د. آلان كيكاني
كثير من الناس يستهينون بمرض كورونا معتبرين إياه انفلونزا عادية لا تستوجب الحيطة والحذر… بل إن بعضهم يستهزئ به ويعتبره لعبة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وليس مرضاً من الأمراض التي تلمٌّ بالناس بصورة طبيعية …. ويتجاوز هذا الاعتقاد مجتمعاتنا الشرقية التي تتعشش نظريات المؤامرة في أذهانها لدرجة تعتبر الزلازل والفيضانات هي الأخرى نتيجة من نتائج المؤامرات التي تحيكها دول ضد دول، بل يتعدى الاعتقاد إلى الشعوب الغربية التي نفترض دائما أنها محصنة ضد الإيمان بالخرافات والخزعبلات والإشاعات…
لا شك أن الاستخفاف بمرض كورونا خطأ جسيم، فالمرض خطير أكثر مما نتوقع. ليس لأنه قاتل، فنسبة الوفيات به لا تتجاوز الخمسة بالمائة في أكثر البلدان التي عانت منه، بل لأنه سريع الانتشار إلى حد لا يمكن الحماية منه والسيطرة عليه بالمطلق… ولولا وسائل الوقاية التي نتبعها على مضض اليوم لاكتسح مئات الملايين من البشر خلال أيام. ولأدخل البشرية في دوامة أكثر من التي هي عليها الآن ولكانت آثاره الاجتماعية والاقتصادية أبلغ…. ولولا الحيطة والحذر والإجراءات الاحترازية التي قامت بها الدول على امتداد المعمورة لكنا الآن أمام خمسة مليار مصاب ومائة مليون من القتلى!!
نعم لا تستغربوا أبداً… مائة مليون على مستوى العالم كانوا قد ماتوا إن لم يكن أكثر: فلو اعتبرنا أن نسبة الوفيات 2 % فقط من المصابين، فإننا نكون أمام 100 مليون قتيل لو شمل المرض 5 مليار شخص. ولو أن الصين وحدها لم تتبع الطرق الوقاية الصارمة لفقدت ثلاثين مليون من سكانها!!
المشكلة في هذا الداء هو جهلنا به رغم مضي ما يقرب من سنة على بدايته، فقد كثر القيل والقال حوله إلى درجة اختلطت معها الحقائق بالإشاعات ولم نعد نصدق شيئاً منها …. تظهر دراسة اليوم وفي اليوم التالي يتم دحضها… يتم الإعلان عن لقاح ثم في اليوم التالي نسمع أنه محض افتراء… يجري الحديث عن علاج ناجع ثم يتم سحبه بعد أيام… وكأننا بذلك نتعامل مع أمر يتعلق بالجِنة والعفاريت ولا يمكن إثبات أو إنكار أي شيء يقال عنها.
والحقيقة المؤكدة التي توصلنا إليها الآن أننا لا يمكن أن نتوقع عواقب الإصابة بهذا المرض:
عند الغالبية العظمى من الناس يمر برداً وسلاماً وحتى دون الشعور بعرض واحد ….
وعند البعض الآخر ينهك المريض بضعة أيام ثم يرتد عنه ويتماثل المريض للشفاء….
وعند قلة من الناس يكون عنيفاً ويقضي على المريض بسرعة غير متوقعة….
من ناحيتي أشبه فايروس كورونا بمجرم يحمل ثالثة أنواع من (الأسلحة) في يده: ريشة، وعصا، وبندقية، وما إن يلتقي بضحيته حتى يقوم باستخدام أحدها.
فإذا استخدم الريشة كان المريض في أمن وسلام.
وإذا استخدم العصا طاح المريض وظل يشتكي عدة أيام قبل أن يتعافى من آثار الضرية.
أما إذا استخدم النبدقية فيكون قد قضى على المريض بلمح البصر. …
والمؤسف أن اختياره لأحد أنواع أسلحته الثلاثة عادة ما يخضع للعفوية والعشوائية…. صحيح أنه يستقوي على بعض ضعيفي المناعة من كبار السن ومرضى السكر والقلب والرئة وممن هم يعانون من أمراض خطيرة مثل السرطان والإيدز، لكن ما أكثر ما قضى على شباب في أتم الصحة والعافية …. أطباء وممرضوين في الثلاثينات والاربعينات من العمر قضوا بسببه خلال أيام… رياضيون في مقتبل العمر ماتوا بعد الإصابة به بأسبوع أو أقل…. رجال ونساء أشداء رحلوا بلمح البصر بعد تعرضهم له…
مغزى القول:
لا تستهن بكورونا…. واحم نفسك منه باتباع الطرق الوقائية المعروفة قبل فوات الأوان…… لا تكن الضحية…. ومن ثم لا تنقل المرض إلى أعزائك من حولك فتندم حيث لا يفيد الندم… واعلم أن الاستخفاف به ينطوي على جهل وعناد كبيرين، فلا تكن جاهلاً ولا تكن عنيداً.