الكائنات السياسية الكردية

مروان سليمان
 الأحزاب السياسية في كردستان سوريا كثيرة، تفوق حدود الحزبية المعقولة، غير أنها لا قيمة لها في المشهد السياسي، ولا دور يرجى منها في تأطير المواطنين، ووجودها كعدم وجودها، بل أن وجودها أصبح عالة على بنية المجتمع الكردي، وخلقت بأنانيتها أزمة ثقة بينها وبين المواطن الكل يلاحظ غيابها وسباتها منذ سنوات عديدة، وتخرج من هذا السبات عندما  تقترب مواعيد المناسبات القومية و في المآتم و الأعراس  فهي ظاهرة حزبية كلامية وفاشلة .
فالسلوك السياسي الحزبي بعد 2011، طبع عليه طابع المقاولات و الصفقات و أصبح همهم توزيع الغنائم فقط و يشارك في لعبة لا تمت للسياسة بأي شئ و الهدف من كل ذلك الجري من أجل تقسيم الإيرادات السياسية. 
و بسبب عدم وجود برامج سياسية لدى هذه الفئة الحزبية و عدم وجود مشروع وطني  يعمل من أجله تلك الأحزاب فهي غير فاعلة وغير مؤثرة سياسيا واجتماعيا، على عكس ما جاء في الأنظمة الداخلية لهذه الأحزاب (على أن هذه التنظيمات و الأحزاب سياسية، تساهم في التعبير عن إرادة الجماهير الكردية، والعمل من أجل تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الكردي كشعب يعيش على أرضه التاريخية  و العمل على إنشاء نظام ديمقراطي في البلاد و كتابة دستور جديد يحفظ هذه الحقوق بموجب الدستور العام للبلد، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية
 وفي نفس الوقت، فإن هذه الأحزاب السياسية تعمل على تأطير المواطنات والمواطنين، وتكوينهم السياسي وانخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام) إنتهى الإقتباس
 وعلى عكس ذلك، فإننا في كردستان سوريا عندنا أحزاب صورية تحمل الإسم فقط، أما الفعل فإنه غائب تماما، وتفتقد إلى المصداقية وسط المجتمع، وليس لها برامج سياسية أو مشاريع وطنية من شأنها الدفع بالعملية السياسية أو تحقيق بعض الشعارات المكتوبة في أنظمتها الداخلية
 فكل الأحزاب السياسية الكردية التي نشأت ما قبل ما تعرف بالثورة السورية أو ما بعدها كانت في صراعات واختلافات تنظيمية فيما بينها، وفي داخل الحزب الواحد أيضا، كما يحصل بين فترة و أخرى و يصبح بفضل ذلك إنشطار في الأحزاب أفقياً و عامودياً و أيضاً تنتشر العداواة بين رفاق الأمس و بعد ذلك يطالب الجميع بوحدة الصف الكردي الذي أصبح ثوباً مهترئاً يختبئ فيه تلك الكائنات من أجل تلميع صورتهم و صورة أحزابهم فقط .
إذن ما دور الأحزاب السياسية الكردية في سوريا؟ وما فائدة هذه الكثرة في الأعداد؟ ولماذا تغيب كليا ولا تظهر إلا بقرب موعد الكونفرانسات و المؤتمرات الحزبية؟ ولماذا برامجها السياسية لا تتغير مع تغير المعطيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية و حتى العسكرية؟ بالفعل أحزابنا فاشلة، وعاجزة عن ضخ دماء جديدة في المشهد السياسي، وعاجزة عن استقطاب النخب المثقفة الجديدة، وجعل الشباب الكردي ينخرط في هذا المشهد السياسي، هذا الفشل والعجز يؤثر سلبا على عملية التغيير التي ينشدها المواطن الكردي، وأيضاً على إرساء دور الأحزاب بين الجماهير الكردية
 هناك شرخ واسع بين جيل اليوم، والجيل الذي يقود هذه الأحزاب، لهذا يجب أن يفتح المجال للدور الشبابي و ضخ الدماء الجديدة في الأحزاب، وفتح المجال للأجيال الجديدة لقيادة الأحزاب، بمنظور جديد، يتوافق والتطور الإعلامي والتكنلوجي والتقني المتسارع، الذي تعرفه الدول المتقدمة. إننا في مرحلة التحدي لبناء السياسة و الجيل الجديد معاً، الجيل المنفتح، وهذه الوجوه الحزبية القديمة تعيق هذا البناء، لأنها تحمل أفكار قديمة، لم تعد صالحة للظرفية التي يمر بها المنطقة والعالم أجمع وتفتقد لتقنية التواصل، و السؤال كيف يمكن دفع شبابنا إلى الوثوق في العمل السياسي؟
 يحز في النفس أن نرى شبابا لهم طاقات هائلة ضائعين، وممكن أن نستتمرها في ضخ روح جديدة في المشهد السياسي، عوض أن تمتلئ مقاعد اللجان المركزية و السياسية بأميين وانتهازيين ، لا يهمهم سوى تقسيم الكعكة
 ما بين فترة و أخرى تخرج الكائنات السياسية من جحورها بالعودة إلى الماضي بما فيها الشعارات الرنانة، تستعرض برامج متهالكة، وساحقة ، تجول القرى والبوادي، وأحياء الصفيح و المخيمات و بلدان اللجوء و يبثون شعاراتهم المتناقضة مع الواقع هنا و هناك  و من هنا تظهر الفجوة الهائلة بين الواقع الذي يعيشه الجماهير و بين الخطاب الخشبي المتداول مما أنتج تناقضاً ملفتاً في الخطاب الذي استمر منذ اندلاع أعمال العنف و التغييرات الديمغرافية و التدخلات الدولية و الأقليمية في وطننا مما أدى إلى تزحلق أطراف كانت تعرف بالصقور في الدعاية لهذا المشهد فأصبحت الأحزاب تتحدث بلغات متداخلة و أصبح المواطن لا يميز بين اليمين و اليسار و الحياد كما كان متداولاً.
المطلوب كردياً هو بناء تحالفات و إئتلافات لتعديل موازين القوى و تعريف العالم بعدالة القضية الكردية و بناء قوة تستطيع ردع العدو أو من يتجبر و يطغى على الأقل لفترة محددة من الزمن و طرح المشروع القومي و الوطني على المستوى الأقليمي في بناء أسس التعاون و السلام بمعايير إنسانية و قومية تحفظ فيها حقوق الشعب الكردي المشروعة. 
مروان سليمان
السلك التربوي-المانيا
18.11.2020 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   مرت مئة يوم ويوم على سقوط الأسد، لكن الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم يتجاوز بكثير الساعات التي مضت. هذه الأشهر الماضية التي تنوف عن الثلاثة كانت مليئة بالتحولات السياسية غير المنتظرة، إلا أن الواقع الأمني والمعيشي للمواطن السوري لم يتحسن بل ازداد تدهورًا. إذ من المفترض أن يكون تأمين الحياة للمواطن السوري هو أولى الأولويات بعد السقوط،…

