أساطيرعربية حول كردستان


نزار آغري

ما زالت بعض الأوساط العربية تنظر إلى الشأن الكردي بعين الشك.

وهناك من يرى فيه مؤامرة شريرة تستهدف إلحاق الأذى بالأمة العربية.
لقد ساهمت بعض وسائل الإعلام المرتبطة بالسلطات الحاكمة بنشر هذه الصورة السلبية.

كما أنها عمدت، بشكل مقصود في كثير من الأحيان، إلى تحريف الحقيقة وساهمت في تزوير الوقائع وتبنت الروايات الرسمية للأوساط الشوفينية في الحكومات التي تهيمن على كردستان.

وقد وقف الأكراد أمام ذلك، في معظم الوقت، يائسين، عاجزين عن القيام بشيء يدحض هذا التشويه.

وكان ذلك نتيجة لإقصائهم عن ساحة الحضور في البلدان التي ينتمون إليها.
بقيت الرواية الرسمية المسرودة عن الأكراد هي تلك التي ترسمهم في هيئة الدخلاء على المشهد الوطني، الغرباء عن الوطن الذي يشكلون جزءاً من نسيجه.

لقد بدا الأكراد على الدوام وكأنهم هبطوا تواً من كوكب آخر وغزوا الوطن في غفلة من الزمن.
وبالرغم من المظالم الهائلة التي نزلت بالكرد، فإن الأوساط العربية ما برحت تعمد إلى تجاهل الشأن الكردي وتسعى في التعتيم عليه أو إظهاره بصورة مشوهة.

ويساهم في ذلك ساسة وكتاب وصحافيون لهم وزن لا يستهان به في صناعة الرأي العام العربي.
وبعد دخول القوات الأميركية إلى العراق وإطاحة حكومة صدام حسين وقيام حكومة جديدة يؤلف الأكراد، ولأول مرة، قطباً فيها زادت هذه الصورة قتامة بحيث بات ينظر إلى الكردي بوصفه سبباً دائماً لكل مصيبة أو هزيمة أو نكسة تلوح في أفق السياسة العربية.
وتبعاً للرواية العربية الرسمية فإن الأكراد ليسوا أكثر من مجموعات متمردة لا تفعل سوى حبك الفتن وخلق المشاكل.

هم انفصاليون يسعون لإقامة دولة خاصة بهم في شمال العراق ويقومون بطرد العرب من كركوك ولا يتقنون السياسة.
باختصار فإن الأكراد لا يؤلفون شعباً ولا أمة ولا قومية وليس لهم نصيب في أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم.

إنهم «ورقة ضغط» بيد القوى الشريرة التي تعادي العرب (وفي روايات أخرى يتعدى خطرهم العرب ليشمل تركيا وإيران أيضاً).
وإذا ما حاولنا الرجوع إلى الوراء قليلاً وأعدنا قراءة بعض ما سطره كتاب وصحافيون عرب في ما خص الأكراد والشأن الكردي بعد سقوط حكومة صدام حسين، ونظرنا إلى ما كتب في ضوء الحقائق الراهنة على أرض الواقع، تبين لنا حجم التشويه الذي يلحق بالواقع الكردي.
كتب صحافي لبناني ذات مرة ما يلي: «هناك ثلاثة تطورات بارزة قذفت في الآونة الأخيرة بـ»القضية الكردية» في الشرق الاوسط الى مقدم جداول أعمال القوى الاقليمية والدولية.

الاول، كان بدء تحرّك أكراد شمال العراق لطرد عشرات آلاف العراقيين العرب من المناطق الشمالية الوسطى من البلاد.

والثاني، الاضطرابات والاشتباكات التي جرت بين الاكراد وبين إيران وتركيا.

والاخير هو المعلومات الصحافية الأميركية عن دخول الاستخبارات الاسرائيلية بكل ثقلها الامني والسياسي الى شمال العراق».
والآن نعرف جميعاً أن ليس هناك عراقي عربي واحد قام «أكراد شمال العراق»، كما يصفهم كاتب المقال، بطردهم «من المناطق الشمالية الوسطى من البلاد».

أما الاشتباكات بين الأكراد وتركيا وإيران فأمر قديم بدأ منذ نهايات القرن التاسع عشر ولم يبدأ بعد سقوط تمثال صدام حسين.

والحديث عن «دخول الاستخبارات الاسرائيلية بكل ثقلها الامني والسياسي الى شمال العراق» هو بالضبط مثل الحديث عن دخول الاستخبارات الاسرائيلية بكل ثقلها إلى سورية أو لبنان أو مصر أو الأردن أو المغرب، فهذه أقاويل لا سند لها ولا دليل يثبتها على أرض الواقع.
وكتب صحافي سوري يقول «الموساد الإسرائيلي أقام عدة مكاتب سرية في كردستان العراق في مدن السليمانية ودهوك وأربيل وبعض القرى القريبة من الحدود العراقية السورية والحدود العراقية الإيرانية».

وهو يذكر أن «المسؤولين الأكراد ينفون هذه الروايات لكن لا يمكن أخذ هذا الرفض على محمل الجد».

