نحو تأسيس نقدي مقوم ومواز للنص السياسي.. استقراء أول في تجربة «تجمع الملاحظين» في «ولاتي مه»

 إبراهيم اليوسف
أتابع، وباهتمام، ما يكتب، منذ أشهر- فحسب- ولربما أكثر، تحت توقيع” تجربة الملاحظين” ممثلاً باسم: كاوار خضر، في موقع “ولاتي مه”، من مقالات تنشر إلى جانب مقالات بعض كتابنا وكاتباتنا، حيث إننا أمام تجربة ولو ضئيلة، إلا إنها ذات أهمية كبرى في نظري، لتأسيس روح نقدية، من خلال رؤية محايدة، لاستقراء ما يكتب في المدونة السياسية الكردية التي ظلت يتيمة: نقدياً، إلى جانب ما سواها من” المدونات” التي لقيت بعض النقد من قبل بعض حملة القلم: مختصين وغير مختصين، كما هو حال المشهد الثقافي المحيط العام.
لقد كان ثمة فراغ نقدي كبير في مجال المدونة السياسية الكردية التي نشأت إلى جانب نشوء المدونة الثقافية: الشعر القص، المقال، قبل أن تكون هناك فروع كتابية أخرى: المسرح- الرواية إلخ، وكان قوام هذه المدونة المقال السياسي الذي لا فضاء لنشره إلا الصحيفة الحزبية، أو لنقل النشرة الحزبية، بسبب هيمنة آلة القمع والاستبداد على الكرد، ما خلا محاولات قليلة تتبعناها في القرن الماضي، قبل كسر ربقة أو رقبة الرقابة، وظهور الإنترنت، لذلك فإن أغلب ماكان ينشر عن كرد- كرستان سوريا، من كراريس، وكتب، إنما يصدر في الخارج، ماعدا محاولات مسماة، قليلة، لسادة كتاب، وهنا لابد من ذكر  دور رابطة كاوا التي عملت في هذا المجال، ولعل ما وقع بين يدي من كتبها كان كردستانياً، ماعدا محاولات ضئيلة عن مكاننا: الجزء الداخل في خريطة سوريا. الجزء الذي كان يحذف الحديث عنه – كثيراً- حتى في الكتب المترجمة الموضوعة عن كردستان والكرد.
ولابدّ هنا من أن نفرق بين: النقد السياسي. و نقد النص السياسي أو نقد النقد السياسي، الذي يشكل مرحلة متطورة من العقل المعرفي، وقد ولد بعض هذا النقد ولكن بشكل جنيني، انفعالي، في الإعلام الكردي، منذ أواخر خمسينيات وستينيات القرن الماضي، أي مع ولادة الحزب الكردي الأول، وحتى قبل ذلك في عقود التأسيس النهضوي القومي الفكري، وما رافق  وتلا نشأة ذلك الحزب من خلافات تنظيمية، أو حتى سياسية، أو فكرية، يعرفها كل من استقرأ رؤى الرعيل الأول لجملة الأسئلة المحيطة حول واقع ومستقبل الخصوصية الكردية: أتكون ضمن الخريطة المفروضة، أم لا بد من السعي النضالي ضمن إيقاع كردستاني؟ بل بالإضافة إلى الموقف من أسئلة: الرؤى- الإيديولوجيا- الماركسية، التزاماً، أم اقتداء، أو اهتداء؟ وحتى الموقف من عامل الدين.
لامجال هنا، لخوض شروحات كل تلك التفاصيل التي كان لابد من التعريج عليها، وأنا أكتب هذه المقدمة في ضرورة نشوء نص نقدي واقعي، بعد أن غاب كثيراً، بعيداً عن التأسيس على التموقع، وردات الفعل، وبعيداً من أدلجته، وحزبنته، ليكون نقداً لمتن النص لا لرؤى الناص، بعيداً عن خصوصية هذا الأخير وتحولاته، بل للبحث في الخط البياني لنصه، وتحولات هذا النص!
لن أجامل، أنني وجدت في- تجمع الملاحظين- إمكان التأسيس لنوية نص نقدي، وإن كنت ألاحظ أن هناك تمترساً ملحوظاً، وهو تمترس قد يليق بأمثالي ممن لهم موقف مما يجري، ولهم رؤيتهم في قول كلمتهم أمام ثنائية: الضحية والجلاد مهما كانت سطوة هذا الأخير، لقاء الخسارة التي تقدم كقربان في الوقوف إلى جانب الضحية. إذ إن الخلل في اتخاذ الموقف من طرفي الثنائية شكل بلبلة على صعيد الفرز، والتخندقات، إذ ليس من مسوغ البتة لمن يقف إلى جانب القوي، ويغمض كلتا عينيه عن انتهاكاته، بل جرائمه، لقاء ما يجنيه، سواء على صعيد الانتفاع، أو الظفر بالتخلص من إساءات الجاني، وإدارة الظهر لصاحب الموقف، وهو وقوف في جبهة من يعاديه، وعون رخيص للأقوى، شأن الحجل الذي يصطاد سربه للصياد، إن بهذا الشكل، أو بالآخر.
أعلاه، عبارة عن إضاءة إلى جهود من هم. من هو وراء هذه التجربة الأكثر أهمية، لاسيما في زمن  فتح فيه الفضاء الافتراضي/ الأزرق، بل الأسود في هذه الحالة، المجال واسعاً أمام كثيرين من المتحررين من أميتهم. من أصحاب المزاج، في أن يسيئوا للآخرين، بدلاً من نقدهم، وبتنا أمام تراكم مكربن من الكتابات، باسم السياسة هي في أصلها تخندقات ل”خلط الأوراق” والذود حتى عن المجرم، بل حياء، آخذة موقع النقدي الحقيقي، الغائب، المغيب، الذي لابد لنا من تشجيعه، والوقوف إلى جانبه، وتخليصه من أية شوائب خارج نقدية أنى علقت به.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…