فكـرة التـابـع والمتبـوع ، والســيد والعبـد الـذي يعـانيـه الكـورد في ســوريا …!!

دلدار بدرخان*

مـقدمـة 
يعتقد الكثيرون أن هذه الثنائية المتشابكة لا تنشط غالباً إلا في المجتمعات التي يغلب عليها الطابع العشائري والريفي البدائي ، وتتحول بدورها إلى سلوك نفسي وفردي معاش مترسب في الأنا الجمعية للأفراد ، هناك عدة مناح نستطيع بها دراسة هذه الظاهرة المركبة ولعل علم النفس الفرويدي  يكون أهمها ، ونموذج قتل الأب عند فرويد أحدها .
حيث يستنتج في كتابه – ١ ( الطوطم والتابو) أنه في المجتمع البدائي وبغض النظر عن قتل الأب فعلياً أو مجرد الشعور والرغبة بقتله هو ما يولد عقدة الذنب ومن ثم يتم تعويض هذه العقدة بالتماهي مع سلطة الأب والخضوع المطلق لها ، وعن هذه السلطة نشأت الأنا الأعلى ومنها إنبثقت على المستوى الجماعي بمراحل لاحقة سلطة المجتمع ككل ، أي أن (عقدة أوديب ) ما زالت مستمرة مدى الحياة بحيث يجد الأفراد أنفسهم متماهين مع سلطة الآباء والأجداد  والعادات والتقاليد والمجتمع ، ومتماهين معها ومدافعين عنها ، لذلك يُعتبر أن النضج لا يتعلق بالعمر بقدر ما يتعلق بقتل هذا النموذج الأبوي ، أي القتل الواعي والإستعاضة عنه باستقلالية الفرد .
ونجد أن نمط العلاقات الإجتماعية والإقتصادية تلعب دور عامل مساعد على بروز وترسيخ هكذا إتجاهات أبوية ، ويصبح معها مالك أدوات الإنتاج هو المخول ليسود ،
إنها (ببساطة الحاجة إلى الإنقياد والخضوع النفسي والإجتماعي لنموذج الفرد ) كما يسميها الباحث أ – عباس علي العلي والتي بترسخها عبر مرور الزمن ينعدم معها دور الأفراد ويختفون ضمن مفهوم الجماعة ( القطيع ) ، ويصبح الرمز هو الضامن لبقاء الجماعه ككل ،
وفي الدراسات الجندرية تظهر هكذا إتجاهات في إشارتها إلى دور التابعية للأنثى ضمن مجتمع ذكوري ، بالإشارة إلى فكرة ميتافيزيقية لا تخلو من نقد حول وجود مجتمع أمومي بدائي ومن ثم تبعه بانقلاب ذكوري أدى لترسيخ دور تابعية الأنثى للذكر ،و بمرور الزمن تبقى هكذا علاقات هي المسيطرة ما لم يتم تفكيكها ، بحيث تصبح محاولات الأفراد في حال التمرد على هذه القيم المترسخة دون جدوى .
إن هذا السلوك الأصيل في بنية مجتمعات هشة كمجتمعاتنا التي يغيب عنها ثقافة تداول السلطة والقيم العشائرية والذكورية تفسح المجال لبروز مرجعيات إجتماعية ودينية وسياسية بحيث يصبح المساس بها هو من المحرمات وتابوهات ،وبمثابة الهجوم على المجموعة ككل  ، وفي ظل إنعدام التنافس كما لا يخفى على أحد وفي ظل أحادية القوى المؤثرة والفعلية يبدو أنه كما يلاحظ الباحث – ٢ أ – عباس علي – أنه كلما تنوعت القوى الإجتماعية خفت هذه الظاهرة وكلما أزدادت متانة أصبحت هي السائدة دون سواها ، 
وتظهر هذه الصورة أيضاً بشكل أوضح في التأسيس لكهنوت رجال الدين باعتبارهم نواب الله والقائمين على تفسير دينه  ،
ويخلص الباحث إلى أن الصيغة الأمثل لتفتيت هذه العلاقات الرأسية وهو ما نتفق معه هو تحولها لعلاقات أفقية على مستوى المجتمع أي ببناء مفاهيم مواطنة ، ويتم هذا الأمر ببروز قوى إقتصادية واجتماعية تحيي دور المجتمع المدني .
ما يهمنا في هذا العرض السريع والذي لا يخلو من الصعوبة أحياناً هو أن بعض أحزابنا السياسية ما زالت تؤمن وتنقاد لهذا النموذج الفرد بشكل أعمى وتعتبره النموذج المخلص،
وتستعير رداء الوطنية على أساس مقاس هذا القائد أو ذاك ،
 بدلاً من ترسيخ مفهوم النظام المؤسساتي الذي لا يتأثر بوجود الأفراد أو عدم وجودهم ، وهذا ما ساهم في جعل صيغهم الحزبية على شكلها الحالي صيغ محنطة لم يعد لها وجود ، و إن كان واقع البنية الإجتماعية الكوردية أفسح المجال كما عند غيرنا لبروز هكذا إتجاه وهو ما نعيه جيداً ، 
وأن وجوده لحد الآن في مجتمعاتنا هو للأسف ضرورة كوننا لا نستطيع أن ننفك عن سطوة هذه العلاقات والمصالح النفسية والإجتماعية بلحظة ، إلا أننا نرى أنه آن الأوان أيضاً للقيام ببناء نظام فكري موازي دون المساس ( بسلطة الرمز  المعنوي ) بل بترسيخه ، وهو ما يستدعي تحويله أولاً لدور معنوي توجيهي ومرحلي ، وتحييده عن أي مباشرة لمهام السلطة ، أي بمساعدته ودون تحميله أو مطالبته بما لا يستطيع القيام به .
وثانياً أن يتم التخلي عن هذه الصيغ الحزبية المتهالكة والإستعاضة عنها بنموذج دور مؤسسات المجتمع المدني ،
كونها أفضل المتاح للعب هذا الدور حالياً ،  وما يحزننا كرابطة هو ضعف التنظير الفكري من قبل مثقفينا لهذا الجانب المهم من النشاط الإجتماعي والسياسي والإقتصادي ، 
خاصة في ظل ما تعاني منه الأحزاب من سيطرة علاقات عائلية أو عشائرية بمرجعيات مصلحية ضيقة لا تتيح لنا نحن مجموع الشعب الإنخراط في صفوفها إلا اللهم كتابعين أو مراقبين غير فاعلين في أفضل الأحيان ، أي بتكرار نموذج القطيع .
إن نموذج المجتمع المدني وأسسه ومجالاته هو ما سنركز في البحث فيه في الدراسات القادمة كونه برأينا هو أكثر ما نحتاج إليه .
* رئيس رابطة ” Bêkes ” للدراسات في أوروبا 
– كتب بتاريخ : ٣ – ٥ مايو – ٢٠٢٠

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…