ماجد ع محمد
“لا تحتاج إلى أن تعرف اسم القاتل وشكله وهويته أو اسم القتيل بلا ذنب،
لتحدد موقفك من القتل؛ فالعنصريون والطائفيون وحدهم هم من يبحثون
عن هوية القتيل ليحددوا موقفهم من دمه”.
محمد الرطيان
بحكم المعايشة اليومية وبحكم التجربة الإنسانية العريقة في فصول الألم والمعاناة، بات حتى الذي لم يجرح البتة في حياته الواقعية يُدرك ماهية الجروح، هذا إن كان الجريح من أهل بيته، أم من الماكثين بجواره، أم من قاطني الغابات الأفريقية، وبالتالي يعي بأن الألم ألم إن كان في ساق قريبٍ له، أم في ضرس غريبٍ لا يعرف أي شيء عن الفك وصاحبه؛ ولكنها المواقف السياسة على الأغلب هي التي تدعو الواحد سواء أكان إعلامياً أم مثقفاً أم ناشطاً ليتعامل بانتقائية غليظة حيال ما يرى من المشاهد الجارحة في اللوحة البشرية أمامه،
إذ قد تراهُ يلوح بالذي يجري في منطقة ما ليل نهار، بينما يغض الطرف عما يماثله في موقعٍ آخر وكأن لا وجود له، هذا إن لم يحاول أن يقول عن الموجوع بأنه في كامل السعادة، وعن المريض بأنه في تمام عافيته، وذلك ليس من باب رفع معنويات الموجوع أو المريض، إنما إمعاناً في معاقبته من خلال تزوير الحقائق أو التجاهل على أقل تقدير، أو استخدام كافة وسائل الترهيب المتاحة لدفع المجني عليه إلى السكوت وإخفاء ما يجري له!.
وبخصوص هذه الوقفة الكتابية فليس من باب الحسد والغيرة لا قدَّر الله نقوم باستحضار المجريات في فلسطين ونقارنها بما يجري في مرابعنا، إنما طريقة تعاطي وسائل الإعلام والإعلاميين مع نفس المحنة ونفس القضية بإزدواجية قميئة، والتفريق بين هذه الضحية وتلك بناءً على العرق أو الدين أو المصالح السياسية، والتعامل بطريقة إنسانية صرفة مع طرف وبالمقابل التعامل بطريقة خالية من أي حس إنساني مع الطرف الآخر، هو ما دعانا للمقارنة، لأن هذه الإزدواجية المقزّزة تقض مضجع كل شخص لديه عقل وضمير ومشاعر، بما أن معاناة أهالي عفرين هي نفسها معاناة الأخوة الفلسطينيين، وكذلك لمعرفتنا بأن المحنة محنة في كل مكان، والإعتداء على ممتلكات الناس بغير حق اِعتداء مدان أينما كان، كما أن العدل والإنصاف واحد في كل مكان، لذا فليس من الحكمة، ولا من المنطق، ولا من الإنسانية أن تدافع كإعلامي أو كاتب أو سياسي ليل نهار عن حق أحدهم وهو يبعد عنك مئات الكيلومترات، بينما حيال الذي يتعرض لنفس ما يتعرض له ذلك الذي تبدي التحمس لمناصرته، فلا تحرّك أيّ ساكن، بل وتغض الطرف تماماً وتتجاهل عن عمد كل ما يجري للذي أمامك.
عموماً لقد خاطبناً أصحاب الأقلام والرأي في الأعلى لأنه بعد أن تصاعدت هجمات المستوطنين في الآونة الأخيرة على المزارعين الفلسطينيين لمنعهم من جني ثمار الزيتون، فقد خصصت وكالة الأناضول التركية في 13/10/2020 تقريراً صحفياً مطولاً عن حملة أطلقها فلسطينيون لمساعدة المزارعين بجني الزيتون في الأراضي التي تتعرض لاعتداءات المستوطنين، والحملة جاءت تحت عنوان “فزعة الزيتون” والحملة هي لمساعدة الفلسطينيين المزارعين بجني الزيتون في الأراضي التي تتعرض لاعتداءات المستوطنين، حيث يتخلل تلك الاعتداءات حرق لأشجار الزيتون وتقطيعها، وسرقة المحصول، والاعتداء على المزارعين بالضرب وإطلاق الرصاص، لإجبارهم على ترك أراضيهم، والحملة انطلقت الثلاثاء، في بلدة “حوارة” جنوب مدينة “نابلس” بالضفة الغربية، وستستمر حسب وسائل الإعلام 14 يوماً؛ علماً أن الأهالي وأصحاب أشجار الزيتون في منطقة عفرين الخاضعة منذ أكثر من سنتين لنفوذ تركيا يتعرضون لنفس الممارسات من قِبل بعض المجاميع المسلحة التي أتت بهم تركيا إلى منطقة عفرين، حيث أنهم يعتدون على الأهالي، وينهبون المحاصيل، ويقطعون الأشجار المثمرة، ويفرضون الأتاوات على الفلاحين، إضافةً إلى القيام بكافة الممارسات الدنئية لدفع الأهالي إلى التهجير وترك المنطقة، تماماً كما يفعل المستوطنون بالفلسطينيين، ولكن مع ذلك لم تصدر أي مؤسسة إعلامية تركية تقارير حقيقية غير ترويجية عما يجري بحق الأهالي في عفرين منذ ما يزيد عن سنتين، بل وتحاول الوسائل الإعلامية العامة والخاصة وبشتى السبل أن تجمّل كل المقابح التي تجري في المنطقة.
