صلاح بدرالدين
ابتلت حركة التحرّر الكردية في ثلاثة بلدان بأحزاب شيوعية رسمية ناصبتها العداء منذ أول ظهورها، ووقفت إما مع الأنظمة الاستبدادية الحاكمة في مواجهة الحركة الكردية من خلال جبهات وتحالفات، أو اتخاذ نفس مواقف الأنظمة تجاه وجود الكرد وحركتهم وحقهم بتقرير المصير، وهي: الحزب الشيوعي السوري، والحزب الشيوعي التركي، والحزب الشيوعي الإيراني “تودة”، ولكل منها قصص وحكايات قد يحتاج جمعها إلى مجلدات.
أما تفسير هذه الظاهرة فيختلف من رأي الى آخر، فهناك من يعيد السبب الى علة بالجوهر الآيديولوجي، وعدم مواءمته للبيئة الشرق الأوسطية، ولساحات كفاح الشعوب المناضلة من أجل الحرية، مثل الحركة الكردية، وهناك من يحذو حذو بعض (المؤمنين) عندما يعتبرون الإرهاب الإسلامي لا يعبّر عن جوهر الإسلام الحقيقي، أي اعتبار قيادات تلك الأحزاب الشيوعية من المنحرفين عن المبادئ الشيوعية الحقيقية، والجدل ما يزال مستمراً.
في تجربتنا المشخصّة بالحركة الكردية السورية مع الحزب الشيوعي السوري الرسمي، نرى أنّ برامج هذا الحزب مثل برامج حزب البعث وحركة الإخوان المسلمين وفصائل من حركة القوميين العرب والحزب السوري القومي الاجتماعي، لم تتضمن الإقرار بوجود الكرد السوريين كشعب من السكان الأصليين يستحق تقرير مصيره بإرادته الحرة، في إطار الوطن السوري الواحد، وذلك حسب المبادئ الأممية الواردة في وثائق الحركة الشيوعية وكتابات روّادها الأوائل.
(عشية تأسيس أول تنظيم حزبي كردي عام ١٩٥٧ الحزب الديموقراطي الكردستاني– سوريا)، كانت تنظيمات الحزب الشيوعي السوري مزدهرة في عدد من المناطق الكردية، وخصوصاً منطقة عفرين، وحينها قدمت مجموعة من الكوادر مذكرات إلى قيادتهم المركزية للسماح بإصدار نشرة دورية باللغة الكردية، فكان الجواب بالرفض، ثم ما لبث أن انسحبت مجموعات من الكوادر الرئيسة عن الحزب الشيوعي، ومن بينهم ثلاثة ساهموا في تأسيس الحزب الكردي وتبوؤوا المواقع القيادية، وبسبب الموقف السلبي للحزب الشيوعي من القضية الكردية السورية، خاصة، والقضية الكردية بالمنطقة، عامة، غادر العشرات صفوفه وانضموا إلى الحركة الكردية، بمعنى أنّ النخب الكردية انتقلت من حزب شيوعي إلى حركة رجعية، حسب تصنيف الكوسموبوليتيين الكرد بذلك الحزب.
مرة أخرى، وحسب مفاهيمنا السياسية كنا نعتبر الشيوعيين من أقرب التيارات السياسية إلينا، إلى أن توفر عامل سلبي هزّ تلك المفاهيم، وهو الشيوعيون الأكراد الذين انتهجوا خطّاً مخالفاً للتعاليم الماركسية اللينينية، حول المسألة القومية، وحق تقرير مصير الشعوب والقوميات، وانطبق عليهم وصف مؤلف كتاب “الرد على الكوسموبوليتية” عندما تناول السياسة الخاطئة لهؤلاء في مزاوداتهم الأممية على حساب القضية الكردية، ومهمتهم الأساسية التي كانت تقتصر على محاربة الحركة القومية الكردية.
كان رفاقنا الشيوعيون الكرد السوريون عينة نموذجية في هذا المجال إلى درجة أنّ الراحل “خالد بكداش” أمين عام الحزب الشيوعي السوري، يردّد أمام الرئيس حافظ الأسد في إحدى اجتماعات الجبهة “بأنّه كردي المنشأ ولكنه من العرب المستعربة”، حسب ما جاء في حواره مع “عماد نداف” بكتاب “خالد بكداش يتحدّث”، نافياً في الوقت ذاته وجود جزء من كردستان في سوريا.
