قراءة تحليلية نقدية في مشروع محمد طلب هلال عن محافظة الجزيرة

سعيد يوسف
هو عنوان كتيِّب /كرّاس لضابط الامن السياسي في محافظة الحسكة يتضمن مشروعاً سياسياً عنصرياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وفي الحقيقة  فان الكرّاس، من جهةِ المحتوى المعرفيِّ، والفكريِّ, لا يستحق الالتفات والدراسة والنقد بيد أن أهميته/خطورته .القصوى تنبع من كونه مشروعاً نظرياً .تمَّ تحويله إلى عمل ممنهج تطبيقاً وممارسةً وعلى أرض الواقع .في بداية سبعينيات القرن الماضي .
ومن هنا فقد اكتسب كل هذا الاهتمام, وأثار الضجةَ ولفت الانتباه من جهة أخرى لا بد من التذكير بأنه جاء متناغما مع فكر البعث العفلقي وكنتيجة طبيعية وافراز موضوعي  لفكر قوموي عنصري غايته الأساسية .طمس معالم الهوية القومية للجزيرة الكوردية ومحو كل أثر له علاقة بذاكرة تلك  الهوية أرضاً وشعباً ,بدءاً بتعريب أسماء القرى والبلدات الكوردية وتوزيع  أراضيها على مستوطنين تم استقدامهم من محافظات أخرى .تحت مسمى مشروع الحزام العربي .هذا ناهيك عن الممارسات القمعية الأخرى والمتطرفة .بحق الثقافة والمثقفين الكورد كمنع التخاطب باللغة الأم .او تداول المجلات والكتب .أما العمل السياسي فكان من المحرمات ومحظور طرق باب محرابه.
منهجية الكاتب .مبنية على وضع مقدمات حسب معتقداته السياسية .ثم يضع نتائجه ويصدر أحكامهُ وفق تلك المقدمات. 
ولعـل أبرز تلك الأحكام .وأهمها على الأطلاق هو شطب الكورد من التاريخ بجرة من قلمه, وهذا ما سوف ينجلي لنا لاحقا.
في المقدمة يشير الكاتب إلى بعض الصعوبات التي واجهته في دراسته. وهي بحسب اعترافاته. كما يلي :
1 عدم توفر المصادر المعرفية الكافية.
2 أستناده إلى خبرته الشخصية وعمله الميداني.
3 إقراره بأن نتائج دراسته. ما هي إلا انطباعات خاصة أكثر منها دراسة موضوعية مركزة.
ويلاحظ أن الكاتب يريد هنا التموضع في خانة الواقعية والموضوعية, لكنه ينسى أو يتناسى أن التاريخ علم, وأن إصدار أحكام على هذه الدرجة  من الخطورة بحق شعب وأمة بأكملها ,استناداً إلى خبرات شخصية وانطباعات خاصة ,هو اجحاف بحق العلم أولاً, وظلم وتجن على مصير أمة ثانياً.
من هنا فأن الصعوبات التي أقر بها الكاتب, والاعترافات التي ذكرها لا تعفيه من تجنيه .بل وتقوض الكراس وتنسف أحكامه جملة وتفصيلاً.
