تطورات متسارعة.. وكورد سوريا على المحك..

م. محفوظ رشيد
حسب المعلومات المتوفرة لدينا، فإن الحوارات بين المجلس الوطني الكوردي ENKS ووحدة الأحزاب الوطنية الكوردية YPNK مستمرة وجادة برعاية موفد أمريكي خاص والجنرال مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وسيعلن الاتفاق النهائي قريباً ما لم توقف الحوارات عوامل فنية طارئة كجائحة كورونا مثلا، بعد أن يتم التوافق على بعض المسائل العالقة، كالأمور الاجرائية (الإدارية والرقمية والنسبية) في تقاسم المهام والوظائف، وكيفية ضم باقي القوى الكوردية من الأحزاب السياسية والمنظمات المجتمعية المدنية والشخصيات الوطنية المستقلة، التي غيبت أو غابت عن الحوارات منذ البداية.
ولا شك في أن الاتفاق المنشود هام وضروري لتحديد دور المكون الكوردي وموقعه في الحل النهائي للأزمة السورية في ظل التطورات المتسارعة التي ترافق المساعي الدولية القائمة والتمهيد لإيجاده وتطبيقه.
     لقد تم التوقيع على مذكرة التفاهم بين مجلس سوريا الديمقراطي (مسد) وحزب الإرادة الشعبية (قدري جميل) في موسكو وبرعاية وزارة الخارجية الروسية، وتحمل رؤية روسيا الرسمية للمسألة السورية، وبغض النظر عن نوايا روسيا وأجنداتها فإن المذكرة تتضمن بنوداً إيجابية بارزة وهي الاعتراف بخصوصية الإدارة الذاتية و قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والإقرار بالحقوق القومية للكورد وفق العهود والمواثيق الدولية، واعتبار اللامركزية ضمانة للحفاظ على السيادة والوحدة الجغرافية والمجتمعية لسوريا، وهذه من أهم مطالب الإدارة الذاتية في حواراتها ومفاوضاتها مع مختلف أطراف الصراع، كما أن المذكرة تفتح الطريق أمام (مسد) بالمشاركة في مفاوضات الحل النهائي واللجنة الدستورية تحت رعاية الأمم المتحدة عبر منصة موسكو أو دعمها، وهذه البنود جميعها مكاسب كبيرة وهامة، يتطلب من الإدارة الذاتية تثبيتها وتعزيزها ضمن تشاور وتنسيق مع الحليف الأمريكي وعبر توافق روسي أمريكي (مفترض ومتوقع).
     المعلوم في السياسة أن الثابت فيها متغير، وأنها فن الممكن لاستغلال الفرص المتوفرة والشروط الناضجة لتحقيق مكاسب، وأخيراً فلكل حالة خصوصيتها وظروفها الموضوعية، لذلك لا يجوز الربط والمقارنة في الكثير منها، وتتوقف على أهمية إنجازها ضمن مكان وزمان معينين بما يخدم أجندات الجهة المبادرة والراعية، فروسيا تختلف عن أمريكا في طريقة تعاملها مع القضايا الدولية عامة والسورية خاصة في إطار التنافس القائم بينهما.
     منذ تسلم حزب العدالة والتنمية AKP السلطة في تركيا فإن صراعه محموم ومتصاعد مع معارضيه، ويسعى الى ترتيب المؤسسة العسكرية حسب رغبته وتحييدها، لأنها كانت الحاسمة في تقويم مسار الدولة التركية – الأتاتوركية عبر انقلاباتها في محطات مفصلية من تاريخ تركيا، فسياسة AKP تعتمد على إلهاء الجيش بحروب خارجية عبثية وإنهاك قوته لعدم اتاحة الفرصة له ليلعب دوره المعتاد في السياسة التركية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الحشودات والمناورات العسكرية باتجاه يونان العضو في الاتحاد الاوروبي و الحلف الأطلسي (ناتو) ليست إلا زوبعة في فنجان في ضوء إعلان دول أوروبية عظمى و الولايات المتحدة عن تضامنها مع اليونان والتلويح بفرض عقوبات على تركيا، أما هدف تركيا المباشر من الحملة هو  ابتزاز المجتمع الدولي لتحسين شروطها وموقعها في الساحة الدولية والشرق اوسطية وبخاصة في البحر المتوسط بحثاً عن الغاز والنفط.
     تصريحات أردوغان وباقي القادة الأتراك المتكررة باستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية من خلال التمدد وفق ميثاقها الملّي أو ما خسرته إثر هزيمة الدولة العثمانية أمام الحلفاء وإنهيارها لصالحهم وتقاسم تركتها وفرض شروط وضوابط عليها في بعض الامور العسكرية والاقتصادية لتصبح عاجزة على المقاومة والتمرد، كما هي مثبتة في المعاهدات الدولية مثل لوزان التي تنتهي صلاحيتها بمئويتها عام 2023، وهذه ما تكسبها الثقة الزائدة بالنفس والتورط الى حد فتح جبهات عديدة ومتعددة غير محسوبة العواقب لإعادة الاعتبار والتعويض عن الهزائم والخسائر التي منيت بها سابقاً.
     كما أسلفنا فإن حلفاء تركيا الأطلسيين يقبلون بها ويسمحون لها بالتحرك والتفاعل بحرية في مدارات وقضايا دولية مختلفة ضمن تفاهمات مسبقة، ولكن باستثناء سياسة التوسع والمنافسة والتهديد في مصالحهم الحيوية والاستراتيجية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، ويعتبرون الاعتداء على يونان وقبرص من الخطوط الحمر لها، و يحظر على تركيا تخطيها.
     أعتقد أن الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا أصبحت واقعاً وحقيقة لا يمكن تجاهلها أو تجاوزها بدلالة التأكيدات الأمريكية وحلفائها الأوربيين على دعمها وحمايتها، وتأهيلها لتكون طرفاً أساسيا في بناء سوريا الجديدة، وكذلك الإعتراف الروسي الصريح بها من خلال “مذكرة التفاهم” التي تضمنت بنداً خاصاً عنها ومحاولاتها للتعاون والتنسيق معها بسبب أهميتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية في سوريا المستقبل.
 ———–انتهى————
07/09/2020

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…