قاعدة إنجرليك والسفارة الأمريكية في بغداد

 د. محمود عباس
تثير الولايات المتحدة الأمريكية، في هذه الأيام قضيتن استراتيجيتين حساستين، ليس فقط على مستوى الشرق الأوسط، بل على مستوى العالم:
1 حذرت الحكومة العراقية بأنها قد تقوم بأغلاق سفارتها في بغداد، والأسباب متعددة، ليس فقط كما يقال إنها أمنية. 
2 تبحث في الأروقة الدبلوماسية عن احتمالية نقل معداتها العسكرية من قاعدة إنجرليك التركية، التابعة لحلف الناتو، إلى خارج تركيا.
وفي الحالتين، تدرس عدة احتمالات، ومن ضمنها المراكز البديلة، وعلى الأغلب، ستكون:
 في الحالة الأولى، (هولير) عاصمة الإقليم الفيدرالي الكوردستاني، قد تحل مكان بغداد، حيث ملائمة الظروف السياسية والأمنية، وإن تمت ستكون قد أعادت النظر بشكل غير مباشر في مواقفها السابقة، وخاصة من مسألة الاستفتاء، والتي كانت قد طلبت حينها من حكومة الإقليم التريث فيه، وبسبب عدم الموافقة خسرت ثلث جغرافيتها. 
 وهنا الأوساط العراقية السياسية تدرك تبعات هذه الاحتمالية والتهديد غير المباشر، والتي ستلحق بها عقوبات اقتصادية وسياسية لا حصر لها، وستزيد من الكوارث التي تواجهها حكومة العراق، وقد تؤدي إلى تمزقها، وإزالة هيمنة القوى الشيعية المتذبذبة أو التابعة لأئمة ولاية الفقيه، كما ولا يستبعد أن تكون هذه من ضمن مخطط إرضاخها لخوض مسيرة التطبيع مع إسرائيل المرفوضة من قبل الأطراف الشيعية التابعة أو الموالية لإيران.
 وفي الحالة الثانية، يقال وحسب مقال نشر في جريدة التايمز اللندنية، بعدما عرضت الصعوبات التي ستواجه العملية، أنها تدرس احتمالية نقلها إلى جزيرة كريت اليونانية، وأن وزير خارجية أمريكا مايك بومبيو سيناقش هذا الموضوع مع الحكومة اليونانية، في اللقاء القادم. 
 فالتهديدات التركية المتتالية لأوروبا وأمريكا بدأت ترتد عليها، وتتبين من خلال الدعم المتزايد لليونان، خاصة مع تصعيدها موجة التوجه الإسلامي الراديكالي والقومي التركي، كقوة مشتركة مع السند الروسي لفرض إملاءاتها على الطرفين الناتو وأمريكا، متناسية أن مركزها الاقتصادي الحالي نتجت عن مسيرة دعم متواصل من قبل الشركات الرأسمالية العالمية التابعة لهاتين القوتين الكبريين، والتي بإمكانها وعلى مدى سنوات قليلة أن تعيدها اقتصاديا وعسكريا إلى دولة ضعيفة، وفي الواقع الغرور المتزايد عند العديد من زعماء الدول تجلب الكوارث لشعوبه، والأمثلة لا حصر لها في التاريخ، ومن الواضح أن أردوغان دخل هذه المرحلة بعد فشل الانقلاب الموجه للإطاحة به.
 وهنا لا بد من الحراك الكوردستاني التحرك على مستويات دبلوماسية أمريكية وأوروبية، لوضع البديل عن النقل المكلف والصعب، خاصة هناك رؤوس نووية بينها، لإقناعها بالضغط على تركيا والدول المجاورة وخاصة روسيا، بإقامة فيدرالية شمال كوردستان، أي تغيير النظام في تركيا إلى نظام فيدرالي، وعلى الأغلب ستدعم الخطة بعض دول المنطقة كاليونان وقبرص وبلغاريا، وغيرها، وفي الواقع تركيا ليست بتلك القوة التي تظهر ذاتها، في حال تخلت عنها الناتو وروسيا. فأمريكا والناتو يعلمون أن القاعدة تقع ضمن أراضي كوردستان، وبهذه الخطوة ستكون قد سهلت أمريكا لذاتها الكثير من المصاعب، إلى جانب أحلال سلام واسع في تركيا. 
 وفي الحالتين، يلاحظ أن المنطقة الكوردية تدرج يوما بعد أخر ضمن الصفقات الإستراتيجية العالمية، رغم عدم إثارتها على الإعلام، لئلا تثار حفيظة الدول المتربصة بكوردستان، فهل حراكنا الكوردستاني على مستوى الأحداث، ولها إمكانيات تناولها ومعالجتها والدفع بها لتدخل حيز التنفيذ.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
28/9/2020م
  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…