كان موقف السيد “رمو شيخو” عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري ومسؤول العلاقات الخارجية، معبراً بالكامل عن الاتجاه الكوسموبوليتي، وتصاعد سلباً منذ أن انضم حزبه إلى جبهة النظام، حيث كان يجاهر بفخر في المؤتمرات الحزبية، كما جاء حرفياً في تقريره كمسؤول لمنظمة الجزيرة إلى المجلس الوطني في دمشق تشرين الثاني 1971، وخلال تلاوة تقرير منطقة الجزيرة،( وكلكم تعلمون أنّه لولا وجودنا كمنظمة قوية في الجزيرة لكان القوميون الأكراد أقوى بكثير مما هم عليه الآن متابعا .
ومعروف أننا أرسلنا من منظمتنا تسعة رفاق متطوعين للعمل الفدائي (الأنصار)، في حين لم يذهب من الجزيرة من قبلنا أيّ شخص لعند البارزاني ) ، وأكمل زميله يعقوب كرو، العضو القيادي في الحزب وفي الهيئة المسؤولة عن منظمة الجزيرة، ما بدأه زميله رمو شيخو بالقول: “إنّ منظمة الجزيرة منظمة باسلة نمت وتطورت من خلال صراع طبقي حاد، وحتى من خلال صراعها ضد الأفكار والميول القومية الكردية التي يحملها حزب البارتي ” ويتابع : .”.
” ففي القرى الكردية لا يوجد سوى الشيوعيون والقوميون الأكراد، والصراع هنا دائماً بين الموقف الطبقي والموقف القومي،” السيد رمو شيخو يعتزّ بأنّ مهمة منظمته الأولى في الجزيرة هي محاربة الحركة القومية الكردية، كما كان من المطبلين للحزام العربي وتطبيقه، باعتباره يهدف الى بناء الكولخوزات الاشتراكية، وهو أول من نفذ الخطوة الأولية للحزام العربي في منطقته، عندما انتقل مع ثلاثين من رفاقه الحزبيين، من قرية -تل شعير- بمنطقة القامشلي، أرض الآباء والأجداد، إلى منطقة الجنوب، وتحديداً مزرعة قلعة الهادي، كما كان من المتعاونين مع أجهزة الدولة تحت مظلة الجبهة الوطنية التقدمية لصاحبها حزب البعث.
وقد بات معلوماً أنّه كان وراء دفع الطلبة الكرد الشيوعيين في البلدان الاشتراكية إلى محاربة جمعية الطلبة الأكراد في أوروبا، كما طالب الدول الاشتراكية رسمياً، كمسؤول عن العلاقات الخارجية لحزبه، بحجب المنح الدراسية عن الحركة الكردية، وحزبنا، الاتحاد الشعبي، على وجه الخصوص وقطع العلاقة معه.
حول موقف الشيوعيين السوريين من القضية القومية الكردية، يسرد النصير الشيوعي، حاكم كريم عطية، الذي كان أحد مسؤولي محطة القامشلي للحزب الشيوعي العراقي بين 1979- 1984، في مذكراته التي نشر أجزاء منها في منبر “الحوار المتمدّن” (13/10/2008) بالشكل التالي: “فمثلاً كان رفاقنا السوريون لا يحتفلون بعيد النوروز، ويعتبرونه عيداً قومياً للأكراد، لكن بطرق الحوار واللقاء وتبادل الخبرة، استطاع رفاقنا إقناع رفاق الحزب الشيوعي السوري بوطنية الجمع بين ما هو قومي وأممي. ومنذ ذلك الحين وبمبادرة من رفاقنا، خرج الشيوعيون الأكراد للاحتفال بعيد نوروز الذي كان يكبر مع الأعوام في تلك المناطق، حتى غدا رمزاً لكل الوطنيين في تلك المناطق”. إنّه لمن المنطق والبديهي جداً، أنّ الشيوعي الحقيقي والأممي المخلص، والماركسي اللينيني المبدع، هو من يلتزم بقضايا شعبه ويعتزّ بقومه وقوميته، وهو شرط لا بدّ منه حتى يكون نصيراً صادقاً للشعوب والقوميات الأخرى، مؤيداً لحقها في تقرير المصير.