الكراس في مجمله ليس إلا مشروع دراسة يضم مقترحات يراها الكاتب ضرورية لحل المسألة الكوردية في سورية عموماً والجزيرة السورية خصوصاً فما هي رؤيته للحل ؟ لا بل وماذا يعني بالحل ؟ من المؤكد إنها تلك المقترحات المزرية والمجحفة التي يقدمها الكاتب للجهات المسؤولة في البلد, من أجل تصفية القضية الكوردية المؤرقة وإنهائها .في مدخل الكراس ,يؤكد الكاتب عروبة الجزيرة مضيفاً …أن ماحيك أو يحاك حولها من مؤامرات ودسائس وأطماع متعددة ,ليس إلا مسعى من المتآمرين لمحو معالم تلك الهوية . في الفصل الاول يقدم الكاتب رؤية تاريخية للمسألة الكوردية, منذ مطلعها وظهورها , وحتى القرن العشرين ليخلص وينتهي إلى نتيجة مفادها .أن الكورد غير متجانسين في خصائصهم الفيزيولوجية. واللغوية والثقافية ,حيث استقر رأي أغلب الباحثين على أن الكورد “مزيج من قبائل متعددة “واستناداً على هذه العبارة ,يحكم بعدم وجود شعب بمعنى الشعب الكوري ولا أمة كوردية”, والملفت هنا هو هذا التناقض الفاضح والمكشوف في كلامه , فقد أقر بداية  بأن المصادر المعرفية غير كافية, وأن انطباعاته شخصية ليس الآثم لا يتورع عن القول بإسناد أحكامه الذاتية الى أغلب الباحثين, فمن هم هؤلاء الباحثون ؟هذا الكلام يستقيم اذا نسبه إلى نفسه, أما أن ينسبه إلى أغلب الباحثين ,فهذا ظلم وتعسف بحق الباحثين والمؤرخين الكثر الإسلاميين منهم والمستشرقين ايضاً. ولن ندخل في تفاصيل تعداد اسمائهم ,وتذييل مؤلفاتهم. ثم أليس العرب مزيج من قبائل متعددة ؟وكذلك الأمم والشعوب الأخرى. إن مجرد القول بأن الكورد مزيج من قبائل متعددة لا يقودنا إلى نتيجة حتمية .ننفي على أثرها  وجود شعب وأمة كوردية, من جهة أخرى  فأن نظرية النقاء العرقي قد حضها العلم منذ أمدً بعيد . 
أما اللغة الكوردية بحسب هلال فليست بلغة . بل إنها مجرد لهجات, كلهجة النور , وهنا  أصبح هلال عالماً  لغوياً بعد ان كان عالماً إثنياً ومؤرخاً .ثم يصرح ثانيةً بأن لا تاريخ للكورد ,ولا حضارة ولا لغة ,ولا جنس. اللهم إلا صفة القوة  والبطش والشدة (.وهذه ميزة سكان الجبال ص9 ) ولم تنشأ لهم عبر التاريخ دولة  ولا وطن كوردي ويضيف بأن منطقتهم اجتاحتها سيول مختلفة من الفاتحين .عبارات تثير الدهشة والاستغراب, فقد خصهم مرة بسكان الجبال .ومرة اخرى يذكر بأن منطقتهم تعرضت لاجتياحات الفاتحين .مما يعني أن لهم منطقة ووطن , وهو الذي نفى وجود وطن لهم فكيف يستقيم هذا الحكم ؟ وفي الماعة مختصرة يشير إلى الحركات التحررية للكورد .وعوامل فشلها .لينتقل إلى المشكلة قبيل وأثناء الحرب العالمية الأولى .وبلغة حاقدة وشعوبية فاضحة يقول :(أجل ان الاستعماريين يعرفون من هم صعاليك الشرق وقطاع طرقه) فيلجأوون إلى إقحامهم في قضايا من أجل زعزعة استقرار الشرق الاوسط ,وكأن الشرق مستقر وآمن لولا أن الكورد يعبثون باستقراره وأمنه . وفي الفترة ما بين الحربين العالميتين يشير هلال إلى تأسيس الحزب الوطني الكوردي في اسطنبول .ويذكر مطالبهم في الاستقلال والتي تقدم بها شريف باشا إلى مؤتمر الصلح في باريس عام 1919.وهنا يحضرني سؤال .مهم .إذ كيف يمكن  لشعب ليس له وطن ولا تاريخ ولا لغة ولا جنس…أن يقوم بتأسيس أحزاب ويذهب ممثلوه إلى مؤتمرات دولية ,ما لم يكن على درجة من الوعي والتطور. أليس هذا مؤشراً قوياً وساطعاً على عمق تاريخ هذا الشعب وعلو ثقافته وعراقتها ومتانة ارتباطه بأرضه. ويشير إلى الانتفاضات والثورات الكوردية. واصفاً إياها بالفتنة والفتن وكأن الثورات حلال على غير الكورد , وحرام عليهم ,ومصطلح الفتنة كما نعلم مصطلح إسلامي, له ابعاد ايديولوجية  واستغل لغايات سياسية بهدف اقصاء الآخر المعارض وذلك لأن الفتنة  ترمي إلى تفريق شمل الأمة وتمزيق وحدتها ,وهذا كاف لإدانة كل حركة معارضة او ثورة ورفضها بشكل قاطع .من جهة اخرى يشكل هذا التشخيص للمفهوم الذي ذكرناه مسعى لتأليب الرأي العام العربي والإسلامي ضد الكورد باعتبارهم مارقين وقطاع طرق او خارجين على الجماعة والقانون .وهذا يبرر ممارسة كل أشكال القهر والعنف ضدهم .لذا يطلب اليهم دائما أن يكونوا مسلمين أكثر من الجميع. 
