هل الكورد في كوردستان سوريا يحتاجون لشخصية كاريزماتية ام لسلطة كاريزماتية ؟!!

فاطمة محمد 
كثيرا ما يعيبون على الجزء الصغير من كوردستان الكبرى ، والملحق قسرا بالدولة السورية ، افتقاده لشخصية كاريزمية وطنية قادرة على التفاف غالبية الشعب الكردي حولها ، تقود المجتمع وتعبر عن تطلعاته وتساهم في وحدته  وتوجهه بما يخدم مصالحه أسوة بغيره من الشعوب والدول والأجزاء الأخرى من كردستان . هذا الافتقاد وغيره من الأسباب والظروف الذاتية والموضوعية ساهم في تبعية أبناء شعبنا الفكرية والايديولوجية والسياسية لأطراف كردية من الأجزاء الأخرى لكردستان ، لدرجة أن هذا الشيء أصبح سببا رئيسا في انقسام الأحزاب وبالتالي الشعب وانعكاسه الحاد على أداء وسوية النضال الكردي في هذا الجزء ، و نشوب حرب ضروس بين الأفكار والسياسات المختلفة الواردة من خارج الحدود  واحيانا تصل لأعلى مستواياتها في الإعلام و على ارض الواقع ، وانعكس على تشتت المجتمع الكردي وتمزقه وحتى العائلة الكوردية نفسها سياسياً وفكرياً وحتى اجتماعياً.
إن السؤال الذي يراود غالبية المهتمين في الشأن الكوردي السوري عن السبب الرئيسي الذي يجعل الشعب الكوردي في سوريا يفتقد إلى زعيم كوردي أو شخصية كاريزمية وطنية تكون بمثابة رمز يحتذى به ، تقود سفينة المجتمع الكوردي إلى شاطىء اكثر امنا وامانا ، و تعمل لصالح الشعب المسكين ، التائه في آتون الانشقاقات الفكرية والحزبية و السياسية وحتى العسكرية . إن القمع المفرط الذي مارسته الحكومات السورية في سوريا بحق الشعب الكوردي وحركته السياسية كان له السبب المرجح لهذا الموضوع ولكن لن يكون الوحيد حيث التدخلات الكردستانية اللاحقة في الشأن الكوردي السوري وحتى الوصاية الحزبية وبالتالي تقاطع المصالح المشتركة بين النظام السوري وبعض هذه الاحزاب الكردستانية لعب دوراً مهماً في محو الشخصية الكوردية السورية ومصادرة قراره وفرض سياسة الأمر الواقع بحق أبناءه ودغدغة العاطفة القومية وإبعاد دور النخب المثقفة عن مراكز القرار كلها ساهم في خلق الشخصية القيادية الفاعلة في الساحة الكوردية السورية . رغم وجود العديد من الشخصيات المهمة في تاريخ الحركة الكوردية في سوريا كان لها بصمات مهمة في نضال الشعب الكردي وتضحياته أمثال نورالدين ظاظا وأوصمان صبري وغيرهم الذين بذلوا جهود جبارة في بلورة القضية الكوردية في سوريا وبناء الشخصية الكوردية السورية وقاوموا القمع واستبداد المخابرات السورية في سجونها ، إن شعبنا يملك الكثير من المؤهلات والإمكانات والخبرات في بناء هذه الشخصية الوطنية . 
