حبل المعارضة وجرّار الأجنبي.. وزعيق في وجه الحوار

د. ولا ح محمد
    لم يكن أكثر الكورد تشاؤماً حيال مواقف (من يسمون أنفسهم) المعارضة السورية، يتوقع أن يُصدر يوماً ما بعضٌ من هذا الجمع بياناً ضد حوار كوردي كوردي يجري على الأرض السورية. لن أتحدث عن تفاصيل البيان الشوفيني، فقد سبقني إلى ذلك زملاء من قبل وأوفوه حقه، بل سأتناول منه نقطتين رئيستين: الدعم الخارجي للحوار، وخطر الحوار الكوردي الكوردي على وحدة الأراضي السورية، لأن أصحاب البيان يرون أن هذا الحوار له غايات انفصالية، تلك التهمة المفصلة على مقاس الكورد من قبل كل شركائهم وجيرانهم، “الأصدقاء” منهم والخصوم.
    بداية لا بد من التذكير بأن هذه المعارضة تخوض حواراتها مع النظام منذ سنوات، وأن الكورد بكل طيفهم السياسي لم يكونوا يوماً ضد تلك الحوارات، ولم يغنوا يوماً موالهم الخاص كما يدعي البيان، بل كانوا إما مشاركين في الحوارات السورية فعلاً وإما طالبين للمشاركة فيها للإسهام في وضع حل توافقي للمأساة السورية، وكانت هذه المعارضة هي التي تمنعهم من ذلك إرضاء لطرف غير سوري. هذان الطرفان الكورديان هما اللذان يتحاوران اليوم.
    من هذه الزاوية كان مستغرباً أن يُصدر عدد من المعارضين السوريين بياناً ضد الحوار الكوردي الكوردي الجاري الآن، على الرغم من أنه غير موجه ضد أي طرف سوري أو حتى غير سوري؛ فغاية هذا الحوار هي إيجاد توافق بين قسم من السوريين والذي قد يسهم بدوره في إنجاح الحوار مع القسم الآخر. خصوصاً أن أحد طرفي الحوار جزء أساسي من هذه المعارضة التي تتحاور مع النظام.
    المفارقة أن هذه المعارضة أجازت لنفسها منذ سنوات الجلوس مع النظام في قاعة واحدة بقصد الحوار والتفاهم والتوصل إلى حلول ترضي الطرفين، لأنه في النهاية لا بد من الحوار، على الرغم من أن كلاً منهما لم يترك صفة قذرة إلا وألصقها بالآخر بما في ذلك تهم الخيانة والعمالة والارتزاق وغيرها، علاوة على ما بينهما من دم. هذه المعارضة هي التي تصدر اليوم مثل هذا البيان ضد حوار يجري بين أطراف كوردية سورية، لأنه أيضاً لا بد من الحوار. وهذا أحد أوجه الغرابة في صدور هذا البيان.
    أما الوجه الآخر فهو أن من بين الموقعين على البيان العنصري أسماء لطالما أشاد بها الكورد ووجدوا في أصحابها نفساً ديمقراطياً حراً مختلفاً عما لدى الآخرين من فكر عنصري منغلق عفن أكل الدهر عليه وشرب ونام ومات. وهذا ما يجعلنا نطرح هذا السؤال على الكورد: من خلال هذا البيان الذي تفوح منه رائحة الشوفينية والتبعية، هل تبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من فجر سوريا، أم مازال الليل في منتصفه بالنسبة إليكم، ويحتاج وضوح الرؤية إلى علامات أخرى؟.
    انطلق البيان من نقطة أساسية هي أن الأطراف الكوردية المتحاورة استغلت انشغال السوريين بإيجاد حلول من أجل سورية ديمقراطية وراحت تعقد حوارات خاصة بها بعيداً عن الأعين وبرعاية أمريكية، ما يشكل ـ من وجهة ونظرهم ـ خطراً على وحدة الأراضي السورية، في إشارة منها إلى تهمة السعي للانفصال وإنشاء كيان كوردي مستقل. هذا الكلام يستدعي منا الوقوف عند نقطتين رئيستين في هذا البيان: وحدة الأراضي السورية، والرعاية الخارجية أو الاستقواء بالأجنبي.
   بدايةً، من الذي يحافظ على وحدة الأراضي السورية ومن يفرط بها؟ فلو كان أولئك “الديمقراطيون” حريصين حقاً على وحدة سوريا لأصدروا بياناً ضد احتلال المدن السورية الذي نسف فعلاً وحدة تلك الأراضي وليس قولاً، ولما سكتوا عليه سكوت الأموات وكأنها في عرفهم ليست مدناً سورية، بل شارك بعضهم في ذلك الاحتلال. هؤلاء “الديمقراطيون” لم يصدروا بياناً ضد التعليم باللغة التركية في المدارس في مناطق الاحتلال (يسمونها تحرير)، ولم يصدروا بياناً ضد رفع العلم التركي على تلك الأراضي، ولا ضد استبدال الليرة التركية بالليرة السورية هناك. كل ذلك في عرفهم الوطني لا يتنافى مع وحدة الأراضي والسيادة السورية. هؤلاء المعارضون “الديمقراطيون” لم يدينوا الصفقات التي أخرجت أهلهم من ديارهم، ولم يصدروا بياناً ضد أعمال الإجرام والاحتلال والبيع والمتاجرة بهم وبأهلهم على مدى سنوات، ولكنهم أصدروا بياناً ضد حوار كوردي كوردي سوري.. حوار وليس أي شيء آخر.
    هؤلاء “الديمقراطيون” لا تتحرك فيهم نخوة الوطنية والخوف على وحدة الأراضي إلا عندما يريدون توظيفها في اتهام الكورد ومحاربتهم. هؤلاء “الوطنيون الديمقراطيون” لم يصدروا أي بيان ضد أي مجرم محلي أو أجنبي ارتكب جرائم بحق السوريين، ولكنهم كانوا متحمسين جداً للتوقيع على بيان ضد حوار يجري بين كورد سوريين وعلى أرض سورية، حوار يصب في النهاية في مسار إيجاد حل للمعضلة السورية كي تتخلص البلاد من الاحتلال (الذي يصب بيانهم في مصلحة بقائه) وتعود إلى وحدتها التي كانت. اللافت أنه بيان ضد حوار أحد طرفيه عضو مهم في المعارضة التي تتحاور مع النظام؛ فما سبب إصدار كل هذا الزعيق حول حوار كغيره من الحوارات الجارية بين السوريين؟.
    هل تتحدثون أيها “الديمقراطيون” عن الرعاية الخارجية للحوار؟ طيب. من الذي استدعى الأجنبي للتدخل في شؤون بلاده واحتلال أرضه وسكت على احتلاله وجرائمه؟ الكورد أم أنتم؟. من الذي سمى أحد أيام الجمع منذ تسع سنوات “جمعة التدخل الدولي”؟ الكورد أم أنتم أيها المتاجرون بالتدخل الأجنبي؟ من الذي كان سيكون جالساً اليوم مع “الأمريكي” في دمشق لو أن أمريكا استجابت لطلباتكم ورغباتكم آنذاك؟. من الذي رقص وفرح وطبل وزمر قبل عامين عندما ضربت “أمريكا” بعض المطارات السورية، ظناً منكم أنها ستعينكم على النظام؟ ألستم أنتم أيها “الرافضون” للاستقواء بالأجنبي؟. من الذي يرقص ويطير فرحاً للعقوبات “الأمريكية” القادمة، بل يرى أنها تأخرت كثيراً؟ ألستم أنتم؟. من الذي يستجدي منذ تسع سنوات مساعدة “أمريكا” ويشتمها ويشتم العالم لأنها لا تساعدهم كما يجيب؟ ألستم أنتم؟. 
    كفاكم تلوناً وتقلباً ونفاقاً وكذباً على أنفسكم وعلى السوريين باسم الوطنية الزائفة والخوف على وحدة سوريا. وكفاكم تنفيذاً لأوامر الآخرين ضد شركائكم الكورد وضد المصلحة السورية. ليس الكورد هم الذين يستقوون بالأجنبي ويدخلونه إلى الأرض السورية، ولا الكورد هم الذين يفرطون بوحدة الأراضي السورية؛ فلولا الكورد لكان اليوم ثلث الأراضي السورية بيد الإرهاب وثلثها الآخر تحت الاحتلال التركي، وكنتم “ستتحاورن” مع النظام على الثلث الثالث. الكورد هم الذين حافظوا على وحدة سوريا، وأنتم من بعتم أراضيها قطعة قطعة بعد أن بعتم الشعب، أو على الأقل سكتم على تلك البازارات والجرائم، وما زال حبلكم على جرار المحتل. أما معطل حركة الجرار فهو فقط الحاجز الكوردي.. والكابح الأمريكي. 
    

