ماذا تخبّئ هذه الأيام لإقليم كوردستان؟

نـوري بـريـمـو 
بما أنّ إقليم كُردستان الفدرالي قد حقّق إنجازات ونجاحات جمّة أبرزها تحقيق الشرعية الدستورية العراقية والإعتراف الدولي، وبما أنّ القيادة الكُردستانية خطت خطوات نوعية في مسار حكم الذات بالذات وفي مجالات الإدارة والإقتصاد والخدمات والإنتاج والعمل المؤسساتي والإستقرار الأمني والسياسي والعسكري و…إلخ، وبما أن الإقليم قد تحوّل إلى ملتقى وملاذٍ آمنٍ للشعب الكردي وباتت هولير حاضنة للكرد ورافعة للقضية الكردية برمتها، فلا أحد يعرف ماذا يخبئ الزمن من مفاجئات لهذه التجربة الديمقراطية الناجحة، خاصة وأنه يُستَهدَف من قبل جهات إقليمية عديدة، ولكنّ الغريب في الأمر هو أن يصبح مُستهدَفاً من قِبَل “ذوي القربى” كحزب العمال الكوردستاني (pkk) المتهرّب من مسؤولياته في كردستان الشمالية والهارب من ساحته إلى التخوم الفاصلة بين جنوب وشمال كوردستان، وأن يتعرّض الإقليم للقصف والتهديد ولحملاتٍ إعلامية مغرِضة ولمحاولات تشويه الحقائق ولمسلسل الضغوط ولتأليب للرأي العام الكردستاني ضده.
وللعلم فإنّ هكذا توتيرات للأجواء تفتعلها وتقودها جهاتٌ إقليمية بالتعاون مع بعض القيادات الآبوجية قد باتت مفضوحة ولم يعد أصحابها يخْشَون عواقبهاً الوخيمة وتداعياتها المجهولة والتي ستنعكس بشكل سلبي على كافة الفرقاء، ولا عادوا يردعون لأي رادعٍ يجعلهم يحسبون أكثر من حساب لأية ردة فعل دفاعية قد تخلق مناخات أخرى قد تؤدي بدورها إلى الإتيان بنتائج وخيمة قد تجلب المزيد من المشاحنات لا بل العداوات.
وبهذا الصدد فإنّ مثل هذا التوتير الجاري في ظل إفتعال نزاعات داخلية في هذه البقعة الجغرافية المضطربة حالياً، لايمكن قراءته ـ أي ما يجري من محاولات مقصودة لتهديد وزعزعة سلم وأمن إقليم كردستان ـ خارج سياق وجود إستراتيجيات طويلة الأمد تعمَد إلى إستمرار اضطهاد الكرد وتشتيتهم وصهرهم لا بل إنهاء وجودهم القومي في ديار آبائهم وأجدادهم، خاصة وأنّ التحدي الحالي قد بات يأخذ طابع الحدّية العسكرية والمناوشات اليومية بالإقليم، وكأنه لا همّ لتلك الجهات المتربصة سوى تعكير صفوة هذا الإقليم الآمن والمعترَف به دولياً وفق القرار الدولي 688 ،  حيث يساهم حزب (pkk) بدوره المتعاون مع الأعداء في مسعى إستهداف إقليم كردستان ككيان فدرالي شرعي يمثّل نبض وحاضر ومستقبل الكرد وكوردستان.
أما الجديد في الأمر في هذه الأيام فهو تهرُّب حزب (pkk) من الخيار العقلاني الذي يتجاهله قصداً رغم معرفته الأكيدة بأنّ لغة التهديد والوعيد والإصرار على البقاء في جغرافية الإقليم لم تعد تنفعه لابل ستنعكس عليه سلباً من حيث الشكل والمضمون وفي الخاضر والمستقبل،  وقد بات لابديل أمامه سوى الإنسحاب من أرياف الاقيلم وتحسين علاقات حسن الجوار مع قيادته الشرعية عبر الإنفتاح الأخوي الإيجابي وفتح أبواب الأساليب السلمية لكونها الضمانة الوحيدة والكفيلة لإستباب الأمن والاستقرار على طريق استكمال مهام ترتيب البيت الكردي اليوم قبل غد، وللعلم فإنّ مثل هذا التعنُّت المقصود من قبل حزب (pkk) الذي يعربد في تخوم الإقليم بلا رادع والذي يستغل إنشغال البيشمركة في مواجهة داعش وباقي الجهات التي تهّدد كردستان الجنوبية، وتجاهله لخيار الإحتكام لجادة صواب التحاور والتجاور السلميين مع الإقليم، سيجعله معرّضاً لمواجهة استحقاقات ومفاجآت قد تسوق إلى نتائج قد لا تروق له لأنّ السحر قد ينقلب على الساحر الذي هو نفسه حزب العمال الكردستاني الذي يعطي الحق لنفسه للهيمنة على كافة أنحاء كردستان والإمساك بقرار الحرب والسلم فيها لمصلحته الحزبية ولصالح الدول الغاصبة.
وبالتأكيد ليس من قبيل التحريض على الإقتتال الأخوي (الكردي – الكردي) المحرّم أصلاً في قاموس البارتي والبارزاني، ولا بقصد التجييش والإنجرار نحو خندق التصادم العنفي البيني (أي بين الإخوة الأعداء)، وإنما بهدف التأكيد على أنّ المخرج الأفضل للطرفين هو الخيار الديمقراطي اللاعنفي كسبيل وحيد لترتيب البيت الكردستاني الذي كان وسيبقى الهمّ الأكبر لكافة بنات وأبناء الكرد وفي مقدمتهم القيادة البارزانية وخاصة سيادة الرئيس مسعود بارزاني الذي دعا ويدعو للتهدئة والتلاقي والكفّ عن عنجهية الجنوح للعنف الذي سيبيح العنف المضاد وسيعطي الحق للإقليم للأخذ بخيار الدفاع عن النفس وعن المكاسب والإنجازات التي تحققت بفضل دماء مئات الألوف من البيشمركة البواسل الذين ضحوا بأرواحهم على طريق حرية واستقلال كردستان.
(4-11-2020)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس   إن حملة وحماة القومية النيرة والمبنية على المفاهيم الحضارية والتنويرية لا يمكن أن يكونوا دعاة إلغاء الآخر أو كراهيته. على العكس، فإن القومية المتناغمة مع مبادئ التنوير تتجسد في احترام التنوع والتعددية، وفي تبني سياسات تعزز حقوق الإنسان والمساواة. ما أشرت (هذا المقال هو بمثابة حوار ورد على ما أورده القارئ الكريم ‘سجاد تقي كاظم’ من…

