الكرد في إنتظار الانتخابات الأمريكية

فرحان مرعي
غالبية الشعب الكردي وبطبعهم السياسي لا ينامون الليل حتى يعرفوا ماذا يجري في البيت الأبيض، أو في قصر إليزيه وبرمنغهام، يعرفون بدقة أسماء وزراء الخارجية، ورؤساء وزراء هذه الدول وغيرها أكثر من شعوب تلك البلدان، ينتظرون انتخاباتهم، يهمهم من فاز ومن خسر،  الديمقراطيين أم الجمهوريين أم  العمال أم المحافظين، لأنهم يعتقدون أن مصير قضيتهم أو حلها مرتبط بنتائج هذه الإنتخابات، والتبدلات التي يمكن أن تحدث في تلك البلدان، وخاصة أمريكا، وهم الآن(الكرد)، يعدون الأيام والليالي في إنتظار يوم الإنتخابات ، وينسجون ويتخيلون المعجزات. إنهم في إعتقادهم وتصورهم هذا حقيقة يقاربون شيئاً من الصحة  مع جانب من الخطأ ايضاً  . 
الجانب الصحيح والواقعي، هو أن أمريكا دولة عظمى، والأولى  على مستوى العالم، حتى اللحظة، تملك من الإمكانيات المادية والعسكرية والسياسية ما تؤهلها لقيادة العالم و التحكم في القرارات الدولية، وأمريكا إذا أرادت أن تأخذ جانب دولة ما أو شعب ما، تستطيع أن تفعل، وتغير ما تريد، لذلك فإن الشعوب المستضعفة تعمل دائماً على كسب ود أمريكا حتى تقف إلى جانبها، وتدافع عن قضاياها وحقوقها، وهذا حال الشعب الكردي الذي يسعى إلى تأمين حقوقه  القومية أسوة بالشعوب الأخرى وبما ينسجم مع الأعراف والمواثيق الدولية، بحاجة دائماً إلى دعم دولي كبير، وخاصة دولة مثل أمريكا ما لها من ثقل عالمي كبير، لذلك فإن الكرد ينتظرون الإنتخابات الأمريكية بفارغ الصبر، ويراهنون على من  ينجح فيها، وخاصة أن لبعض الأشخاص دور وتأثير في مجريات الأمور، ومدى تعاطفهم مع القضية الكردية تأخذ حيزاً مهماَ في الرهانات الكردية ، وما زال الشعب الكردي يثني على دور الرئيسين الأمريكيين جورج بوش الاب والأبن في إنهاء الإستبداد في العراق، وسن دستور فيدرالي لها، بما حقق من طموح كردي في إقليم قومي له خصوصيتها  المميزة .
أما الخطأ في الإعتقاد الكردي في إنتظار الإنتخابات الأمريكية وما يمكن أن يؤدي إلى تبدلات عميقة في السياسة الخارجية الأمريكية ، هو التجاهل أو النسيان أو تغليب  العاطفة على الواقع، هو أن أمريكا دولة مؤسسات عريقة في الديمقراطية والدستور، وإن الشعب الأمريكي يختار من هو أكثر كفاءة وحرصاً على تحقيق مصالحه اليومية، كما إن السياسات الأمريكية الاستراتيجية لا تتغير كثيرا بتغير الرؤساء، بل تحكمها المصلحة القومية الأمريكية الاستراتيجية ،بغية الحفاظ على  سيطرتها العالمية  فعلى الأغلب، الرئيس الأمريكي المنتخب هو ممثل الاحتكارات والشركات الاقتصادية والعسكرية،  لا يهمهم كثيرا قضايا الشعوب، وهي في علاقاتها الدولية تتعامل بعقلية المصالح  والتجارة والربح والخسارة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، وفي موضوع مرتبط بالقضية الكردية  ورغم عدالتها ، نجد أن المصالح الأمريكية مع تركيا أكبر من مصالحها مع الكرد، لاعتبارات عديدة، إقليمية ودولية وجغرافية وتاريخية واقتصادية، لذلك نشعر بالخذلان  عندما تصرح أمريكا أن مصالحها مع تركيا أهم من مصلحتها مع الكرد. لذلك من الخطأ إنتظار نتائج الانتخابات الأمريكية باعتبارها المنقذ لنا كشعب مظلوم، أو  توليف قضيتنا تجاهها، دون سيطرة ذاتية وضبط داخلي.
عادة الشعوب المهمشة والضعيفة،  تنتظر المعجزات لإنقاذها، الانتخابات الأمريكية نموذجا هنا ، ولكن في النهاية، الانتخابات الأمريكية هي لأمريكا وللشعب الأمريكي ومصالحه الحيوية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

فواز عبدي في مشهد الصراع السوري، تُستدعى رموز التاريخ الإسلامي بشكل متكرر من قبل الفصائل المختلفة، كلٌّ بحسب توجهه وهويته. ومن بين تلك الرموز، يبرز اسم الدولة الأموية / بني أمية / الأمويين بقوة في خطاب بعض الجماعات والفصائل ذات الطابع السنّي، خصوصاً تلك التي ترى نفسها امتداداً لـ”أمجاد الماضي”. لكن استحضار بني أمية اليوم، في سياق شبه حرب أهلية…

د. محمود عباس   بعد مجريات الأحداث المتسارعة في سوريا، وتحوّل ما يُسمّى بالحكومة الانتقالية إلى واجهة مفرغة من الوطنية، خاضعة بالكامل لهيمنة هيئة تحرير الشام، ومُلتحقة بالإملاءات التركية، لم يعد أمام الحراك الكوردي خيار سوى الإعلان، وبشكل صريح وحاسم، أن المنطقة الكوردية ستدار بشكل مستقل عن المركز، إلى أن تتضح ملامح سلطة سورية بديلة، مدنية، لا مركزية، تؤمن بالنظام…

ابوبکر کاروانی. من خلال عقد مؤتمر للوحدة والموقف الكردي الموحّد في روج آفا، دخلت القضية الكوردية في ذلك الجزء من كوردستان مرحلة جديدة ومهمة. وتتمثل في توحيد القوى الكوردستانية في روج آفا على أساس تمثيل الذات كناطق باسم شعب كوردستان في هذا الجزء من كردستان، ولحلّ قضية عادلة لم تُحل بعد. هذه الخطوة هي ثمرة جهود للقادة، وضغوط ومساندة الأصدقاء،…

نظام مير محمدي* لطالما كان الملف النووي الإيراني أحد التحديات الأساسية على الساحة الدولية. فمنذ الأيام الأولى لنشاط مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إيران، سعى النظام الحاكم جاهداً، عبر خلق العقبات وتقديم معلومات منقوصة، إلى إخفاء الطبيعة الحقيقية لبرنامجه النووي. هذا النهج المخادع، الذي أكدت عليه مراراً وتكراراً السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، مطالبةً برقابة…