مواقف «ضائعة» في «الوقت الضائع»

 صلاح بدرالدين
التوجه الروسي في ” قضم ” الملاذات الامريكية بالوقت الضائع 
اذا أضفنا المدة التي يحتاج اليها مسار عملية تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب الجديد ، وانتقال السلطة ، والمباشرة التنفيذية بالعمل الرئاسي المؤسساتي الى مدة شهرين باقيين لاجراء الانتخابات الرئاسية ، فاننا أمام نحو ستة أشهر على أقل تقدير لتعود إدارة الرئيس المنتخب الى المباشرة الاعتيادية لمسؤولياتها تجاه الداخل والخارج ، وطوال هذه المدة الزمنية التي تعتبر وقتا ضائعا لن تكون هناك قرارات حاسمة من الدولة الأعظم التي وان كانت تتميز بنظام مؤسساتي ديموقراطي واداري واسع وسلس ولكن وفي الوقت ذاته برئيس يحظى دستوريا بصلاحيات واسعة خاصة اذا كان من النوع الديناميكي المتابع والممسك بكافة خيوط اللعبة ، والمبادر النشط في طرح المشاريع الكبرى كما هو عليه الرئيس الحالي ، لذلك فان الامر لم يكن ليؤثر على دورة الحياة السياسية في أمريكا مثلا في حالة انتخابات مجلسي النواب والكونغرس وهما السلطة الاشتراعية الآعلى ولكن في حالة الانتخابات الرئاسية الأمر يختلف تماما . 
سوريا والاحتلالات متعددة الجنسيات 
مايتعلق بسوريا خصوصا والحالة التي تعيشها في ظل الاحتلالات متعددة الجنسيات والأديان والمذاهب والقارات والمعتقدات والأسلحة والميليشيات فانها ضربت رقما قياسيا في التاريخ البشري حيث تخضع لاحتلال وتحكم واستئثار ( الروسي المسيحي الأرثوزوكسي الدكتاتوري سليل الاتحاد السوفييتي ،  والامريكي المسيحي الكاتوليكي الليبرالي زعيم الامبريالية العالمية ، والتركي المسلم السني ذي التوجه العثماني  الممزوج بكل من الإسلام السياسي والعلمانية الاتاتوركية ، والإيراني المسلم الشيعي الخاضع لتوجيهات فردية الولي الفقيه المتأصل بالمذهبية ، والميليشيات والفصائل المسلحة العربية ، والكردية والمسيحية ، والتركمانية ، والشيعية ، والسنية ، العراقية ، منها واللبنانية ، والافغانية ، والإيرانية إضافة الى داعش وأخواته …..) فلاشك أن عملية الفرز والجمع وإعادة التموضع ، ولانغامر القول بالتحرير ، باتت معقدة جدا ولكن قد تحاول الجهات الفاعلة مثل روسيا التأثير على المعادلة القائمة لمصلحة نفوذها في هذا الوقت الضائع .
التحرك الروسي المضاد 
لاشك أن كل التحركات والمبادرات الروسية عبر هذا الكم الهائل من المبعوثين والموفدين والسفراء فوق العادة ( وتحتها ) وشبكات التجسس والمخابرات وجيش العملاء وكتبة التقارير والمشرفون على المنصات السورية ومواقع التواصل الاجتماعي تحت أغطية متعددة المسميات ( إخبارية – مراكز بحوث – غرف بث مباشر – محللون سياسييون وأمنييون – …) إضافة الى الفضائيات الناطقة بالعربية نقول أن كل ذلك – وهذا ليس سرا – يصب بمجرى واحد وهو إعادة سلطة النظام الى كل المناطق والمحافظات التي تخضع للأطراف والجماعات وهذا من صلب مصالح المحتل الروسي الذي يراهن منذ اليوم الأول من اندلاع الثورة السورية على ديمومة هذا النظام والحفاظ عليه والدفاع عنه عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا وامنيا واعلاميا 
وكما هو معلوم فان علاقات روسيا بتركيا وايران عبر اللقاءات الثلاثية و- آستانا – تهدف أيضا الى ماذكرناه سابقا ولكن بطرق ناعمة ودبلوماسية مع محاولاتها في دق الاسافين بالعلاقات التركية الامريكية خصوصا والغربية بشكل عام ونجحت في ذلك نسبيا بالاختراق التسليحي وعقود بيع وشراء منظومة الصواريخ الروسية المتطورة الذي لم يحصل سابقا في أية دولة عضو بالحلف الأطلسي – الناتو – وهذا ما سيشجع الدبلوماسية الروسية راهنا ومستقبلا للمضي قدما في تفتيت الأرضية التي تستند اليها القوات الامريكية في بعض المناطق السورية في الشمال الشرقي والحدود السورية العراقية .
ضعف المعارضة قوة للروس
من جهة أخرى فان ضعف وانقسام المعارضة السورية وارتباط الفصائل المسلحة بمن يمنحها وسائل الديمومة والبقاء وتراجع علاقاتها بالطرف الأمريكي ( وقد ظهر ذلك جليا باللقاء الأخير الذي جمع المبعوث الأمريكي بممثلي الائتلاف وهيئة التفاوض ) في استانبول يدفع روسيا أكثر نحو إزاحة النفوذ الأمريكي سياسيا ومن ثم عسكريا بخطوات تالية مكملة خصوصا في هذا الوقت الضائع الذي لن يتمكن – جيفري – ولا – رئيسه بومبيو – ولا جنراله – روباك – من وقف ماهو مرسوم من الجانب الروسي  ولكن وبكل أسف لن يشكل الروس بديلا أو خيارا سليما لمصلحة السوريين بل كما ذكرنا فقط لاعادة الاستبداد حتى الى مناطق غير خاضعة للسلطة الحاكمة .
