حسين جلبي
أنا غير معجب بالأحزاب الشمولية ولا بالطغاة الثوريين؛ حتى إذا أصبحوا نجوماً في السماء نجحت في إنارة جميع الكواكب، وفي بناء امبراطوريات عظمى تربعوا على عروشها، ولا يُخفى على أحد بالمناسبة أنني لا أود حزب العمال الكُردستاني التركي ولا استطالاته في أيّ مكان، لا زعيمه عبدالله أوجلان؛ الذي كان نظام الأسد يستخدمه لهدف مزدوج: تصفية القضية الكُردية في سوريا واستخدام كُردها لتصفية حساباته الطائفية الخاصة مع تركيا في الوقت ذاته، ولا أيّ من قادته الحاليين، من جميل بايق إلى قريلان إلى كالكان إلى أذنابهم في المناطق الكُردية السورية، الذين وسعوا خدمات الحزب بعد سجن زعيمه في تركيا، فتحول في عهدهم إلى شركة ارتزاق مخابراتية إقليمية دولية مساهمة، تقدم أقذر الخدمات لأجهزة مخابرات الدول المحيطة بالكُرد أو لمن يطلب، وتتاجر بكل شيء وعلى رأس الأشياء الدم الكُردي، شرط أن تتقاطع خدماتهم وتجارتهم مع أحقادهم المرضية على القومية الكُردية، وتستهدف مساعي تحقيق الهوية الكُردية، وجعل الكُردي يعيش عزيزاً حراً مثل باقي البشر.
أنا صادق مع نفسي ومنسجم مع قناعاتي، والأمر ليس أحقاداً شخصية البتة كما يحلو للبعض ادعائه، خلال تبريرهم لسكوتهم المرضي على ما يجري، وفي معرض تبرير حماقتهم أو جُبنهم أو انتفاعهم من الحزب، بل مبني على قراءة محايدة ومتابعة وبحث وتحليل وتوثيق لمسيرة الحزب الكارثية، والانتهاكات التي ارتكبها بحق الكُرد في سوريا على سبيل المثال، من الشتم إلى التهديد، والضرب، والتشويه، والتجويع، والاحتكار، والسرقة، والاحتيال، وخلق الأزمات، والجرح، والخطف، والنفي، والاخفاء، والتعذيب، والقتل، والتعذيب، والاغتيال، والمجازر، والحرق، والتطهير العرقي، والتهجير القسري، وتدمير التعليم، ونشر الأمية، وزرع الكراهية، وخطف الأطفال والفتيات والشبان وكبار السن وتجنيدهم قسرياً، وتوريط الكُرد في معارك أكبر من امكاناتهم، واشراكهم في القتال كمرتزقة ضمن أجندات معادية للحقوق الكُردية وقبض الأموال عن دمائهم، والتخلي عن الأراضي الكُردية وبيعها وتغيير هويتها، والنقل القسري للكُرد من بيوتهم واحتجازهم في مخيمات ومنعهم من مغادرتها، وهو ما خجلت أية سلطة حاكمة في سوريا من ارتكابها بنفسها بحق الكُرد في البلاد، فكان من الطبيعي في نهاية المطاف، أن يكون شعور الانسان السوي تجاه كل تلك الجرائم؛ هو النفور من مرتكبها واحتقار أضاليله وأكاذيبه وادعاءاته الفارغة، واحتقار كل من يطبل له ويزين أفعاله أو يصمت عنها.
يتواجد حزب العمال الكُردستاني في المناطق الجبلية النائية في إقليم كُردستان، والسهول المجاورة لها داخل أراضيه، بعد هزيمته في تركيا وتخليه عن الشعارات التي كان يرفعها هناك، واقراره بتركية الأراضي الكُردية (كُردستان تركيا) في تركيا، التي كان يرفع شعار تحريرها. وقد أدت سيطرته على المنطقة إلى إفراغ عشرات القرى الكُردية، بعد أن استجر الحزب الجيش التركي إليها وحولها إلى ساحة قتال مفتوحة معه، حيث تتعرض تلك القرى لقصف من الطيران التركي بذريعة مهاجمة الحزب، الذي لا يتورع خلال ذلك عن الاعتداء على أهلها وخطفهم وتجنيدهم قسرياً وفرض إتاوات عليهم. كما يسيطر الحزب على مخيم مخمور للاجئين، بعد طرده لموظفي الأمم المتحدة منه وعزله عن محيطه، وقد حوله إلى قاعدة عسكرية لإعداد المقاتلين. ثم تسلل حزب العمال الكُردستاني مؤخراً إلى منطقة شنكال، بعد استغلال الفراغ الأمني الذي خلقه هجوم تنظيم داعش على المنطقة، وانشغال بيشمركة كُردستان بمقاومة التنظيم المتطرف، إذ قام الحزب بتأليف وإخراج مسرحية إنقاذ سكان شنكال من تنظيم داعش، الشبيهة بمسرحية تحرير المناطق الكُردية السورية من نظام الأسد، وأخذ يعتبر نفسه المالك الحصري لها، حيث يعمد إلى خطف أبنائها وتجنيدهم قسرياً، ويخطف المعارضين منهم لنهجه ويحتجزهم في أماكن سرية، ويفرض إتاوات عليهم.
