مدى جدية حزب العمال الكُردستاني في مفاوضات (وحدة الصف الكُردي)

حسين جلبي
تقوم مفاوضات (وحدة الصف الكُردي) بين حزب العمال الكُردستاني والمجلس الوطني الكُردي السوري كما يُفترض، على أساس الوصول إلى شراكة كاملة مناصفةً بين الطرفين؛ في المرجعية والحكم والدفاع عن المناطق الكُردية السورية (أو ما تبقى منها)، الأمر الذي يعني قيام الحزب بمنح نصف ما جناه للمجلس، مقابل اشراكه في المسؤولية عما تسبب بها من كوارث أو على الأقل السكوت عنها والمساهمة في معالجتها، والاستفادة من القبول النسبي الذي يحظى به المجلس، للخروج من أزمته الوجودية والعزلة المفروضة عليه، بتطبيع وضعه ودمجه في المنطقة، ومنحه غطاءً لتجاوز الرفض السياسي الذي يواجهه، ومن ثم المساعدة في حجز مكان له إلى جانب المعارضة السورية، وجعله جزءاً من شبكة العلاقات الرسمية التي يملكها. 
ويأمل الكُرد من جهتهم، أن توحد المفاوضات الصوت الكُردي في سورية، وتكرسه لخدمة القضية الكُردية في البلاد، وأن تؤدي إلى تطبيع الأوضاع في مناطقهم ووضع نهاية لمسلسل خسائرهم، وأن تتوج بمشروع قومي كُردي يتم التفاوض عليه مع الأطراف السورية المختلفة، للوصول إلى الاعتراف الدستوري بحقوق الشعب الكُردي في سورية.
لكن تكوين حزب العمال الكُردستاني، وبرمجته على أساس خدمة أجندات سورية وإقليمية ودولية، تتقاطع في حدها الأدنى مع الإضرار بمصالح الكُرد، ومعاداة الحزب الصريحة لنيل الكُرد حقوقهم القومية، بالإضافة إلى الواقع الكارثي الذي كان الحزب من أدوات صياغته، تجعل من حصول تقارب حقيقي بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكُردي، وحل المعضلات القائمة وصولاً إلى اتفاق شامل لخدمة القضية الكُردية؛ أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً، إذ لا بد من أجل الوصول إلى مثل هذا الاتفاق، من تغيير نظرة الحزب إلى الحقوق القومية الكُردية والكف عن اعتبار الكُرد مجرد أدوات يستخدمها لتحقيق مشاريع الآخرين، ، وفك الارتباط بين حزب العمال الكُردستاني وفرعه السوري وواجهته حزب الاتحاد الديمقراطي، وليس الاكتفاء بتغييرات شكلية من طينة لعبة تغيير الاسماء التي اعتاد الحزب القيام بها كلما واجه مأزقاً، والقول فقط بأن الحزب الثاني لم يعد جزءاً منه، بل لا بد من ابعاد حزب العمال الكُردستاني عن المنطقة وتحريرها من نفوذه فعلاً، وهو ما يعني شطره إلى قسمين، الأمر الذي لم يتهاون مع محاولات بذلك منذ تأسيسه.
ولعل من التغييرات الحقيقية الأُخرى التي ينبغي حصولها، انهاء استفراد حزب العمال الكُردستاني بإدارة المنطقة، وإقامة إدارة جديدة ذات خصوصية كُردية سورية بدلاً منها، وهو الأمر الذي يرفضه الحزب ويطالب بدلاً منه بالبناء على إدارته وتطويرها؛ بحيث تصبح قادرة على استيعاب المجلس الوطني الكُردي. كما أن الوضع العسكري هو من بين القضايا الشائكة، بسبب استحالة تغيير الطبيعة الحزبية للوحدات العسكرية التابعة للحزب، وتحريرها من الأيديولوجيا التي يتم تلقينها لها والتي تعمل على خدمتها، وصعوبة إدخال قوات بيشمركة (لشكري روج) التي تعسكر في إقليم كُردستان، والتي يطالب الحزب بدمج أفرادها في وحداته، وضمن هذا السياق، هناك موضوع التجنيد القسري الذي ينفذه الحزب لمصلحته من خلال عمليات خطف غالباً، والذي يشمل التأثير العقائدي على تلاميذ المدارس خاصةً، التي حول الحزب التعليم فيها إلى محض تلقين أيديولوجي غير معترف به، ينتج له المقاتلين والأنصار.
رغم أن أي اتفاق شراكة لإدارة المناطق الكُرديّة السوريّة، قد يعقد بين حزب العمال الكُردستاني والمجلس الوطني الكُردي؛ سيقتصر على العموميات ولن يؤدي سوى إلى تجميد الوضع دون معالجة المعضلات الحقيقية في العمق، إلا أن مثل ذلك الاتفاق سيحمل رغم ذلك بذور فشله، في انتظار اللحظة المناسبة لانقلاب الحزب عليه، لأسباب كثيرة تجعل من قبوله الشراكة مع أي جسم كُردي آخر على قاعدة المساواة أمراً مستبعداً، خاصة مع المجلس الذي يميل ميزان القوة معه لمصلحته بما لا يقارن، وعدم وجود ضمانات أو قوة ترغم الحزب على الالتزام بما سيوقع عليه، ووجود سوابق دلت على أن اتفاقاته مع المجلس إنما كانت مجرد تكتيكات انقلب عليها بعد أن حققت أغراضها، واستحالة قيامه بتغيير طبيعته العسكرية والعمل في بيئة سلمية؛ لا تضمن له بقاءً أو غلبةً دون انفراد بالسلاح، وكذلك استحالة انقسامه على نفسه مثلما تتطلبه المرحلة، والفصل الفعلي بين المنظمة الأم؛ حزب العمال الكُردستاني وامتداده السوري حزب الاتحاد الديمقراطي، وبالتالي عدم خروجه من المنطقة التي يعتبرها ملكية خاصة، ويعتبر وجوده فيها درة انتصاراته، والتي تعد في الواقع مع مناطق تواجده القسري في إقليم كُردستان، بمثابة الرئتين اللتين يتنفس من خلالهما والخزان البشري والمالي الذي يمده بأسباب البقاء.
في الواقع، لا يؤمن حزب العمال الكُردستاني بالحقوق القومية الكُردية، وبالتالي بالشراكة مع المجلس الوطني الكُردي أو بالعمل المشترك على تحقيقها، وهو يعتبر المفاوضات ـ أو حتى الاتفاق العتيد ـ مجرد خدعة وتكتيك مرحلي يتبعه للبقاء عائماً، وقبولاً بأهون النارين؛ نار التلاشي من المنطقة أو مداراة المجلس للبقاء فيها، خاصةً أنه بشكله وشعاراته وأهدافه جسمٌ غريبٌ عن طبيعتها ولا يلقى قبولاً فيها، بالإضافة إلى ارتهانه لأجندات محلية وإقليمية ودولية تتعارض مع حقوق الكُرد في سورية، يستحيل عليه تحرير نفسه منها والعمل بما يخالفها. إن ما يريده حزب العمال الكُردستاني من التفاوض مع المجلس الوطني الكُردي، هو التفاوض من أجل التفاوض فحسب، بحيث تكون النتيجة ـ إذا تحققت ـ اتفاق شكلي مع المجلس، يتخذه غطاءً لاستمرار السيطرة على المنطقة ومتابعة استثمارها، أو بيان عام مع استمرار التفاوض على القضايا الرئيسية؛ حتى حصول تغييرات تمكنه من الانقلاب عليه، لأن أكثر من ذلك يعني انتحاراً له.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…