وحتى لا يكون كلامنا حائماً في فضاء العموميات سنذكر ما أوردته مؤسسة مدنية تطوعية، ألا وهي منظمة حقوق الإنسان في عفرين، عما جرى في المنطقة وما يزال يجري فيها، حيث قالت المنظمة في بيانٍ لها صدر في الرابع من الشهر الجاري “إن بعض الجهات المسلحة السورية التابعة لتركيا قطعت وحرقت أكثر من 625 ألف شجرة زيتون وقضت على أكثر من 700 ألف شجرة غابية سواء بشكل عشوائي أو بحجة إنشاء المقرات العسكرية وفتح الطرقات أو المجمعات، وأضافت المنظمة أن في في ناحية بلبل قاموا بقطع أكثر من 135 ألف شجرة زيتون و90 ألف شجرة غابية، بينما في ناحية راجو هناك ما يقارب 110 الف شجرة زيتون مقطوعة إضافة إلى 90 ألف شجرة غابية، وفي ناحية شران هناك أكثر من 105 آلاف شجرة زيتون مقطوعة إضافة إلى 120 ألف من الأشجار الغابية، وفي ناحية معبطلي قطعوا وحرقوا ما يقارب 100 ألف شجرة زيتون، بينما الأشجار الغابية تقارب نحو 150 ألف شجرة، وفي ناحية جنديرس هناك ما يقارب 75 ألف شجرة زيتون مقطوعة وأكثر من 60 ألف شجرة غابية، في حين هناك في ناحية شيه (شيخ الحديد) بحدود 25 ألف شجرة زيتون مقطوعة إضافة إلى أكثر من 55 ألف شجرة غابية” أما بخصوص القرى المحيطة بمركز مدينة عفرين وناحية شيراوا، قالت المنظمة “إن هناك ما يقارب 80 ألف شجرة زيتون وفواكه مقطوعة إضافة إلى ما يقارب 115 ألف شجرة غابية”.
وبالنسبة للقارئ الذي لا يعلم شيء عن منطقة عفرين الواقعة في أقصى شمال سوريا، ولا عن المسافة بينها وبين تركيا، نقول بأن المنطقة كانت ملاصقة تماماً للحدود التركية قبل عام 2018، بينما ومنذ ما بعد تاريخ 18 آذار 2018 صارت المنطقة خاضعة واقعياً لنفوذ الدولة التركية، أما عن المسافة بين فلسطين وتركيا، فحسب موقع فلسطينيو العراق، في مادة بعنوان “حقائق جغرافية: المسافة بالكيلومترات بين العواصم الإسلامية والقدس الشريف” جاء فيها أن تركيا تبعد عن القدس الشريف 1169 كم!! وبناءً على هذه المسافة بين تركيا وفلسطين فمن الطبيعي كما من المتوقع أن لا يقدر الصحفي الحصول بسهولة على كل المعلومات المتعلقة بما يفعله المستوطنون هناك بحق الفلسطينيين، بينما بمستطاع الإعلاميين السوريين أو الإعلاميين العرب العاملين في تركيا، وكذلك الأمر الصحفيين الأتراك زيارة عفرين متى ما أرادوا ذلك، والحصول بالتالي على كل المعلومات المتعلقة بما يجري في منطقة عفرين من اِنتهاكاتٍ بحق البشر والشجر ساعة بساعة، بما أن الدولة التركية موجودة بجيشها وإعلامها وأجهزتها الأمنية هناك، كما أن الدولة نفسها إن أرادت قادرة على تعقب ما يجري في المنطقة بناءً على طائراتها المسيرة التي تراقب الأجواء.
وفي الأخير فعدا عن الإزدواجية الفاقعة للصحفيين والنشطاء والمهتمين بموضوع حقوق الإنسان، يبقى الغريب في الأمر هو أن الطائرات التركية المسيرة عبر كاميراتها كانت قبل 2018 ترى وبدقة عالية عناصر وحدات الحماية الشعبية التابعين لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD وهم يتدثرون بشعارات قائدهم في العراء، أو يتسامرون في الطرقات أو في ظلال الأشجار، بينما ومنذ ما يزيد عن سنتين ورغم كل ما يجري في منطقة عفرين من تفجيرات وانتهاكات وسلب ونهب وقطع الأشجار المثمرة والحراجية فتلك المسيّرات لم تعد ترى أيَّ شيء!!!.