إيخانت (ixanet) بين غرابة المصطلح وتشويه التوظيف

حكيم كردي 
الخيانة من أشنع
المصطلحات التي تستخدم على المستوى الشعبي، أما على المستوى الرسمي فتعتبر جريمة
عظمى، وتقرر لها القوانينُ الشرعية والوضعية أقسى العقوبات كالإعدام أو السجن
المؤبد، أما على المستوى الاجتماعي فيتم سلب (الخائن) قيم الاحترام والتقدير وينظر
إليه نظرة دونية تتقبل وتستوجب بحقه أقسى العقوبات. 
وخلال السنوات الأخيرة في
ظل الأزمة السورية والانقسام الحاد للمجتمع والصراع على المستوى الفكري والسياسي
والعسكري، لم يتورع أي طرف في إطلاق تهمة الخيانة على كل من يخالفه، ولم تكن
الساحة الكردية في سوريا بعيدة عن هذه الصراعات والاتهامات.
 لكنها اتخذت في الساحة الكردية جانبا ارتداديا، لأن الساحة الكردية السورية كانت تمارس اللعبة السياسة بشكل سري أو مسكوت عنه؛ مما أكسبها نوعا من الخبرة السياسية التي تفترض احترام الآخر، وعدم إلقاء تهم التخوين جزافا.
 وشاعت استخدام كلمة إيخانت (ixanet) من جانب تيار سياسي محسوب على منظومة حزب العمال الكردستاني، وإطلاقها على كل من يخالفها، لتكشف عن ظاهرة غريبة عن لغتنا ومجتمعنا و(حياتنا السياسية). فالكلمة غريبة عن لغتنا؛ لأن كلمة (خيانة) تأتي في اللغات الكردية والفارسية والآذرية (خيانت)، وهي كلمة مقترضة من اللغة العربية (على الأغلب).
 لكنها تأتي في التركية إيخانت (ihanet) وجاءت من اللغة العربية أيضا، ونقلها الفصيل السياسي المذكور أعلاه مع ما نقله من أفكار وعقائد ممارسات، فضلا على أنه لا توجد كلمة كردية تبدأ بالهمزة المكسورة، و كل الكلمات المبدوءة بهمزة مكسورة جاءت من لغات أخرى، لذا يصرفها اللسان الكردي لتتناسب مع قواعده الصوتية: إما بحذفها أو إبدالها بحرف آخر قريب، فكلمة ( إنسان: mirov) تلفظ في الكردية: هِنسان، أو عِنسان، وكلمة ( إبراهيم) و (إسماعيل ) تحذف الهمزة منها فتلفظ : (بِراهيم) و (سِماعيل )، إذا فاللفظ جاء من العربية من خلال اللغة التركية ومنطوقها لا يتوافق مع قواعد الصرف الكردي. 
أما بشأن توظيفها السياسي فتتم في إطار اتهام منظومة حزب العمال الكردستاني للحزب الديمقراطي الكردستاني عامة ولشخص مسعود البرزاني سابقا ونيجيرفان البرزاني حاليا بالتعامل مع الحكومة التركية أو الدولة التركية من خلال كتابتها على جدران البيوت وأسوار المدارس بأيدي شباب ملثمين متعصبين في تحد واضح لأفكار ومشاعر قسم كبير من الأكراد، أو إطلاقها في مظاهرات واجتماعات من خلال بعض الأشخاص أقل ما يقال عنهم رعاع تهدف بالأساس إلى تعميق  الشرخ من السياسي إلى الاجتماعي، و تدمير أية فرصة للتقارب واللقاء بين اتجاهين غالبين في الساحة السياسية الكردية.
 بينما يتناسون تعاملهم مع أنظمة محتلة لكردستان كالنظام السوري أو الإيراني على المستوى الأمني، في حين يتعامل إقليم كردستان مع الدولة التركية بصفة رسمية ومعلنة، لكن يعدون تعامل الإقليم مع الدولة التركية خيانة قومية، وتعاملهم مع الأنظمة الغاصبة لكردستان حنكة سياسية في تجسيد مضحك مبكٍ للمثل العربي: (رمتني بدائها وانسلت). 
وأرى أن تعامل الأطراف والأحزاب الكردية مع الأنظمة المحتلة لكردستان شر لا بد منه لعدم وجود منافذ أخرى، وهو مقبول على اعتبار قاعدة (أهون الشرين)، على ألا تأتي على حساب التنازل عن الحقوق القومية الكردية في أي جزء من أجزاء كردستان الأربع ونضاله المشروع لنيل حقوقه القومية. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس الزيارة المفاجئة التي قام بها أحمد الشرع، رئيس الحكومة السورية الانتقالية، إلى إسطنبول، لم تكن مجرد جولة مجاملة أو لقاء بروتوكولي، بل بدت أقرب إلى استدعاءٍ عاجل لتسلُّم التعليمات. ففي مدينة لم تعد تمثّل مجرد ثقلٍ إقليمي، بل باتت ممرًا جيوسياسيًا للرسائل الأميركية، ومحورًا لتشكيل الخارطة السورية الجديدة، كان الحضور أشبه بجلوس على طاولة مغلقة،…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا الإسلامي، لا شيء يُوحِّدنا كما تفعل الخلافات، فبينما تفشل جهود الوحدة السياسية والاقتصادية، نثبت مرارا وتكرارا أننا نستطيع الاختلاف حتى على المسائل التي يُفترض أن تكون بديهية، وآخر حلقات هذا المسلسل الممتد منذ قرون كان “لغز” عيد الفطر المبارك لهذا العام، أو كما يحلو للبعض تسميته: “حرب الأهلة الكبرى”. فبعد أن أعلن ديوان الوقف…

قدم الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، السبت، تشكيلة الحكومة الجديدة، والتي تكونت من 22 وزيراً. وقال الشرع في كلمته خلال مراسم الإعلان عن الحكومة في قصر الشعب: “نشهد ميلاد مرحلة جديدة في مسيرتنا الوطنية، وتشكيل حكومة جديدة اليوم هو إعلان لإرادتنا المشتركة في بناء دولة جديدة.” وجاءت التشكيلة الوزارية على الشكل التالي: وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني وزير…

نظام مير محمدي* في الغالب، فإن النظام الإيراني يبدو في حالة لا تمکنه من أن يصر على إن أوضاعه على ما يرام وإن ما حدث خلال العامين الماضيين الى جانب ما يحدث له حاليا على الاصعدة الداخلية والاقليمية والدولية، لم يٶثر عليه سلبا، ذلك إن الامر قد تعدى وتجاوز ذلك بکثير ولاسيما بعد أن تناقلت…