فما معنى الشخصية الكاريزمية ؟ وماهو مدى حاجتنا إليها ، لنتخلص من التبعية الملصقة بنا كشعب كوردي ، وكيف نحصل عليها وسط هذه الظروف والتعقيدات المرحلية الدولية التي تمر بها منطقتنا ؟
الكاريزما كمصطلح يوناني الأصل ، يعني : هبة الإله ، أو الهدية الإلهية التي تمنح لشخص دون غيره ، تجعله مفضلا لدى العامة من الناس ، وهو عبارة عن شخصية واعية و مؤثرة بمن حولها و تحمل ميزات خارقة نوعا ما تميزها عن الآخرين ، بالإضاقة إلى امتلاكه لنظرة ثاقبة ، و بعد نظر في غالبية الامور ، تشبه حالة التنبؤ بما سيحدث في المستقبل ، نتيجة قراءته السليمة لما بين السطور للاحداث ، والمجريات اليومية ، كما انه يتمتع بأفكار نيرة ، و متجددة ، تتناسب وطبيعة المجتمع وعاداته وتقاليده وظروفه ، وتكون قدوة ، ومثل اعلى له ، والامثلة كثيرة في هذا المجال ، على سبيل المثال لا الحصر : گيڤارا ، و مارتن لوثر كينغ ، ونيلسون مانديلا ، و مهاتما غاندي ، والبارزاني الخالد .
كيف يمكن بناء الشخصية الوطنية الكاريزماتية وهل سيكون للشعب الكوردي في غرب كوردستان هذه الشخصية أو الزعيم  الذي يعمل لصالح شعبنا ، و يضحي من اجله ، ويرسم له مستقبلا مشرقا ، آمنا ، خاليا من اشكال الظلم والاستبداد و الاضطهاد ويحرره ويحقق له حقوقه القومية المشروعة ؟!!
إن شعبنا الكوردي في غرب كوردستان عانى وكابد صنوف الجور و الظلم ،على يد الحكومات العربية الشوفينية المتعاقبة عليه منذ قرون ، و مرت عليه أقسى واعتى الظروف الرامية إلى تهميشه و طمس هويته و محوه من الاطالس السياسية والجغرافية والتاريخية ، و انتزعت منه حريته وكرامته و اغتصبت حقوقه و ارضه ، وحورب في لقمة عيشه وقتل على ايدي طواغيت العصر ، قتلا و غرقا و جوعا وحرقا وذبحا ….إلخ ، لذا يرى الكثيرون بأن الحل الامثل يكمن في إيجاد زعيم ، او قائد ملهم ، ليقود سفينتهم الشبه الغارقة في خضم الظروف الدولية والاقليمية السياسية المفروضة على مناطقهم في كوردستان سوريا ، و يكون بمثابة طوق النجاة لهم قبل غرقهم في بحر الضياع .
لكن ؟!! من يكون هذا القائد البطل المقدام ، القادم من عمق الشعب الكوردي ومن هول معاناته وكوارثه الحقيقية ، وينقذ الشعب من الهلاك والمخاطر الكبيرة المحدقة به وبمصالحه و يوحده ويعيد قراره المصادر  ويوفر له كل الظروف النضالية عبر بناء مؤسسات ديمقراطية تحافظ على مصالح هذه الشعب وأجنداته وتتوافق مع المصالح الكردستانية وتجعل التشارك في صنع القرار  الكردستاني وتحترم خصوصية كل جزء في همه الوطني ومصالحه والأخذ بالاعتبار الدعم الفعلي لنضال شعبنا في كل الأجزاء بعيداً عن التدخلات الكردستانية ؟ ومن سيكون هذا المغوار الذي سيوازن بين الهم الوطني والكوردستاني وسيعمل على تدويل قضية شعبنا ليحقق أهدافه القومية والوطنية ؟ من سيكون هذا الزعيم الذي سيتمكن من إنقاذ منطقتنا التي تحولت إلى ساحة الصراع وتصفية الحسابات ؟ 
إن السؤال الذي بات يقلق الجميع ، هل أننا بحاجة إلى هذه الشخصية الخارقة ، ام إلى مرجعية سياسية وطنية أو برلمان محصن ، تبنى على أسس متينة شبيهة بحكومات الدول الديمقراطية القوية ، حكومة مؤسساتية تتحمل أعباء الشعب ومسؤولياته ، وتحقق أهدافه في الحرية والعيش الكريم .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…