إشغال المقتسمين الإقليم بأداتهم

تجمع الملاحظين: كاوار خضر
الاقتتال الأخوي فعل مذموم إذا كانت الأخوة مستحقة، أما عداها فلا. لم يعتبر التاريخ هؤلاء أخوة ابتداء من الأديان، مرورا بالثورات وانتهاء بالمصلحين. وشرع المجتمع البشري منذ القدم اقتتالهم  كضرورة لأمنه واستقراره. رغم الأخوة البيولوجية قتلت الأديان، والثورات، والمصلحون أخوتهم في الدم واللسان، دون أي اعتبار لقرابتهم. وأي تهاون مع هؤلاء يعتبر خطيئة في حق الدولة والمجتمع إن لم يكن جريمة. 
ما قرره الإقليم، بحق ما اعتبره أخا، جاء متأخرا. لو اتخذ قراره هذا في حينها، لما طالت شروره غرب كردستان، ولا انتقلت إلى جنوبه. رغم محاولة غرب كردستان، وقتها، تبيان طبيعة هذا «الأخ» للإقليم، لكن سعة قلبه وسماحة خلقه أحالا من دون ذلك. ربما تكون هذه المباشرة مفيدة، رغم تأخرها. حيث صار لذراعه كيان في غرب كردستان، تلجأ إليه المصالح الدولية. 
هناك أربع دول شرعية بإمكانيات تفوق قدرات الإقليم، تتربص به منتظرة اللحظة المناسبة للانقضاض عليه، وهذا «الأخ» الذي حرص عليه الإقليم بقلبه الكبير، ليس سوى أداة صنعته تلك الدول للقضاء علينا، وفي المقدمة الإقليم. لا محال، بوجودها لن تكون لنا وللإقليم راحة. لتحييدها تتطلب حنكة واستيعابا للمصالح الدولية، فمقتسمينا يزدادون قوة مع مرور الوقت. وما صمود إيران أمام أكبر قوة، رغم كل القيود عليها لم تتفكك، واستمرت في تطوير أسلحتها الدفاعية محليا، حتى استغنت عن استيرادها من الخارج. وتركيا فاجأت العالم بنمط جديد في إدارة الحرب. قنابلها الإلكترونية ودروناتها حيدت فرنسا في ليبيا وفي شرقي المتوسط، كما عطلت أسلحتها الدفاعية أحدث الأسلحة الروسية والإسرائيلية التكتيكية في غورني قره باغ. هاتان الدولتان تقتسمان أكبر مساحة من كردستاننا، وها هما ترتقيان بأسلحتهما الدفاعية إلى مصاف الدول المعتبرة. إن استمر وضعهما هكذا ستتصالح معهما دول الشرق والغرب حرصا على مصالحها، ولن نكون سوى كرة تتقاذفنا مصالح الدول لتمرير أجنداتها، دون أي مراعاة تذكر لقضيتنا.
وإشغالهم الإقليم بأداتهم لا يبشر بمستقبل مريح لنا. ولن تخمد نارها لمحاربة الإقليم، وهاتان الدولتان في الطريق إلى فرض نفسهما على ذوات المصالح في منطقتنا بتصنيعهم أسلحتهم الدفاعية وتطويرها محليا. 
المطلوب كردستانيا مزيدا من اهتمام الإقليم بتقوية الحراك الكردي في جميع الأجزاء لإشغال محتليهم؛ كيلا يستنزفوا قواه بهذه الأداة تمهيدا للقضاء عليه. ومن واجبنا كمثقفين وكتاب تشجيع الإقليم على ضرورة هذا الاهتمام؛ فالوضع خطر. ومن اليوم فصاعدا لن يتوانوا في الاستمرار لإضعاف الإقليم بأداتهم هذه.
rawendkurd3@gmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس   يعوّل الشعب الكوردي على المؤتمر الوطني الكوردي في غربي كوردستان بوصفه لحظة مفصلية، لا لمجرد جمع الفاعلين الكورد في قاعة واحدة، بل لتأسيس إرادة سياسية حقيقية تمثّل صوت الأمة الكوردية وتعبّر عن تطلعاتها، لا كفصيل بين فصائل، بل كشعبٍ أصيلٍ في جغرافيا ما تزال حتى اللحظة تُدار من فوق، وتُختزل في الولاءات لا في الحقوق. إننا…

ماهين شيخاني في عالم تُرسم فيه الخرائط بدم الشعوب، لا تأتي التحوّلات العسكرية منفصلة عن الثمن الإنساني والسياسي. انسحاب نصف القوات الأمريكية من شرق الفرات ليس مجرد خطوة تكتيكية ضمن سياسة إعادة التموضع، بل مؤشر على مرحلة غامضة، قد تكون أكثر خطراً مما تبدو عليه. القرار الأميركي، الذي لم يُعلن بوضوح بل تسرب بهدوء كأنّه أمر واقع، يفتح الباب أمام…

لم يعد الثاني والعشرون من نيسان مجرّد يومٍ اعتيادي في الروزنامة الكوردستانية، بل غدا محطةً مفصلية في الذاكرة الجماعية لشعبنا الكردي، حيث يستحضر في هذا اليوم ميلاد أول صحيفة كردية، صحيفة «كردستان»، التي أبصرت النور في مثل هذا اليوم من عام 1898 في المنفى، على يد الرائد المقدام مقداد مدحت بدرخان باشا. تمرّ اليوم الذكرى السابعة والعشرون بعد المئة…

د. محمود عباس قُتل محمد سعيد رمضان البوطي لأنه لم ينتمِ إلى أحد، ولأن عقله كان عصيًا على الاصطفاف، ولأن كلمته كانت أعمق من أن تُحتمل. ولذلك، فإنني لا أستعيد البوطي اليوم بوصفه شيخًا أو عالمًا فقط، بل شاهدًا شهيدًا، ضميرًا نادرًا قُطع صوته في لحظة كانت البلاد أحوج ما تكون إلى صوت عقلٍ يعلو فوق الضجيج، مع…