ودعما لما سبق وتكريسا لمفاهيم الفتنة والمروق والشقاق ,لا ينسى هلال أن يقارب بين عبارتي كوردستان ويهودستان .في إشارة صريحة منه إلى ان الكورد واليهود وجهان لعملة واحدة, وانهم أعداء العروبة والاسلام  الأشد شراسة .
يذكر ,هلال معاهدة سيفر الدولية ,والتي ضمنت مطالب  الكورد ,في بنودها الثلاث :62-63-64-وهي المرة الأولى التي يدرج محفل دولي على جدول اعماله المسألة الكوردية .ثم ينعطف بإتجاه الحركة القومية الكوردية، التي قادها البرزاني الخالد ,والذي عاش في الاتحاد السوفييتي لمدة اثنتي عشرة سنة, مؤسساً فيها حزبه عام :1945 .وهذه معلومة خاطئة ,لكنه يبدي أسفه الشديد ,من موقف الشعب المصري العظيم ,وموقف زعيمه الراحل جمال عبد الناصر, لما ابداه من إعجاب ,بالبرزاني وحركته القومية وتعاطفه معها. يذكر أيضا أسماء شخصيات كوردية وطنية في الجزيرة ,حملت الهم الوطني الكوردي, وساهمت بقوة في أنشطة وفعاليات الحركة القومية الكوردية, ثم لا يلبث ان يعود مرة أخرى ,إلى المسألة المؤرقة ,كما يظهر ,فيكثر من أوجه التشابه بين ,قدوم وهجرة اليهود إلى فلسطين, وهجرة الكورد, إلى الجزيرة والعراق, الذين جاءوا حسب زعمه, وفق مخطط استعماري مدروس  وعلى شكل هجرات حتى أصبح عددهم في الجزيرة أكثر من :160 الف مهاجرا مبينا أماكن تواجدهم ,وأسماء عشائرهم…وفي لفتتة تحريضية  دعائية ومبيتة , يذكر آل الخزنوي قائلا: أنهم يعملون لقوميتهم الكوردية ,ونشر الفكر الشيوعي. تحت غطاء من حلقات الذكر الدينية التي يقيمونها .وهذا يكشف خطأ وضلال النظرة القديمة السائدة  ,عن الكورد, من حيث أنهم أقلية مسالمة ديدنها سيادة الأمن والنظام والهدوء. في حين أن النظرة الجديدة ,والتي يدعمها هلال بقوة وهو أن الكورد يختلفون عن العرب, وأن الرابطة الدينية بينهما ليست إلا قميص عثمان, وستار لكل مؤامراتهم وخيانتهم ,ويسخر أشد السخرية ,من شعار الأخوة العربية الكوردية, معتبرا إياه مؤامرة وخيانة…وفي ختام الكتيب يقدم هلال ,مقترحاته الإثنتي عشرة ,للقيادة السياسية .في البلد. من أجل حل القضية الكوردية. وإنهائها وهي كما يلي :
1  أن تعمد الدولة إلى عمليات التهجير القسري للكورد إلى الداخل السوري ,وتوزيعهم ,وتفريقهم.
2 سياسة التجهيل: أي العمل على إبقاء أجيال الكورد جاهلة, بدون تعليم  من خلال عدم نشر المدارس في مناطقهم, ووضع العراقيل والصعوبات ,التي تحقق هذا الهدف. وهنا يظهر الكاتب امتعاضه ,من انتشار ذوي الشهادات العليا بين جيل الشباب الكورد .مقارنة بنظرائهم من جيل الشباب العرب .
