إبراهيم اليوسف
لاتزال الصورة أمام عيني، عقب الندوة التي أقامها المركز الثقافي الكردي في فيينا لي وللصديق عبدالباقي حسيني، للحديث في أعمالنا المطبوعة آنذاك في آذار العام 2018، عندما كنت أوقع على إصداري: شارع الحرية وشنكالنامة، كانت ثمة قامة رامحة قربي، تنتظر انفضاض من حولي، وهي تتأمل بهدوء، جمهور الندوة الكردي، بل والسوري، وكأن صاحبها يريد قول شيء ما لي. حاولت أن أعصر ذاكرتي لأعرف: من هو؟، فلم أفلح، وما إن بقيت وحدي مع بعض الأصدقاء المقربين الذين ذررتنا آلة الحرب المفروضة على السوريين، حتى سلم علي، ورحبت به بحرارة. كنت أدرك أن صاحبي صديق، ووجه مألوف، إلا أنني كثيراً ما أتلكأ، وأرتبك، في ربط الأسماء بأصحابها:
سألني؟ أعرفتني؟
وعادة، ما لاأصرح بالإجابة، إذ أحاول التهرب منها، عسى أن أتذكر جيداً، وبدقة، من هو متحدثي، وإن كانت لي في هذا المجال قصص كثيرة، إلا إنه بادر مسرعاً ليقول بكردية حانية، وبصوت خافت:
أنا زاغروس
لم أرد أن أشعره بأنني لم أخمن الاسم، وكان علي ذلك، لاسيما وأنه بيننا مراسلات إلكترونية سابقة، وقد تعززت عبر- بريد الفيس بوك- وكان قد أهداني عبر البريد المسجل- كتابه ” تأريض الإسلام” وكنت قد أعلنت عنه في صفحتي الفيسبوكية – ويبدو أنه لم ير ذلك- فواصلت حديثي معه، وهو يلح علي، أن أسهر الليلة، ومن معنا، عنده، فاعتذرت قائلاً:
أنا ملتزم ببرنامج من مضيفي، وسأعود بعد غد، إلا أن فيينا غدت مربط خيلنا، وأننا آتون مرات أخرى، وأعدك بأن تكون بيننا زيارة أخرى، ثم قلت له:
سندعوك إلى ألمانيا من أجل ندوة عن كتابك
فرح بالمقترح، وقال:
لكن، الكتاب، للأسف، لم يقرأ، على نطاق واسع، كما كنت أريد. سنتفق على ذلك لاحقاً
أعرف، أنني قصرت كثيراً، في إعادة عرض إقامة – ندوته- وهو ما آلمني، كما أن التواصل بيننا، بقي في الحدود العادية، وكان ينبغي أن يتعمق، إلا إنني أعددته أحد أصدقائي. أحد الذين لهم في ذاتي رصيد كبير، من دون صرفه، على النحو المطلوب، للأسف، إلا ضمن ما تتكرم به ظروفي مع الآخرين، نتيجة التشتت وفق صفة أطلقها علي الملا عبدالله ملا رشيد رحمه الله، لأنني كنت أقصر في زيارته، بعد أن نشأت بيننا في السنوات السابقة علاقة، على أنقاض علاقته بذوي: جدي ومن ثم أبي وعمومتي، ضمن إطار علوم الدين
لا أخفي، أن وقع غياب زاغروس آمدي علي كان شديداً، بعد أن كاتبني – برور ميتاني- قائلاً مامعناه: أعلمك بأسف، وفاة زاغروس، وعندما طلبت منه أن يتحرى الأمر جيداً، أكد أن النبأ صحيح، ثم زودني بهاتف شقيقه الأكبر “حميد” وهو بدوره كاتب، لأتصل به، وأتأكد، بحزن جم، وذلك لأني كنت عارفاً بأن زاغروس صاحب نظرية – التأريض- والتي قد أختلف معها فيها، بل ومع بعض آرائه الأخرى، أو أتفق، فهو أمر آخر، كان مقدراً من لدنه، وهو يناقشني قبيل إرسال الكتاب إلي، وجاءت السنوات مابين 2012- 2017، ومن ثم 2020، فرصة سانحة، وهو في حل من بعض المشاغل، ليواصل كتابة مشروعه الرؤيوي، متكئاً على ثقافة عميقة، طالما نهلها……
يتبع