عزالدين ملا
تتلاقى العلاقات الدولية في ظروف خاصة بعد التوافق في أمور معينة تتعلق بالمصالح والأمن، وهذه الظروف تهيأت في كوردستان العراق ادى إلى تشكيل إقليم كوردي هناك، والآن نفس هذه الظروف والتوافقات مهيأة في غرب كوردستان.
العلاقات الدولية تنبني على المصالح، ويمكننا القول أن السياسة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بها، لذلك فالسياسات الدولية تبدأ من العلاقات الدولية وترابط مصالحها، وما كانت التقسيمات التي ظهرت إبان الحرب العالمية الأولى تدخل في تلك الخانة، فبعد انتهاء الحرب العالمية قام الجميع بإرسال وفودها إلى مؤتمر الصلح وإظهار ما فعله وقدّمه من مساعدة إلى جانب الحلفاء
بالإضافة إلى ما حصل قبل المؤتمر من لقاءات سرية بين تلك الوفود وممثلي الدول الكبرى لربط مصالحهم مع بعضهم البعض وتوقيع عقود واتفاقيات سرية، فكان من نصيب كل من استغلّ تلك الفرصة الحصول على مبتغاه، إلا الوفد الكوردي الذي رجع بخفي حنين، لأنه لم يستغل الفرصة أثناء الحرب أو قبيل المؤتمر لصالح الكورد، كما حصل بين كورد تركيا ومصطفى أتاتورك، وبين كورد سوريا والعراق والعرب عن طريق شريف حسين، حيث ضيَّعوا الفرصة عليهم، بل وقام الكورد بدعم تلك القوميات ضد الاستعمار الفرنسي والبريطاني، وكان الرد الجميل من قبلهم قمع الكورد واضطهادهم.
لقد قامت انتفاضات وثورات كوردية عديدة ضد مضطهديهم حيث باءت كلها بالفشل لأسباب كثيرة أهمها لاعتمادهم على انفسهم فقط دون القيام بربط مصالحهم مع الدول الكبرى أصحاب رسم حدود وسياسات الدول والقوميات وأيضا اعتمادهم على العاطفة فقط، فيُغرر بهم في كل فرصة تسنح لهم.
استمرّ الكورد بالاعتماد على عواطفهم وعدم التفكير بأن الحصول على مبتغاهم يمر من خلال ربط سياساتهم مع سياسات الدول الكبرى، بقوا هكذا على سجيتهم حتى قيام انتفاضة البارزاني الخالد، وتعتبر هذه الانتفاضة بداية مرحلة جديدة للتفكير الكوردي، وخاصة في سنوات نضال الرئيس مسعود البارزاني، حيث توصّل إلى حقيقة، أن الحصول على الحقوق يمر من خلال خيوط شبكة السياسة العالمية، وعرف كيف يربط خيوط السياسة الكوردية بالسياسات الدولية في ظل الظروف السانحة، النتيجة كانت إقامة دولة كوردية شبه مستقلة في إقليم كوردستان العراق، وأصبح الرئيس مسعود البارزاني أحد الشخصيات الراسمة للسياسات الإقليمية والدولية، ويعود ذلك إلى خبراته النضالية الطويلة ومعرفته مداخل ومخارج السياسة في المنطقة وكيفية اللعب فيها.
الآن هذه الظروف تسنح في غرب كوردستان وخاصة خلال سنوات الأزمة السورية، فصراعات المصالح بين الدول الكبرى وخاصة أمريكا وروسيا تمنح فرصة تاريخية لن تتكرر للكورد لتحقيق طموحات الشعب الكوردي في سوريا بإقامة على الاقل دويلة شبيهة بإقليم كوردستان ضمن دولة سوريا إتحادية لا مركزية، وما نلاحظه من تحركات أمريكية وفرنسية وبريطانية وحتى روسية نحو توحيد صفوف الكورد ضمن إطار واحد، يدل على أن مصالح تلك الدول تلاقت بشكل أو بآخر مع مصالح كورد سوريا، ومن خلال الكورد سيُمررون نفوذهم ومصالحهم في المنطقة، لذلك يتطلب من الحركة الكوردية أن تتيقن وتدرك ذلك، الظروف تمر بوتيرة متسارعة ولن تنتظر أحداً، والوضع لا يحتمل التأجيل أو التأخير، فليكونوا على قدر المسؤولية، ويعرفوا أن لا مكان لأي طرف كوردي في مستقبل سوريا إن لم يكونوا معاً.