إبراهيم اليوسف
ظلت جبهة الثقافة الكردية، عبر السنوات العشر التي سيكتمل عقدها بعد أشهر، معافاة، وهي لما تزل هكذا، بالرغم من التحديات المنظمة ضد خطابها وحالتها، إذ ثمة من صمد من المثقفين في كل منعطف، أو مرحلة، من دون أن يرفعوا أيديهم، سواء أكانوا في الوطن، في مواجهة- المسدس، كاتم الصوت، وعلنيه، أو خارج الوطن، في آن، بل وفي مواجهة التهديدات التي نحتفظ بنسخ رسمية منها في مواجهة بعض الأسماء النظيفة، سواء تلك التي قبضت على الجمر، وعضت على جراحها، من دون أن تعلن عن أنينها، أو تلك التي كانت تجاهر بالأنين أو الرفض- وعلينا هنا الربط بين كل موقف وتوقيته قياساً إلى بارومتر العنف- مراعين ظروف كل مفصل زمني، بل مراعين معاينة حيثيات ثنائية: الوطن وخارجه، المشار إليها، من قبل، وإن كان عامل التهديد يشمل الطرفين، بل إن العنف المعنوي – وهو الأشد إجراماً- لم يعرف أية حدود بين الداخل والخارج، وثمة مدونة لدى كل صاحب موقف فيها أسماء: مهدديه وشاتميه، حتى وإن كان هؤلاء يترفعون عن أية شكوى، بل لطالما كانوا يترفعون عن الرد على العابرين. معروفي الهوية: المعلم والمعالم!
أتذكر، أنني وشبال إبراهيم وأستاذي خليل إبراهيم كنا قد التقينا في عزاء قريب لنا في هانوفر، وجلسنا على طاولة واحدة، عندما تقدم مني شاب طويل القامة، وسلم علي، فهمس شبال وقال: إنه من هؤلاء”…..” مشيراً إلى جهة سياسية، وراح هذا الشاب يكيل المديح لي، ويذكر أنه كان من طلابي وأن لي مواقف في ذاكرته عندما كنت في-ثانوية هيمو الزراعية ومعهدها- أرافع عن الطلاب ما أمكن- حين يكون ذلك ضمن حدود قاعتي الصفية في أقل تقدير – وضرب بمثل على ذلك على وهو وقوفي معه عندما كان سيعاقب نتيجة نشاط له في يوم حلبجة، لكنه قال بخجل كبير:
إلا أنني حزين أنك الآن أردوغاني كما يقول رفاقنا!
ضحكنا، وناقشنا هذه الصفة، مقارناً بين موقفي وموقف رفاقه من أردوغان في أحرج اللحظات في تاريخ إنساننا وبلدنا، فتلعثم الشاب وارتبك، وقال معتذراً:
لن أصدقهم بعد اليوم وهم يسيئون إلى أمثالك!
ولنكن صريحين، أنه خلال السنوات العشر المنصرمة تم اختراق كل شيء، وذلك منذ أول تأسيس للمجلس الوطني الكردي، وزئبقية بعض المتوحمين الصغار على المكاسب – ولا أعني ذوي الموقف والتاريخ الذين دفعوا الضريبة في هذه الأتون المستعرة- لنرى مفرخة ما بعد 2012 تنتج أحزاباً قزمة- في هذا الطرف السياسي أو ذاك، وليس أفضل منها تلك المماثلة التي نشأت على أسس التمسك بكرسي السلطة التنظيمية ولو الوهمية، وأقدر- في المقابل- أي اختلاف تم على قاعدة الموقف الفكري، ضمن إطارين متوازيين من أطرما قبل 2011، لا أكثر، وهنا أعني أطر الحركة الكردية التاريخية، فحسب، وكل من هو قادر أن يأتي بجديد، على خلاف كل ما رأيناه حتى الآن!
بعيد 2004، عندما أطلقنا بعض المنظمات المدنية:
رابطة الكتاب والصحفيين الكرد- ماف – كسكايي – صحفيون بلاصحف- منتدى الشيخ معشوق إلخ، فإن قلة ممن كانوا يقبلون بالانضمام إليها، بل إننا كنا نبحث بالمجهر عمن يقبل ليشارك في ورشة حقوقية في عمان أو السليمانية أو القاهرة- وهو ما يمكن تفهمه- لأن لدي قصصاً ومواقف كثيرة في هذا المجال عن أسماء وشخصيات، بل ونمائم، إلا أن الأمر اختلف بعيد2011، إذ كثرت هذه المنظمات- والأمر طبيعي- نظراً للتحولات الجديدة، وسقوط جدار الخوف، إلا أن الشائن-هنا- هو أن بعض المنظمات الإغاثية بدت تابعة لهذا الطرف السياسي أو ذاك- وأتحدث عن السنوات الأولى من الحرب والحصار- بل إن سلطة الأمر الواقع راحت تفرض شروطها في هذا المجال، ولعلنا نتذكر كيف أن أحد الناشطين في مجال الإغاثة تعرض لطلق ناري من قبل مجهول، أو مجهولين، وقد نجا من الموت بأعجوبة، أما عن محاولة توزيع كل طرف الإغاثات على أنصاره، فحدث و لاحرج! بل إن أسر شهداء حرم أطفالها الرضع من الحليب، المفقود، الموجود لدى بعض منظمات الطرفين، لأنها كانت خارج التراتبية، وقس على ذلك بالنسبة إلى هذه المنظمات. منظمات السوريين ومنهم الكرد، داخل الوطن، أو خارجه، في تركيا، أو الأردن، أو إقليم كردستان، إذ ثمة مستفيدون، وهنا أستثني الشرفاء من العاملين في هذه المجالات!
