د . كمال اللبواني
الموجود في سورية كأرض حددتها اتفاقيّة سايكس بيكو، هو شعب متعدّد القوميات والديانات والطوائف يشكّل العرب السنة أغلبيّة فيه، تعرّضت المنطقة للعديد من الهجرات والغزوات والنزوح عبر التاريخ. لم تكن سورية بأرضها الحالية تشكّل دولة سياسية موحدة مستقلة تاريخية، ولا تشكل حدودها انقطاعاً جغرافياً عن محيطها، كل القوميات المتواجدة على أرض هذه الدولة المصطنعة، هي جزء من قوميات تعيش في دول مجاورة، بما فيها العرب والكرد والتركمان والآشور والشركس والأرمن …
سورية الطبيعية هي بلاد الشام التي عاشت مرحلة طويلة في ظلّ حكم سلطاني، تتمثّل في الخلافة الإسلامية الأموية والعباسية ثم العثمانية، ومرت بمرحلة من السلطنات الصغيرة، لكن أيّاً منها لم تكن كردية عبرت عن نفسها بهذه الهوية، لم تتشكل سورية من دول متعددة اتّحدت مع بعضها، بل كانت جزءاً اقتطع من دولة السلطنة العثمانية، والحديث عن سورية فيدرالية يفترض وجود دول سابقة اتّحدت، وهذا غير موجود، النظام الفيدرالي يعبر عن وحدة دول، ويحفظ حق الانفصال، فهو كعقد الزواج الذي يمكن فصله.
منطقة الجزيرة كانت خالية من السكن والعمران منذ الغزو المغولي، ولم تُسكن من أيّ قومية قبل الانتداب الفرنسي، ولا يوجد فيها أيّ أثر تاريخي يعود للفترة بين القرن الرابع عشر والقرن التاسع عشر، ولا توجد مقابر تحتوي رفات يعود لتلك الحقبة.
معظم الكرد الذين عاشوا في سورية تلك الفترة، سكنوا المدن السورية، ولم يحتفظوا بلغتهم بل اندمجوا بالسكان، معظم كرد الجزيرة قد سكنوها بعد الانتداب الفرنسي، قسم كبير منهم بعد اضطهاد نظام أتاتورك لهم في هضبة أرمينية والأناضول، وكذلك الآشور والسريان، وقد قام الفرنسي بإقطاع عائلات كردية وسريانية مهاجرة، وكذلك قبائل عربية من البدو، لتسكن وتستوطن في تلك المنطقة التي كانت ما تزال مهجورة نظراً لقلة عدد السكان.
وفي الجزيرة تداخل سكاني كبير يصعب رسم حدود تقسيمية بينه، خاصة بعد تهجير عرب غمر الفرات، وإسكانهم على الشريط الحدودي مع تركيا، كما نزح عدد كبير من الأسر الكردية من هناك فيما بعد لدمشق وحلب، وشكّلوا أحياء كاملة فيها لأسباب اقتصادية.
لا يستطيع أحد ادّعاء حقّ تاريخي في أرض الجزيرة، التي لم تكن مسكونة لمدة أربعة قرون على الأقلّ، والحديث عن شعب يعيش تاريخياً على أرضه غير دقيق، بما يخصّ منطقة شرق الفرات، مع أنّ الشعب الكردي يعيش تاريخياً في أربع دول هي تركيا والعراق وإيران وسورية، وقد تنقّل وهاجر كغيره من شعوب المنطقة التي تتصف بالبداوة إلى جانب المدن الحضرية.
ما تنصّ عليه شرعة الأمم المتحدة هو حق الشعوب القومية التي تعيش تاريخياً على أرضها في تقرير مصيرها، وهذا يغفل المناطق ذات التداخل العرقي، ويغفل الهجرات، كما أنّ تعريف الشعب فيه محدّد بتعبيره عن نفسه في كيان سياسي خاص مستقلّ لفترة زمنية طويلة نسبياً، وهذا لا ينطبق على الكرد في الجزيرة.
الكرد في سورية موزعون على مساحة جغرافية واسعة ومتقطعة في الجزيرة وغرب الفرات، وفي المدن الأخرى، وصولاً لدمشق، وهم قسمين، قسم يتكلّم اللغة الكردية الكرمنشاهية التي يتكلم بها كرد تركيا، وليس كرد العراق (الصورانية)، وقسم انتقل للغة العربية ونسي لغته الأم، واندمج بمجتمعات المدن. فالحديث عن فيدرالية جغرافية يجافي الوقائع والحقائق ويصعب تطبيقه، من دون افتعال تغييرات جغرافية وديموغرافية كبرى، ولا يمكن حلّ النزاعات المترتبة عليه.
لذلك المقترح دستورياً في سورية أن تقوم الدولة على العقد الاجتماعي، وليس الهوية القومية أو الدين، وأن يتم الاعتراف بالتنوع القومي والديني، وبالهويات المختلفة وحقوقها (أي الفيدرالية الثقافية، التي تعترف بهوية وثقافة المكوّن بغض النظر عن مكان سكنه وعمله في عموم الأرض السورية)، على أن يتمتّع بذات الحقوق وذات القدر من المساواة في الفرص والواجبات… وتبقى اللغة الرسمية للدولة حقاً من حقوق الأغلبية، على أن يحقّ لكلّ مكون استعمال لغته، وطلب الترجمة.
لا يمكن حلّ القضية الكردية بموجب مبادئ الأمم المتّحدة، إلا من خلال اتّحاد إقليمي فيدرالي يضمّ أربع دول، هي تركيا وإيران والعراق وسورية، أو تقسيمها بما يترتّب على ذلك من صراعات بسبب التداخل، لذلك نفضّل الفيدرالية الثقافية والعمل لتطوير نظم التعاون بين الدول، وصولاً لتحقيق اتّحادها الفيدرالي.