عمّن كتب عني، عمّن علّق على ما كتِب عني «من باب التقدير»

  إبراهيم محمود
في البداية، أقدّر جهود الصديق الشاعر والباحث الكردي إبراهيم يوسف، في إطار ما يكتبه عن موضوعات ومؤلفات لي، بقلب ودود، وعقل كشاف خطّاف أثر ٍ. ولعله في مقاله اللافت عما كتبتُه وانشغلتُ به، وما يعنيني واقعاً، في صفحة ” ولاتي مه ” وبتاريخ ” 19 تشرين الأول 2020 “، حيث أورد طائفة مؤثرة من المشاهد، والأمثلة ذات الطابع الوجداني الحميم، دون التخلي عن بوصلة ثقافية يعرَف بها الصديق يوسف في كتاباته، كان استقطابياً، حيث ترك صدى له، وأي صدىً، من خلال اتصالات شخصية بي، ومن خلال متابعة من قبل القرّاء ممن تراوحوا بين عاديين، ومتوسطي الثقافة، وكتاباً معروفين في الوسطين الثقافيين: العربي والكردي.
وإذا كان لي من كلمة موجزة أثبتها هنا، فهي الشكر أولاً لجهد الصديق يوسف الذي لا ينفك يسطّر مقالاً، أو تعليقاً فيسبوكياً عني، يعني ككاتب، وليس كمجرد صديق، وهو جهد دؤوب، لا يمكنني تجاهل دوره في التفعيل الثقافي، وكيفية التعامل مع ما هو ثقافي: كردياً بصورة خاصة.
وفي الوقت نفسه، فقد تلمستُ من خلال التعليقات، والأسماء التي كتِبت بالتقابل أسفل المقال، وحتى بعبارات إعجاب، أو بإشارات معينة، تأكيد تقدير، جانباً حياً من هذا الود والتقدير.
في المتن، أنوّه إلى بعض ما يرجعني القهقرى، إلى عقود خلت، وذكريات المكان والزمان، ومن ذلك، ما يخص تعليق زميل الدراسة القامشلوكية الشاعر فرهاد دريعي، ومن ذلك، التعليق الأكثر من تعليق نصاً، ما تفضل به الباحث سعيد يوسف، من ثناء على كتاباتي، وهو يذكّر بلقاءاتي أيام ” تصحيح أوراق المرحلتين: الإعدادية أو الثانوية في الحسكة “، حيث كنا نتجاذب أطراف الحديث في الشان الثقافي: ثمة عين في ورقة التصحيح، وعين في الاتجاه الذي يثرينا.
إن كل من علَّق بعبارة أو دونها، محل اعتبار ونظر، وحتى من لمّح إلى ملاحظة معينة، يكون محل تقدير، بغضّ النظر عما إذا كنت معه أم لا، لحظة الانطلاق من الظروف وخلافها.
والذي يمكنني قوله هنا، وبعيداً عن لغة مواعظية، هو المتعلق بأمر الكتابة ومنغصّاتها، وهي ذاتها المحك أو الرهان، هي ذاتها الأمثولة في التعبير عن ذات، تشق طريقها الصخري.
فلا أصعب من أن يبني أحدهم شخصية اعتبارية له، ولنفسه، وهو كردي، وفي وسط كردي، وهو يحتاج إلى مقاومة ذاتية ومكابدة، وتحمل معاناة يومية، إدراكاً منه أن ليس من تقبُّل لحضور أي كان برسم المثقف، وفي نطاق من يرسم نفسه” رأس المجتمع “، أو ” مقوّمه الأوحد، مجتمع أبعد ما يكون عن الثقافة الحية، ويشاد بمثقفيه بالدرجة الأولى، كما يقول تاريخ المجتمعات الحية.
ما يمكنني قوله، هو أنه إذا كان لأحدهم أن يكوّن شخصية كتابية، أو بحثية لنفسه، فعليه أن يكون هو نفسه الثواب والعقاب، أن يعتبر الثواب الوحيد الذي ينتظره، هو إمكان استمراره حياً، وليس أن يكون له شأن، ويكون لكتاباته ذلك المردود الذي يقيه شر لئام من حوله من الرؤوس التقليدية تلك، بأسمائها ومسمياتها، كما الحال في المجتمعات الحية مجدداً.
فأن يكون أحدهم كاتباً كردياً، وبحق، وهو مستقل، ولديه مردود يؤمن له لقمة عيش كريمة، كما يقال، أمران متناقضان أشد التناقض، كما علمتني تجربتي المتواضعة حيث كنت في قامشلو، وحيث أكون منذ قرابة عقد من الزمان في دهوك.
ثمة ما يمكن صوغه كشعار كردي متداول، بالنسبة لزعامات الكرد الوجاهاتية والحزبية ” من ليس منا مات ميتة جاهلية كردية “، إن جاز التعبير.
تلك هي الخطاطة الكبرى، لما يمكن التعرف إليه، أو إدراكه، لمن يسعى إلى نفسه كاتباً، أو باحثاً، دون ذلك يكون الخسران المبين، وفي وسط يتكاثر مزيفو الثقافة وأدعياؤها كفيروس كورونا.
أتذكر هنا، ما قلته في مختتم مقابلة تلفزيونية معي قبل عشر سنوات، لقناة كردية، ولا أدري هل بُثَّت أم لا، حين طلِب مني ذلك. قلت: أشكر موتي على هذا الوقت الضائع، كونه لم ينل مني حتى الآن، بصدد ما كتبت وتنشطت ذاتياً في سبيله هنا وهناك .
يظهر أن موتي حتى الآن غافل عني، أو يحن أوان نيله المحتوم مني . شكراً له ثانية.
وإذ أتحدث بالطريقة هذه، فليس لأنني أريدني قدوة، أو مثلاً يشار إليه، ذلك مستحيل، جهة اختلاف الظروف في الزمان والمكان، وإنما قول في سياق قول في سياق قول، لمن أحسن في القول، ولمن يريد أن يحسن في القول، ولمن يسعى إلى القول الحسن، وجل ما حاولت قوله، هو أن أجدد شكري لمن تكلّفوا بقول مسطور، ولو بعبارة واحدة، أو بمهاتفة سريعة.
بالطريقة هذه، تستحق الحياة أن تعاش!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   مرت مئة يوم ويوم على سقوط الأسد، لكن الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم يتجاوز بكثير الساعات التي مضت. هذه الأشهر الماضية التي تنوف عن الثلاثة كانت مليئة بالتحولات السياسية غير المنتظرة، إلا أن الواقع الأمني والمعيشي للمواطن السوري لم يتحسن بل ازداد تدهورًا. إذ من المفترض أن يكون تأمين الحياة للمواطن السوري هو أولى الأولويات بعد السقوط،…