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعيش منطقة الساحل – بحسب ما يردنا من معلومات شحيحة – حالة حصار كبير، بدءاً من قطع الماء والكهرباء والإنترنت، إلى إغلاق الأسواق التي تعرضت محالها للنهب، وصولاً إلى إطلاق نيران القناصة العشوائي على المارة، وهو ما شهدناه سابقاً في منطقة الجزيرة، بل في المناطق الكردية خلال فترة الانتفاضة الآذارية2004، التي حلت ذكراها يوم أمس، بعد…

فواز عبدي   لطالما بدت بعض تصرفات الطغاة في بداياتهم أشبه بالمسرحيات الهزلية أو “لعب العيال” كما يقول المصريون، حتى يظن الناس أن ما يجري مجرد مزحة ستنتهي قريباً. لكن المأساة تبدأ عندما تتحول هذه “المسخرة” إلى حقيقة على أرض الواقع، محمية بقوة السلاح، ومدعومة بدعاية تروج لها كأنها مشروع وطني أو قانون لا يقبل الجدل. كثير من الأنظمة الاستبدادية…

د. محمود عباس هل يرسّخ أحمد الشرع حكمه للأبد؟ أربع نقاط في مسودة الدستور السوري الجديد تهدد الديمقراطية والتعددية في سوريا. مسودة الدستور السوري الجديد، التي وقع عليها السيد أحمد الشرع بصفته رئيس الجمهورية العربية السورية، تمثل خطوة أخرى في مسار تدمير الديمقراطية في سوريا، إذ تؤسس لدستور لن يدوم إلا بقدر بقاء النظام الذي وضعه، تمامًا…

إبراهيم اليوسف تُعتبر الدساتير المرجعية القانونية الأسمى في الدول، حيث تحدد شكل النظام السياسي، وتؤطر العلاقة بين السلطة والمجتمع، وتؤسس لمبادئ المواطنة والحقوق والحريات. غير أن بعض الدساتير، ومنها مشروع الدستور الجديد للجمهورية السورية، التي يقدمها الدستور بأنها” الجمهورية العربية السورية” يحمل في طياته تناقضات جوهرية بين النصوص المعلنة والغايات الفعلية التي تهدف السلطة إلى تكريسها، بتدبير تركي…