ضمائرنا ومأساة القُصّر

تجمع الملاحظين: كاوار خضر
يمر أهلنا في غربي كردستان بمرحلة عصيبة جدا؛ حيث لا ماء يروي ظمأهم، ولا عمل يعينهم على سد رمقهم، ولا كهرباء تنور ظلمتهم، ولا ثمن معقول لمحصولهم اتقاء الموت جوعا. لا أدوية تسعف مرضاهم، ولا مفر من حر الصيف الحارق. ولا خبز يرقى إلى المواصفات الغذائية حسب المعايير الصحية وغيرها، وحيلة لهم لإنقاذ قاصراتهم، وهذا بيت القصيد. في حين نحن كتابا، ومثقفين، ووطنيين، وسياسيين نسطر بمقالاتنا عن مواضيع لا تمس أبسط مشكلة من هذه المشاكل، وخاصة مأساة القاصرات، ومثيلاتها كثيرة.
بناتهم القصر تُخطف، ولا يدرون عن مصيرهن شيئا. لدى ذويهم سؤال واحد ووحيد يطرحونها على الخاطفين: لماذا البنات القصر؟ ولكن لا جواب مقنع، كل ما يسمِّعونهم أنهن اخترن الالتحاق طواعية؟ هل للقاصر عقل ناضج كالبالغ الراشد؟ فالقوانين والأعراف تنص على عكس هذا الجواب؟ كيفما كانت قوانين أية دولة أو أعراف أي شعب لن تكون مثل المعتمد لدى سلطة أمر الواقع في غربي كردستان؟ كيف لقاصرة عمرها عشرة سنوات ونصف أن تتطوع؟ قانون الاستبداد يبيح كل شيء، وحتى الرضيع يمكنه أن يلتحق طواعية. ألفان من القاصرات في معسكر قرية توينا قرب الحسكة ينشدننا، وذويهن! أين نحن لنجدتهن؟ ارتضت أقلامنا على أنهن يتدربن على الأعمال المكتبية، وكفانا راحة لضمائرنا؟ إذا لم يكن تطوعهن لحمل السلاح ليقاتلن في ساحات القتال، ولخوض المعارك ضد الرجال الراشدين، مهنتم القتل، ومدربين على أفضل أساليب هذا الفن كجيوش نظامية لمقارعة الند للند؛ لأي شيء آخر هذا التطويع؟ أهؤلاء القاصرات اللائي يرعبن الخروج في الليالي المقمرة بمفردهن القدرة على مقارعة المحاربين الأشداء؟ أيعقل أن يكون هذا الكم الهائل من القاصرات للوظائف المكتبية؟ وكم من السنين تلزمهن في المعسكر المشؤم ليتخرجن كسكرتيرات؟ حجة أقبح من الذنب! قد يكنّ كالأغنام ينتظرن، في ذلك المعسكر البائس، الشرّائين ليبتاعوهن لتجارة رائجة عالميا؛ ولكنها ممنوعة؟
أين ضمائرنا كتابا، ومثقفين، وطنيين وسياسيين؟ أين حرصنا على كرامتنا وعزتنا؟ أين محبتنا الأخوية والأبوية تجاه قاصراتنا؟ إننا ككتاب، وكمثقفين، كوطنيين، وكسياسيين ختم علينا الخوف والخنوع بما نستحقه من…، فانصرفنا عن الواجب تجاههن إلى غيره!
نعم، لنا ضمير؛ ولكنه ضمير المصلحة، والمال. ضمير الخنوع والجبن، ضمير الانتهازية والشهرة على حساب العزة والكرامة، ضمير من لا ضمير لهم.
rawendkurd3@gmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين تمر سوريا بظروف سياسية واقتصادية واجتماعية مُعقّدة ، يجد الإنسان السوري نفسه في ظلِّها أمام تحدّي التوفيق بين هوياته المتعدّدة. فهو من جهة ينتمي إلى الوطن السوري، وهو الانتماء الجامع الذي يحمل الهوية وجواز السفر والشهادة ، ومن جهة أخرى، يرتبط بانتماءات فرعية عميقة الجذور، كالقومية أو العرق أو الدين أو الطائفة. ويخلق هذا التنوّع حالة من…

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…