شيروان شاهين تحوّل الصراع في سوريا، الذي بدأ منذ 14 سنة كحركة احتجاجات شعبية، من حالة صراع بين ميليشيات مسلحة وسلطة منهكة على مستوى أطراف المدن والأرياف إلى صراع طال شكل الدولة ككل. حيث أفرزت الحرب الأهلية واقعًا وعنوانًا جديدًا في 8 ديسمبر 2024: انهيار دولة البعث وإعلان دولة القاعدة. تميّز حكم البعث، الذي بدأه أمين الحافظ “السني”…

اكرم حسين   طرح الأستاذ عاكف حسن في مقاله هل ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب السياسية؟ إشكالية عميقة حول جدوى الأحزاب السياسية اليوم، متسائلاً عمّا إذا كانت لا تزال ضرورة أم أنها تحولت إلى عبء ، ولا شك أن هذا التساؤل يعكس قلقاً مشروعًا حيال واقع حزبي مأزوم، خاصة في سياقنا الكردي السوري، حيث تتكاثر الأحزاب دون أن تنعكس…

صلاح عمر   ثمة وجوه تراها حولك لا تشبه نفسها، تبتسم بقدر ما تقترب من الضوء، وتتجهم حين تبتعد عنه. وجوهٌ لا تعرف لها ملامح ثابتة، تتشكل وفقًا لدرجة النفوذ الذي تقترب منه، وتتلون بلون الكرسي الذي تطمح أن تجلس بقربه. هؤلاء هم “المتسلقون”… لا يزرعون وردًا في القلوب، بل ينثرون شوك الطمع على دروب المصالح. لا تعرفهم في البدايات،…