وإذا كانت المكاتب التي أقامها الموساد الإسرائيلي في كردستان سرية فكيف تمكن الصحافي السوري من بين كل الناس اختراق تلك السرية؟ ولماذا لم يقم بتصوير تلك المكاتب والكشف عن العاملين فيها؟ وكيف لم يتمكن المسؤولون السوريون والإيرانيون من اكتشاف تلك المكاتب طالما أنها أقيمت على حدود البلدين؟ ولا يخبرنا الكاتب لماذا ينبغي ألا نأخذ وجهة النظر الكردية على محمل الجد.
ويذهب الأمر بعراقي معارض للاحتلال الأميركي إلى قول ما يلي: «تبين أن الزرقاوي كردي وأن تنظيم التوحيد والجهاد اسم أطلقه الأكراد بنصيحة إسرائيلية، وأن الموقع الالكتروني التابع للتنظيم موقع يدار من قبل الأكراد، من الأراضي الكردية في شمال العراق أو من داخل إسرائيل، ويبدو أن الفكرة وحمايتها تتم برعاية إسرائيلية».

فهل يحتاج مثل هذا القول إلى تعليق أو مناقشة؟
وكتب كاتب عراقي آخر ما يلي: «نعم إن هناك مشروعاً قومياً كردياً اسمه كردستان الكبرى ومن يريد أن يعرف خارطة كردستان المزعومة نقول أنها لا تختلف كثيراً عن حلم صهيون من الفرات إلى النيل».
ولكن على أرض الواقع لا يوجد مشروع قومي كردي تحت إسم كردستان الكبرى، بل هناك أحلام يتقاسمها الأكراد في أن تتحرر أقاليمهم، سواء على شكل حكم ذاتي أو إتحاد فيدرالي أو حتى كيان مستقل، وأن تنتهي رحلتهم مع الاضطهاد القومي والتعسف والإهمال والنبذ.

ولكن حتى لو كان الأمر كما يصوره الكاتب فلماذا يكون مشروع الوطن العربي الكبير «من المحيط إلى الخليج» أمراً محموداً، أما المشروع الكردي فلا يعدو أن يكون «حلم صهيون»؟
وفي مقالة لكاتب مصري نقرأ أن «ورقة الأكراد الأتراك بالغة الخطورة على مستقبل الدولة التركية».

ويرى الكاتب أن «واشنطن تنبهت إلى الورقة الكردية منذ الحرب العالمية الأولى في إطار سعيها لاستغلال ورقة الأقليات لتفكيك الإمبراطورية العثمانية».
هكذا فالقضية الكردية ليست أكثر من ورقة اخترعها الاستعمار لتفكيك الأمبراطوريات: فليست هناك حقوق قومية مهدورة لشعب ما زال يُضطهد من قبل حكومات تزعم مناهضة الاستعمار وتكرر الوقوف إلى جانب حرية الشعوب.

والحال أن الولايات المتحدة لم تكن ظهرت على مسرح الأحداث في الشرق الأوسط في الحرب العالمية الأولى وهي لم تقارب القضية الكردية إلا ابتداء من عام 1960 كما كانت تقف إلى جانب تركيا وإيران ضد الحقوق الكردية.
وبدوره يكتب صحافي مصري آخر ما يلي: «الأكراد يلهثون وراء سراب اسمه دولة كردستان، لا تتعدى أن تكون فكرة عنصرية يسعى القوم من ورائها إلى بعثرة الخَرَزَاتِ المتبقية في عِـقـْد الدولة الإسلامية التي انهارت في العام 1924 ولم تقم لها قائمة، ولن تقوم طالما أنها تحتضن من يسعى لبعثرتها».

أي أن سعي الفلسطينيين، مثلاً، وراء إقامة دولة مستقلة شيء مبارك أما سعي الأكراد فسراب وفكرة عنصرية.
وكثير من المثقفين العرب، «التقدميين» يعتبرون أي تأييد لحقوق الشعب الكردي في الفيدرالية تهديداً لوحدة العراق وتقسيماً له.

وهذه أنانية قومية في منتهى الفجاجة تدفع ببعض الكتاب والصحافيين العرب إلى رؤية كل شيء وكل العالم من زاوية النزاع العربي الإسرائيلي والعلاقة بين العرب وأميركا من دون إي اعتبار لمصالح وخصوصيات الشعوب والقوميات غير العربية في المنطقة.

ففي نظرهم ليس ثمة حضور مستقل للآخرين وينبغي ألا تقوم قائمة لأحد في معزل عن العرب.
وإذا كان الحال على ما هو عليه فإن المناخ الديموقراطي الفعلي لن يتشكل في العالم العربي لأن ذلك لا يقوم إلا من خلال إفساح المجال للصوت الآخر ليروي الحكاية من وجوه أخرى، غير الوجه الذي يتم تكريسه بالإشاعة والتلفيق.

فالأرض لا تتكلم العربية فقط بل تتكلم لغات أخرى، وهنا وهناك هموم ورغبات غير تلك التي تتحدث عنها الرواية الرسمية العربية.
الإعلام الصادق والمحترف هو ذاك الذي يخاطب الرأي العام بلغة واقعية من دون مبالغات فيتجنب الانزلاق في أوحال التعصب القومي والشعبوية الرخيصة التي تتباهى بـ»استكراد» شعب ما برح يضحي بكل شيء من أجل الحرية.
* كاتب كردي
 الحياة     – 24/09/07//

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…