شيروان شاهين تحوّل الصراع في سوريا، الذي بدأ منذ 14 سنة كحركة احتجاجات شعبية، من حالة صراع بين ميليشيات مسلحة وسلطة منهكة على مستوى أطراف المدن والأرياف إلى صراع طال شكل الدولة ككل. حيث أفرزت الحرب الأهلية واقعًا وعنوانًا جديدًا في 8 ديسمبر 2024: انهيار دولة البعث وإعلان دولة القاعدة. تميّز حكم البعث، الذي بدأه أمين الحافظ “السني”…

اكرم حسين   طرح الأستاذ عاكف حسن في مقاله هل ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب السياسية؟ إشكالية عميقة حول جدوى الأحزاب السياسية اليوم، متسائلاً عمّا إذا كانت لا تزال ضرورة أم أنها تحولت إلى عبء ، ولا شك أن هذا التساؤل يعكس قلقاً مشروعًا حيال واقع حزبي مأزوم، خاصة في سياقنا الكردي السوري، حيث تتكاثر الأحزاب دون أن تنعكس…

صلاح عمر   ثمة وجوه تراها حولك لا تشبه نفسها، تبتسم بقدر ما تقترب من الضوء، وتتجهم حين تبتعد عنه. وجوهٌ لا تعرف لها ملامح ثابتة، تتشكل وفقًا لدرجة النفوذ الذي تقترب منه، وتتلون بلون الكرسي الذي تطمح أن تجلس بقربه. هؤلاء هم “المتسلقون”… لا يزرعون وردًا في القلوب، بل ينثرون شوك الطمع على دروب المصالح. لا تعرفهم في البدايات،…