مخاطر إلحاق عفرين بتركيا

شمس الدين حمو 
في الآونة الأخيرة برزت فئة من المحللين السياسيين الكرد الذين يراهنون عادة على تحولات سحرية لظواهر طبيعية أو إجتماعية بحيث تنجز مهام كبيرة وتحقق مصالح كردية ببعض التخيلات السحرية. فيعيشون أضغاث أحلامهم تلك ومن ثم يصدقونها على أنها تعبر عن وجهة نظر يجب احترامها. طبعا لا يخفى على العارفين أن الإنسان يلجأ إلى هكذا حلول وتحليلات سحرية حين يفقد توازنه والسيطرة على مصيره وينفلت الواقع من بين يديه انفلاتا كليا. إنه الوهن بأقسى وأقصى معانيه.
لقد تفتقت عبقرية هؤلاء في الآونة الأخيرة عن حل لقضية عفرين في غاية التفاؤل ولكن المؤسف فيه أنه في غاية الحماقة والسذاجة. يقول أصحاب هذا التحليل العبقري أن هناك إمكانية للتعاون مع تركيا لضم منطقة عفرين إليها ،   وحين نجاح العملية نكون بذلك قد حققنا مكسبا كردستانيا بتحطيم أحد خطوط سايكس بيكو الحدودية وتعود عفرين إلى أمها كردستانا باكور والحجة هي أن سوريا وتركيا بالنسبة إلى عفرين سيان كلاهما دولتا احتلال .  طبعا أصحاب هذا التحليل العبقري لا يقولون لنا إلى أية درجة يجب أن تكون العدوة تركيا غبية كي تحقق لنا هدفا عظيما بالمجان ومن تلقاء نفسها. ثم هم يفترضون وجودا قائما لكردستانا باكور لا ينقصها سوى إلحاق عفرين لتكتمل. هكذا وببساطة فإن التعاون مع تركيا لتمكينها من اقتطاع عفرين من سوريا وإلحاقها بها هو إنجاز كردواري على طريق توحيد كردستان. 
لا يخطر ببال أصحاب هذا التحليل العبقري أن تركيا كي تحقق هكذا هدف لا يكفيها أن تكون قوية كفاية وإنما عليها أن تقوم بخطوات صعبة أقلها أن تفعل ما تفعله بموافقة الأمم المتحدة والتي ستشترط حكما أخذ رأي السكان المحليين الذين بالتأكد سيرفضون الإلتحاق بتركيا التي احتلت أرضهم وسلبت ممتلكاتهم واعتدت عليهم ومارست كل أشكال العدوان. ولكي تضمن تركيا رأي السكان إلى جانبها عليها تبديل السكان وهذا ما تفعله تركيا بالضبط من تغيير لديمغرافية عفرين وهويتها وحتى طبيعتها وزيتوها تقتلعها لتستبدهلها بزراعات أخرى.
ولنا في لواء اسكندرون شاهد ودليل فقد عملت تركيا منذ تأسيس الدولة السورية على اقتطاع لواء اسكندرون وضمها ولم تنته من عملية الضم إلا عام ١٩٩٩ وقد تطلب الأمر اتفاقين حدوديين واستفتائين جرى الاستفتاء الأول عام ١٩٣٩ اثر الإتفاقية الحدودية بين تركيا ودولة الإنتداب فرنسا وجرى الاستفتاء الثاني عام ١٩٩٩ اثر إتفاقية اضنة التي تنازل فيها نظام الأسد عن حق سوريا بالمطالبة بلواء اسكندرون. بعد أن دقت تركيا طبول الحرب. خلال الأعوام الستين استطاعت تركيا تغيير الهوية السكانية للواء اسكندرون خاصة بالنسبة للمكون الكردي الذي كان يشكل نصف سكان اللواء في حين أن اللواء اليوم بات خاليا من الهوية الكردية.  
إن تمكين تركيا من ضم عفرين إليها يعني بالضبط تمكينها من جعل التغيير الديمغرافي أمرا واقعا. إذا كان اللواء المتنازع عليه ولم يكن قد تم الإعتراف به على جزء من سوريا تطلب تغيير ديمغرافيتها وتبديل معالمها فكيف بعفرين الموجودة على الخرائط الدولية كجغرافية سورية هل يمكن لتركيا ضمها دون إتخاذ خطوات أعمق وأشد تاثيرا على السكان الكرد؟. 
ليس أمام كرد عفرين إلا مواجهة تركيا في المحافل الدولية والإستعانة بقوى السلم والحرية   واستنهاض الرأي العام العالمي لدحرها ووضع حد لها.  
حقيقة لست أعلم أية قوة سحرية هي تلك التي ستجعل من تركيا التي تكلفت كل تلك التكاليف المالية وزجت بجيشها وبكل ثقلها في معركة هدفها الأول والأخير هو القضاء على كردية عفرين لتنقلب فجأة من محو كردية عفرين إلى جعلها مركزا لإعادة إحياء كردستانية كردستان باكور.
أصحاب هذا الطرح إن لم يكونوا مرتزقة وعملاء لدى الجانب التركي ،  فهم بالحد الأدنى حمقى لا يفقهون شيئا بالسياسة. وعلى الأغلب هم مرتزقة وعملاء وإلا كيف يمكن أن يفسر طرح كهذا في زمن تفلت فيها تركيا قطعان فصائلها المسعورة على عفرين وأهلها تنكل وتسرق وتنهب وتدمر كل شيء في عفرين.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين   في السنوات الأخيرة، يتصاعد خطاب في أوساط بعض المثقفين والنشطاء الكرد في سوريا يدعو إلى تجاوز الأحزاب الكردية التقليدية، بل والمطالبة بإنهاء دورها نهائياً، وفسح المجال لمنظمات المجتمع المدني لإدارة المجتمع وتمثيله. قد تبدو هذه الدعوات جذابة في ظاهرها، خاصة في ظل التراجع الواضح في أداء معظم الأحزاب، والانقسامات التي أنهكت الحركة الكردية، لكنها في عمقها…

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…