وإذا كنت قد لجأت إلى أمثلة ساطعة في ما حدث على الصعيدين: السياسي- المدني، فإن أول ماتم، مع صعود بعض مافيات الثقافة- ولاأعني الاتحادات- بل بعض الطفيليين الذين انضووا فيها وهددوا المختلفين معهم بالعنف،وكنت أحد من خدع ببعضهم وتم تمريرهم أمام عيني- ولعل السبب أنني لم أكن أعرفهم لأني كنت خارج الوطن- وأعتمد على ما يقال لي فقد تم تهديد من يخرج عن السرب” مقصوص الجناحين” في بيان رسمي، بل تم إغراء بعضهم أوترهيبهم، لتستمر محاولات اختراق الجبهة الثقافية التي فرزت المتطفلين والمزورين و مكتري الأصوات، وبقي-شرفاء الكلمة في كل موقع وكل مؤسسة داخل الوطن وخارجه- لنكون- في الاتحاد العام أول جبهة ثقافية تدعو ليس إلى وحدة حملة القلم المخلصين، بل لوحدة موقف الحركة السياسية، ولدينا مجلد من البيانات التي يحتفظ بها-قسم الأرشيف- في الاتحاد عن الوضعين: الثقافي والعام!
كنت وعنايت ديكو وجان كرد وآخرون ممن حضروا مؤتمر نقابة الصحفيين، كضيوف، لهيئة ستخص إعلاميي كردستان سوريا في الإقليم، ولقد اقترب إعلامي مبتدىء من عنايت ديكو وقال: جن جنون” الحزب الكردستاني الفلاني” وهكذا بالنسبة للجهة الفلانية وإذا وافقتم، فإن كل منسحب يشارك في مؤتمر آخر مواز في مدينة كردستانية أخرى”……..” سيحصل على كذا، وسيتم عقد مؤتمر عاجل “…” إن وافقتم، وتم تهديد وفد الداخل إن لم ينسحب، ووجدنا سلسلة انسحابات، من بينهم من كان يقطن في الخارج، ولعل المؤتمر كان سيفشل، لو لم يبق وفدنا: وفد الاتحاد العام / رابطة الكتاب والصحفيين، بالرغم من ملاحظاتنا على كل ماتم، بل بالرغم من الخديعة التي تمت بحقنا على أكثرمن صعيد، كما مؤتمر آخرللصحفيين هناك!
-وأتمنى من الصديق عنايت الكتابة عن الحدث!-
ما يحدث – الآن- هو استمرار الاختراق باسم الثقافة والإعلام، بعد أن خضع كثيرون مضطرين، إما لأجل اللقمة، أو نتيجة آلة الرعب، أو غير ذلك، لابتزازات سياسية متعددة، في الوقت الذي ظل من هو قابض على الجمرفي كل موقع، ولكم هو مؤسف أن يسقط في- المصيدة- بعض من حافظوا على نقاوة أصواتهم، ولا أعني الراقصين على الحبال المتناقضة، ليكونوا في إطار مشروع محدد، وإن كان ذلك تحت شعارات براقة، لطالما نحن أمام قرار غير ثقافي. قرار يعمق الهوة بين المثقفين. قرار السلطة فيه لمجرد رأي سياسي، حتى وإن ناور الثقافي اللاعب، مكشوف الرؤى والتوجهات، لطالما ثمة رصيد مالي تحت تصرفه، ولاشيء مخفياً عن أحد!
إن الجبهة الثقافية الكردية، لا تتأسس، عبر آليات قرار السياسي، بل إنها تتأسس نتيجة عمل المثقفين، وهناك من هم أهل هذه الرسالة في المكان: الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد- مثلاً- بالإضافة إلى بعض الجهات الجادة التي ظهرت بعد 2011، ولقد علمت أن أحد الذين لا تاريخ ثقافياً له في المكان حتى العام2013، أشار مقوماً أول مؤسسة للكتاب والصحفيين بأنها ليست موجودة في الداخل، وهي أول مؤسسة ظهرت في الداخل، بينما كان هناك من ينتمي إلى- مؤسسة الخارج- وهو لسان حال الداخل الآن، محمياً بالبندقية والمال، ناهيك عن أن هذه المؤسسة- وهي في الخارج- ظلت صوت أمثاله، أنى قمعوا في الوطن، ولنا في ذلك مواقف!