3 اجلاء كل من لم تثبت جنسيته السورية .
4 سد أبواب العمل أمام أبناء الكورد. مما يعني محاربتهم معيشيا ,واقتصادياً.
5 شن حملة من الدعاية الواسعة بين العناصر العربية. ضد الكورد .وهذا يساعد على نشر الكراهية بين أبناء المجتمع الواحد ,والأخلال بتماسكه .وتمزيقه ونشر العداوات الاجتماعية .
6 نزع الصفة الدينية عن مشايخ الدين الكورد, واحلال عناصر دينية عربية  محلهم .
7 ضرب الكورد بعضهم ببعض ,أي إثارة الفتن ,وخلق المشكل والدسائس: فيما بينهم ,وتعميقها .
8 إسكان عناصر قومية عربية ,في المناطق الكوردية ,على الحدود مع تركيا.
9 جعل الشريط الحدودي الشمالي منطقة عسكرية, تابعة لوزارة الدفاع السورية.
10 إنشاء مزارع جماعية للعرب على أن تكون فيها عناصر مدربة ومسلحة. كالمستعمرات اليهودية ,وهنا يسلك هلال مسلك اليهود , مع أنه يدعي ,كراهيته لهم.
11 عدم السماح لمن لا يتكلم العربية, بممارسة حق الانتخاب والترشيح .في المناطق الكوردية المذكورة 
12 منع إعطاء الجنسية السورية مطلقا لمن يريد السكن في تلك المناطق . مهما كانت جنسيته الأصلية عدا العربية.
بعد كل هذا هل قرأتم موقفا أبعد  تطرفا وعنصرية, من هذا الموقف .وأكثر شوفينية ,ومدعاة للاشمئزاز والسخرية ذلك هو مشروع محمد طلب هلال الممثل الأمني لنظام البعث .
ما من شك أن المشروع الآنف الذكر قد أحدث شرخا عميقا في بنية المجتمع الكوردي, وأنه قد ترك آثارا سلبية. ليس من السهل محوها وإزالتها .والتي سوف تدوم لعقود طويلة من الزمن, لكن استرداد تلك الحقوق. واجب قومي وإجراء مشروع.
ختاما أيها السادة : هل يستحق الشعب الكوردي ,مثل هذا الموقف المتطرف ,والمتشنج .الذي ينفث الحقد والكراهية.
ما استطيع قوله ,وتأكيده ,وليس بمقدور أحد إنكاره . هو أن للكورد دين على العروبة والإسلام  معاً فقد أنجبت الأمة الكوردية شخصيات عظيمة طبعت بصماتها بأحرف من ذهب على صفحات التاريخ مثل الشيخ محمد عبده وأحمد امين وغيرهم وقادة عظام ,وموقعة حطين شاهدة على ذلك. إن للكورد دين على دمشق وساحة ميسلون ,أيضا تشهد على ذلك
.وللكورد دين على الشعر العربي ,فأمير شعراء العرب شاهد على ذلك وهناك العشرات من الأسماء كتابا ومفكرين ومؤرخين لسنا بوارد تعدادهم: كابن خلكان وابي الفداء وابن الأثير …وقادة سياسيين ورؤساء قادوا سورية حديثا لقد ساهم الكورد بفعالية في بناء المنطقة وصناعة تاريخها ,والدفاع عنها ,فهل جزاؤهم أن لا يكون لهم تاريخ ,وألا يكونوا شعبا وبشرا ,.فهل جاءوا من خارج التاريخ البشري .أم أنهم أبناء الجن كما تروي إحدى الحكايات الميثولوجية والتي تعبر عن ايديولوجية .هادفة إلى حذف الكورد من تاريخ الشرق الأوسط .أليس من الأجدر .الإقرار والاعتراف بأنهم أصحاب حق ,ودعاة سلام .وأنهم  أصحاب تاريخ عريق .وبناة علم وحضارة ,ليس إلا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…