رغم أنه أصبح ذريعة يستخدمها الجيش التركي لهجمات متواصلة على إقليم كُردستان، وأصبح حجر عثرة في طريق فرض سلطات الإقليم سيادتها على أراضيها، يرفض حزب العمال الكُردستاني مغادرة أراضي إقليم كُردستان، ويعمد إلى إلحاق الأضرار به، وتعريض أمنه ووجوده للخطر، مستغلاً سعة صدر قادة الإقليم وعملهم بمبدأ تحريم الاقتتال الكُردي ـ الكُردي، وغض النظر عن سياساته العدائية على أمل أن يجري احتوائه ويكف أذاه عن الكُرد. فقد استخدم الحزب اتفاق تطبيع الأوضاع في شنكال بين حكومة الإقليم والحكومة العراقية، والقاضي بإخراج المسلحين من المنطقة تمهيداً لإعادة إعمارها وإعادة أهلها المهجرين إليها، ذريعةً لبدأ سلسلة من الاعتداءات على سيادة إقليم كُردستان وأهله، مدفوعاً بذلك من إيران التي يضر الاتفاق بمصالحها، ويؤثر على ممرها الحيوي إلى سوريا ومن ثم لبنان، وكان من الملاحظ وقوف حزب العمال الكُردستاني إلى جانب الحشد الشيعي العراقي في معارضة اتفاق شنكال، إلا أن الاستغراب يزول إذا علمنا بأن مرجعية الحزب والحشد هي واحدة، وأن الحزب يعمل تحت راية الحشد في شنكال، ويتلقى مسلحوه رواتبهم من قيادته في بغداد. لقد رفض حزب العمال الكُردستاني صراحةً مغادرة منطقة شنكال، والالتزام باتفاق تطبيع الأوضاع في المنطقة، بداعي عدم اشراكه في المفاوضات وعدم أخذ رأيه به، في الوقت الذي لا صفة له ولا شرعية لوجوده هناك.
خلال فترة المفاوضات مع الحكومة العراقية، ومن أجل الضغط على حكومة إقليم كُردستان ومنع الوصول إلى اتفاق بشأن شنكال، ارتكب الحزب عدداً من الاعتداءات على إقليم كُردستان. فقد أعلنت المديرية العامة للآسايش (الأمن) في عاصمة إقليم كُردستان هولير، في بيانٍ لها يوم 2020.10.09، بأن ((حزب العمال الكُردستاني ـ PKK، هو من يقف وراء اغتيال غازي صالح اليخان، مسؤول آسايش معبر سرزير الحدودي مع تركيا، بعد تهديدات متواصلة له)). تسارعت الأحداث بعد ذلك، فأعلن مجلس أمن إقليم كُردستان في 2020.10.26عن إحباط هجومين إرهابيين، أحدهما مسؤول عنه حزب العمال الكُردستاني، ثم أعلن الحزب في بيان بتاريخ 2020.10.29، عن مسؤوليته عن تفجير أنبوب نفط إقليم كُردستان، في منطقة باغوك التابعة لمدينة مردين في اليوم السابق، وهو العمل الذي وصفته حكومة إقليم كُردستان في بيان لها: ((العمل الإرهابي الذي استهدف قوت شعب كُردستان وتسبب بإيقاف عملية تصدير النفط من الإقليم))، بعد ذلك، وفي 2020.11.04 فجر الحزب عبوتين ناسفتين بدورية للبيشمركة في قضاء آميدي، ما أدى لمقتل عنصر وجرح ثلاث آخرين، كما شنّ الحزب في 2020.11.05 هجومين على شرطة حماية النفط الكُردية في منطقة جمانكي بمحافظة دهوك، ما أدى لإصابة عناصر فيها بجروح، كل ذلك في الوقت الذي ازدادت هجمات الجيش التركي على أراضي إقليم كُردستان، بذريعة استهداف مواقع الحزب.
بعد كل ذلك الوضوح الذي يظهره الحزب، وكذلك من الإعلان جهاراً نهاراً عن معاداته للقومية الكُردية ووصفها بالبدائية، والقول الصريح بأنه سيقاوم أية محاولة للكُرد لتقسيم بلدانهم الحالية من أجل حصولهم على حقوقهم، واحتقار علم كُردستان وإنزاله وحرقه وانتهاك حرمته، وخدمة أعداء الكُرد والمزاودة عليهم في عدم الاعتراف بإقليم كُردستان ولا بحكومته الشرعية، والسعي فوق ذلك إلى تخريب تجربته وإعادته إلى نقطة الصفر وجعل أراضيه منطقة متنازع عليها بين الجميع، وتنفيذ أجندات الأنظمة المعادية للكُرد، ألا يستحق منا هذا الحزب وقفة عقل لإعادة تعريفه، فيما إذا كان حزباً كُردياً حقاً أم شيئاً آخر غير ذلك، وتصنيفه فيما إذا تنظيماً إرهابياً يضم عتاة المعادين للكُرد وقضيتهم وحقوقهم، والعمل بالتالي على عزله والنأي بالنفس عنه، بدلاً من الزحف إليه كلما أظهر أحد كوادره حلاوة اللسان، واعتباره شقيقاً ينبغي توحيد الصف معه، بعد كل تلك التلال من الجرائم؟