هل يدافع إردوغان عن الإسلام؟

مشاري الذايدي
فرنسا بقيادة الرئيس إيمانويل ماكرون في حالة تصادم مع تركيا بقيادة رجب طيب إردوغان، قبل حادثة قتل فتى شيشاني المدرّس الفرنسي صامويل باتي الشهر الحالي، بسبب ما قيل عن إساءات المدّرس ضد الإسلام.
الخلاف الفرنسي التركي حول كل الملفات السياسية الدولية، تقريباً، وأبرزها الملف الليبي، وآخرها الملف الأرمني – الأذري.
أغسطس (آب) الماضي، أرسلت فرنسا قِطعاً بحرية إلى شرق المتوسط لمساعدة السفن الحربية اليونانية التي أرسلت لمواجهة المناورات التركية في مياه المتوسط.
ثمة خلاف محتدم بين ماكرون وإردوغان حول الحقوق البحرية في شرق المتوسط وملفات النزاع في ليبيا وسوريا، ومؤخراً إقليم ناغورنو قره باغ بين أرمينيا وأذربيجان.
هذه الخلافات بين الدولتين تحولت لعراك شخصي، ماكروني – إردوغاني؛ حيث وصف التركي الفرنسي بمختل العقل، وردّ الأخير باحتجاج دبلوماسي رسمي. كما توقع إردوغان في خطاب متلفز من مدينة قيصري (وسط) ألا يحقق ماكرون نتائج جيدة في الانتخابات الرئاسية عام 2022. وقال بكل لطافة وسماحة: «أنت تتحرش بإردوغان باستمرار. لن يفيدك ذلك بشيء».
الرئيس الفرنسي، وهو بالمناسبة ضد الجبهة اليمينية الفرنسية بقيادة «آل لوبين»، ويعتبر من حماة القيم الليبرالية «التعايشية»، اتخذ قراراً خطيراً بمواجهة التطرف والفكر الإرهابي داخل المجتمع الفرنسي المسلم، وهم كتلة وطنية كبيرة، منهم وزراء وساسة ونجوم رياضة وفنون.
فرنسا، قبل عهد ماكرون، تعرّضت لهجمات إرهابية من عناصر «داعشية» و«قاعدية»، أو متعاطفة معهما، مثل حوادث الدهس الجماعي وتفجير القنابل في الشوارع والمدنيين والقطارات والحافلات، والهجوم على المسارح والشواطئ، قبل حكاية مجلة «شارلي إيبدو» بكثير، وقبل حكاية المدرّس المقطوع رأسه بسبب رسوم مسيئة للشعور الإسلامي.
نعم، هناك أزمة فرنسية داخلية، وقديمة، حول سياسات الاندماج الوطني، قبل حتى وصول إردوغان وحزبه للسلطة بعقود من السنين، أزمة تجد جذورها في موجات المهاجرين الأول من المستعمرات الفرنسية الأفريقية خاصة، مثل الجزائر والمغرب والسنغال.
هذا صحيح، لكنه ليس محل النقاش اليوم. ما يفعله إردوغان، رمز «الإخوان» والعثمانية الجديدة في العالم، هو استغلال سياسي شعبوي فجّ، وركوب على موجة مشاعر دينية، فيها كثير من النوايا الطيبة والغيرة الصادقة على الهوية الدينية الأعمق.
يعني، وحتى يكون الأمر واضحاً، لو وافقت فرنسا اليوم على غزوات تركيا الإردوغانية، في ليبيا والتدخلات الغازية في سوريا، والإسهام الحربي التعبوي في إرمينيا، سيختفي كل هذا الهجوم على فرنسا، ويغيّر إردوغان كلامه، وكأن شيئاً لم يكن!
بكلمة أوضح، الدفاع عن القيمة الحضارية المعنوية لصورة الإسلام، عمل نبيل وهو واجب أخلاقي، لكن قبل ذلك، يكون الدفاع الحق هو بتقديم صورة رائعة عن بقية المسلمين، صورة تمثل حقاً القيم الإسلامية العليا، وهي قيم أخلاقية «رحمة للعالمين».
لكن ليس المدافع الحقيقي عن الإسلام، الفتى الشيشاني القاتل، أو عناصر «داعش» و«القاعدة» و«الإخوان»، أو إردوغان وخامنئي وأتباعهما… الإسلام، وأهله، أعلى من هؤلاء المتاجرين بالمشاعر العامة.
*صحافي وكاتب سعودي
———-
الشرق الأوسط

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   مرت مئة يوم ويوم على سقوط الأسد، لكن الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم يتجاوز بكثير الساعات التي مضت. هذه الأشهر الماضية التي تنوف عن الثلاثة كانت مليئة بالتحولات السياسية غير المنتظرة، إلا أن الواقع الأمني والمعيشي للمواطن السوري لم يتحسن بل ازداد تدهورًا. إذ من المفترض أن يكون تأمين الحياة للمواطن السوري هو أولى الأولويات بعد السقوط،…

شيروان شاهين تحوّل الصراع في سوريا، الذي بدأ منذ 14 سنة كحركة احتجاجات شعبية، من حالة صراع بين ميليشيات مسلحة وسلطة منهكة على مستوى أطراف المدن والأرياف إلى صراع طال شكل الدولة ككل. حيث أفرزت الحرب الأهلية واقعًا وعنوانًا جديدًا في 8 ديسمبر 2024: انهيار دولة البعث وإعلان دولة القاعدة. تميّز حكم البعث، الذي بدأه أمين الحافظ “السني”…

اكرم حسين   طرح الأستاذ عاكف حسن في مقاله هل ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب السياسية؟ إشكالية عميقة حول جدوى الأحزاب السياسية اليوم، متسائلاً عمّا إذا كانت لا تزال ضرورة أم أنها تحولت إلى عبء ، ولا شك أن هذا التساؤل يعكس قلقاً مشروعًا حيال واقع حزبي مأزوم، خاصة في سياقنا الكردي السوري، حيث تتكاثر الأحزاب دون أن تنعكس…

صلاح عمر   ثمة وجوه تراها حولك لا تشبه نفسها، تبتسم بقدر ما تقترب من الضوء، وتتجهم حين تبتعد عنه. وجوهٌ لا تعرف لها ملامح ثابتة، تتشكل وفقًا لدرجة النفوذ الذي تقترب منه، وتتلون بلون الكرسي الذي تطمح أن تجلس بقربه. هؤلاء هم “المتسلقون”… لا يزرعون وردًا في القلوب، بل ينثرون شوك الطمع على دروب المصالح. لا تعرفهم في البدايات،…