان إفتاء في كل محافظة وهناك رئيس لجان افتاء لسائر المحافظات السورية. ونعم أخرى .. بأنني مسيحي وأكون…

إبراهيم اليوسف بعد الفضائح التي ارتكبها غير الطيب رجب أردوغان في احتلاله لعفرين- من أجل ديمومة كرسيه وليس لأجل مصلحة تركيا- واستعانته بقطاع طرق مرتزقة مجرمين يعيثون قتلاً وفسادًا في عفرين، حاول هذه المرة أن يعدل عن خطته السابقة. يبدو أن هناك ضوءًا أخضر من جهات دولية لتنفيذ المخطط وطرد إيران من سوريا، والإجهاز على حزب الله. لكن، وكل هذا…