مواقف مائعة 
سيستخدم الجانب الروسي كما أرى في الشهور القادمة – العصا – من دون – الجزرة – في تواصلها مع الجماعات والكتل والمنصات والأطراف السياسية والفصائلية – العسكرية السورية المعارضة منها أو الرمادية أو حتى القريبة من النظام مستغلة الوقت الضائع الذي أشرنا اليه وعلى سبيل المثال وقبل يومين حصل في موسكو ما نتوقعه وهو هرولة وفد يزعم انه يمثل أكثر من خمسين الف مقاتل وسلطة الإدارة الذاتية وحزب – ب ي د – وثلاث محافظات ( الحسكة ودير الزور والرقة ) ليجتمع مع جماعة صغيرة تعرف بمنصة موسكو معروفة بولائها لكل من النظام السوري وروسيا ويصدر معها بيانا مشتركا .
  ولم يتوقف الامر بهذا الحد بل تعرض الوفد الى الإهانة والتجاهل في بلاغ وزارة الخارجية الروسية بعد لقاء الوزير – لافروف – مع وفدي منصة موسكو وقسد حيث جاء بالبيا ن : ( استقبل وزير خارجية روسيا الاتحادية سيرغي لافروف في 31 آب مجموعة من شخصيات المعارضة السورية المكونة من ممثلين عن شمال شرق سورية وجبهة التغيير والتحرير…) ولو ان البلاغ أكمل بتعريف صفات رئيسي الوفدين الشخصيين وهو إشارة الى عدم اعتراف الروس بقسد بشكل رسمي .
توافق الاضداد
قد يقول قائل ان هناك توافق امريكي – روسي بشأن القضية السورية وان كل مايجري عبارة عن ترجمة لذلك التوافق ولكن مع تفهمي بشكل عام لهذه الرؤية الا أن تفاصيل الازمة السورية أهم معظم الأحيان مع التصورات العامة وأن الصراع على متر واحد من الأرض السورية خصوصا بالمناطق النفطية وخطوط العبور الحدودية بين القوى المحتلة يمكن أن تودي بمئات وآلاف الضحايا وأن تؤثر على توجهات الصراع الدولي وموازين القوى والمعارك السياسية في مجلس الامن الدولي ثم ان هناك دوما منعطفات في حروب ومواجهات الدول الكبرى وقد تكون حادة أحيانا وتخرج عن المسار المعمول به وأعتقد أن المدة الزمنية للوقت الضائع ستشكل احدى تلك المنعطفات في المصير السوري وفي واقع التنافس الأمريكي الروسي على مناطق النفوذ ورسم مستقبل سوريا والمنطقة .
  مايجري الان مع ( المعارضة السورية ) أمريكيا  من جهة ومع ( قسد ) من جهة أخرى من جانب الروس يعتبر استكمالا لما تم من تواصل روسي مع أوساط معارضة من الاطياف المختلفة ( الشيخ الخطيب ورياض حجاب ومؤثرين علويين وشخصيات كردية ومسيحية ) في غضون الشهرين الأخيرين وهي بمجملها بمثابة تحضيرات لاحداث اختراقات عميقة في غضون الأشهر القادمة قد تفرز وقائع جديدة على الأرض لاتسر الامريكان خاصة وأنهم يتعرضون لضغوط للخروج من العراق وقد تكون الرسالة التي حملها زعيم الحشد الشعبي العراقي الى – الأسد – تتعلق بموضوعنا هذا .
المطلوب قبل فوات الاوان
في كل الأحوال على متزعمي البقية الباقية من المعارضة – الرسمية – السورية أن يدركوا مجددا أن ضعفهم سيدفعهم الى المزيد من التنازلات الى درجة إضاعة القضية برمتها والسبيل الى تدارك الوضع هو العودة الى الشعب والاستجابة لنداءات الحريصين بتسليم المصير الى المؤتمر الوطني السوري الجامع للتمكن من إعادة البناء والمراجعة النقدية والتصالح وصياغة المشروع الوطني كما أن جماعات – ب ك ك – السورية بمسمياتها وغلافها الأخير – قسد ومسد – لن يكون طريق تمثيل الكرد السوريين وطموحات تصدر – الحركة الوطنية السورية – مفروش بالورود والرياحين بل سيغلق امامهم اذا لم يبدؤوا بتحقيق المصالحة الكردية الكردية أولا والرضوخ كذلك لما يقرره المؤتمر الكردي السوري المنشود وقبول المشاركة فيه والالتزام بقرارته والذي سيعقد كما هو مأمول بأغلبية وطنية مستقلة .
  الثوابت الوطنية السورية 
السورييون حاربوا ومازالوا يحاربون نظام الاستبداد لانه فقد الشرعية الوطنية ولن يتقبلوا وصاية معارضة فاقدة للشرعية الثورية والكرد لن يرضخوا لأحزاب لاتستند الى الشرعية التنظيمية والقومية والوطنية فهل وصلت الرسالة ؟ .
  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…