لوركا بيراني   صرخة مسؤولية في لحظة فارقة. تمر منطقتنا بمرحلة تاريخية دقيقة ومعقدة يختلط فيها الألم الإنساني بالعجز الجماعي عن توفير حلول حقيقية لمعاناة النازحين والمهجرين قسراً من مناطقهم، وخاصة أهلنا الكورد الذين ذاقوا مرارة النزوح لمرات عدة منذ كارثة عفرين عام 2018 وحتى الأحداث الأخيرة التي طالت مناطق تل رفعت والشهباء والشيخ مقصود وغيرها. إن ما يجري…

المهندس باسل قس نصر الله ونعمٌ .. بأنني لم أقل أن كل شيء ممتاز وأن لا أحداً سيدخل حلب .. فكانوا هم أول من خَرَج ونعم .. بأنني كنتُ مستشاراً لمفتي سورية من ٢٠٠٦ حتى الغاء المنصب في عام ٢٠٢١ واستُبدل ذلك بلجان إفتاء في كل محافظة وهناك رئيس لجان افتاء لسائر المحافظات السورية. ونعم أخرى .. بأنني مسيحي وأكون…

إبراهيم اليوسف بعد الفضائح التي ارتكبها غير الطيب رجب أردوغان في احتلاله لعفرين- من أجل ديمومة كرسيه وليس لأجل مصلحة تركيا- واستعانته بقطاع طرق مرتزقة مجرمين يعيثون قتلاً وفسادًا في عفرين، حاول هذه المرة أن يعدل عن خطته السابقة. يبدو أن هناك ضوءًا أخضر من جهات دولية لتنفيذ المخطط وطرد إيران من سوريا، والإجهاز على حزب الله. لكن، وكل هذا…