سوريا ومتاهات التشكل الجديد

 وليد حاج عبدالقادر / دبي 
شخصيا أقر بأنني تعلمت من قراءة الميثولوجيا دروسا مهمة في آليات تجلي القداسات وانكشافها مجرد أن يسعى الإنسان  بالتعمق فيها معرفيا ، وهنا وفي اسقاط بديهي وكمنتم لخارطة سوريا سايكس بيكو ، من الطبيعي ان يكون دواعي هذا الكلام هما أمران وأولهما هو تجاوز المحظور في امكانية مناقشة إعادة بناء سوريا جديدة على أنقاض فشلها كدولة ، وتعدد الآراء في اسبابها ، والتي قد تكون – ربما – نتيجة لتشوهات التأسيس ذاتها ، وأكمل عليها نظام الأسدين ، أو لربما حسب رأي آخرين حيث  يحملون نظام الأسدين كامل  المسؤولية ، واصحاب هذا الرأي يستشهدون بمرحلة مابعد الإستقلال إلى عام 1950 بدستوره حتى دخول نفق الانقلابات العسكرية والإحتكار القومي العربي من خلال حزب البعث الى حقبة الأسدين .
 وفي عودة لطروحات الحل في سوريا بمختلف مخرجاتها ، وأهمها تلك المبادرات التي توخى كثيرون منها أن تضع حجر الأساس لتوافقات مجتمعية بين مكونات سوريا على قاعدة إقرار الكل بالكل ، ومن ثم إعادة بناء سوريا جديدة كدولة اتحادية تشمل أقاليم – تعددت فيها التوصيفات والآراء – ، هذا المشروع بعنوانه العريض أمر جدير بالوقوف عنده ومتابعته ، لابل وتشجيعه ، شريطة ألا يكون مجرد عنوان فضفاض لشعارات بزوايا حادة تستهدف التعويم الأكثري تحت أية يافطة من جهة ، او الإستثمار الميكانيكي لمفاهيم الإستفتاءات وأكثرياتها من دون ايجاد صيغ قانونية مافوق دستورية او توافقية خاصة التي تتماس مع الحقوق المكوناتية ، وبتصوري أن أهم خطوة للتأسيس عليها يفترض أن تترتكز على أرضية الثقة التي يتوجب تأسيسها ، ومن ثم كسر حواجز الممنوعات ، والانفتاح الجدي للغالبية العظمى من المشاركين في نقاشات وحوارات تتماس مع هذه المبادرة ، بحيث يمكن وضع لبنات جادة ، يمكن البناء عليها ، وبالتالي امكانية نجاحها وتأسيس أرضية حقيقية يبنى عليها مستقبلا ، وبعيدا عن الشعارات ومع ملاحظة حجم ما حفرته النظم من خنادق بينية وسط المكونات جميعا ، وبات لكل خندق خنادق فرعية ، ولردمها وتحييدها سيلزمها خطوات عملية على أرض الواقع . نعم ! هناك مسلمات أساسية تستوجب الإرتكاز عليها في البناء الجديد ، خاصة في أتون توجه – مبادرة تأسيسية سياسية بعيدة عن العسكر وتدخلهم ، ومنبر ديمقراطي يؤسس لحوارات هادفة تحترم مخرجاتها ، وتعتمد على صياغة دقيقة وبكلمات صريحة لا حمالة أوجه لمعان عديدة ، والأهم – برأيي – التأسيس النظري البسيط والعفوي لذلك المفهوم وببعديه الجغرافي – التاريخي ، وقد توسم كثير من السوريين في مشروع – مبادرة سوريا الإتحادية – وكرؤية طرحت قبل سنة او أكثر ، هذه المبادرة التي لاتزال بحاجة إلى كثير من النقاشات والطروحات ، والتي – بحسب مخرجاتها – تستهدف في الأساس إعادة بناء الدولة السورية على خارطة سايكس بيكو وتفاهمات عصبة الأمم كما توافقات دولتي الإنتداب البريطاني والفرنسي ، وباختصار ، لابد من التذكير بأن هذه المبادرة مثل غيرها لاتزال هائمة في مخاض من المد والجذر والتعليل والتفسير كنهج بلاغي تمط لتفسر حسب الموقع والغاية او الطلب ، الأمر الذي يستوجب  إعادة صياغة لبعض من التعاريف الواضحة والصريحة من جهة ، والتوكيد على بعض من الرئيسيات – ايضا – في هذا المشروع / الطرح الجريء والمتقدم في عنوانه العريض والذي يمكن اختزاله في كلمتين – إعادة أشكلة أو تأسيس – الدولة السورية ، وطبيعي من دون تحمل مسؤولية الهدم والدمار حيث يدرك العالم أجمع  من الذي اوصل سوريا الى هذه الحالة .. أجل ! أن جل المبادرات  تحمل في طياتها أمورا مفيدة ويمكن التأسيس على بعضها ، وهي تحتمل – ايضا – الإرتقاء بها وصولا إلى توافقات وتفاهمات تطبيقية / عملية على أرض الواقع ، وهما نقطتان مركزيتان فقط ستساهمان ، لابل  وستصبحان رافعة جمعية للسوريين بكافة مكوناتهم فيما لو تم استغلالهما : الإقرار بالتعدد والانطلاقة منه إلى التشارك وعلى هذه الأرضية سيتمكن المبادرون من صياغة ميثاق لعهد تأسيسي يقر ويكون على مسافة واحدة وضامنة لحقوق الجميع ، ان النقاشات الجادة والصادقة ستودي بلا شك الى تصادمات في المواقف ورؤى تتباين وتختلف ، لابل قد تتضاد وتتصارع ، وستكون هناك مجموعات أيضا ستسعى الى هدر الوقت وتميع المواقف كما واللعب على المصطلحات والصياغات ، إلا أنه وبصريح العبارة كلما انفتحنا كسوريين على بعضنا ، كلما بانت وانكشفت تلك الذهنيات التي لاهدف لها سوى زيادة الشرخ وتأجيج الصراعات ، وللتأكيد مجددا فأن من أهم عوامل التأسيس لتلك الخطوات ستبقى قضية الثقة المتبادلة وجرأة الطروحات هي الأساس .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…