نـوري بـريـمـو
في ظل هكذا علاقات دولية معقَّدة وظروف إستثنائية تداهم شرق أوسطنا وتحاصر سوريا الغارقة في بحور العنف والعنف المضاد والمتخبطة وسط جراحات أهلها والمنزلقة شيئاً فشيئاً نحو تقاسم النفوذ بين أمريكا وروسيا وبعض دول الجوار، ووسط حشر الأعداء لكردستان سوريا في خانة جيوسياسية ضيقة ومقلقة للغاية، وحيال تعالي الأصوات المناشدة لتلاقي وتوحيد صفوف وخطاب الكُرد، تعدّدت الآراء وكثر النقاش حول وجود ثمة محاولات ووساطات تدعو لتوافق الجانب السياسي الكردي للتصدي لمهام قيادة الحراك ومراكمته صوب نيل الحقوق وفق ما تقتضيه المصلحة القومية لشعبنا، وهذه الأصوات المناشدة هي أمرٌ طبيعي جداً فالحاجة أمُّ المناشدات والمبادرات والدعوات والدعاوي… كما يُقال.
لكنّ الغريب في الأمر هو أنه عندما يجدّ الجدّ ويبادر الوسطاء بالتدخل لإصلاح ذات البين الكردي، وحينما يُبدي المجلس الوطني الكردي (ENKS) الذي يُعتبَر الطرف الرئيسي وبيضة قبان حركتنا الكردية ووريثها الطبيعي منذ تأسيسها في عام 1957م، قدْراً من المرونة بنيّة ترتيب البيت الكردي عبر التقارب مع الآخرين والتفاوض معهم، تبرز أصوات حقٍّ يُراد بها باطل من قبل بعض الأحزاب الصغيرة التي لا وجود لها في الساحة والتي تحشر أنفها في الموضوع وتتوسل للتمثيل وتُطالب بإبراز إسمها!، ولعلّ الأمر الأكثر غرابة هو أنّ البعض منهم يهدّد ويتوعّد بأنّ أي تغييبٍ لشخصه أو لحزبه سيجعله يتطاول ويشكّك بأي تلاقٍ قد يحصل بغيابه!، مما يعني بأنّ أمثال هؤلاء لا يهمهم شيئ سوى إبقاء أحزابهم المجهرية على قيد الحياة من خلال السعي لاستحصال نوع من الشرعية بتواجدهم في معمعة جهود للتلاقي، ولعلّ ما جرى مؤخراً مع الموفد الأمريكي بالشأن السوري السيد وليام روباك الذي يبدو أنه ضاع بين هذا الطرف وذاك وسط فوضى حشَرْ ومحشَرْ التشرزم، والذي إضطر أنْ يضيَّع وقته مع أطراف ثانوية لا وزن لها وتصول وتجول وتزاود وتطرح نفسها كبديل وتسعى لتعكير الأجواء ولخلط الحابل بالنابل والصالح بالطالح والحرام بالحلال لتشتيت إهتمام الوسطاء والراعين ولصرف أنظارهم عن مكانة المجلس الوطني (ENKS) الذي ينبغي أي يحظى بدور محوري في أي تلاقي أو إتفاق لكونه صاحب مشروع ليبرالي قومي كردي ونظراً لِما يتمتع به من حاضنة جماهيرة وقوة سياسية ولوجستية تخوله لقيادة هذه المرحلة الحرجة.
حقاً إنه لمِنَ المؤسف جداً، أن يكون ترتيب بيتنا محكوم بشرط إرضاء الكل بلا إستثناء، وهنا يتبادر إلى الأذهان ثمة سؤال: هل نحن بحاجة إلى التلاقي الكردي لِكي يلتمّ الشمل أم أننا بحاجة إلى لجنة إحياء الموتى لكي يلتمّ شتات الصغار وإعادة الإعتبار لهم!؟، وإذا كان ولابُد أن تجري الأمور بهذا الشكل الخاطئ فمَنْ قال لكم بأنّ إرضاء هذا الجميع المختلف هو أسلوب صحيح لإخراج شعبنا من بين مطرقة إستبداد الأعداء وسندان حالة الإنشقاق؟.
ولنفترض جدلاً بأنه لا خيار أمامنا سوى الرضوخ للأطراف الثانوية قبل تلك الأطراف التي تعتبر أنفسها رئيسية!، فهل بالإمكان إرضاء كل هؤلاء الصغار شكلاً ومضموناً؟، وفيما إذا إستطعنا إقناعهم فمَنْ يضمن بأنْ لا يبرز صغار آخرون أكثر ثورية ويطرحون أنفسهم كبديل ويعلنون عن بيت كردي آخر موازي ومنافس للأول كما جرت العادة في ديارنا.
ما أريد قوله هو أنّ إنسياق المجلس الوطني الكردي – كإطارٍ يحق له أن يكون اللاعب الأساس في أية جهود لترتيب البيت الكردي – وراء مقولة ضرورة إحتواء هذا الكل المُختلف بعَجَرِه وبَجَرِه، هو سراب لا يمكن إدراكه وأمرٌ يستحيل تحقيقه لا اليوم ولا غداً، إذ لا يمكن بهذا المنوال ترتيب البيت والسعي نحو الإجماع الكردي المبتغى، فالإجماع الحقيقي في حالتنا هذه يكمن في التفاوض الجاد بين (ENKS) وأطراف سياسية أخرى تُؤمِنْ وتلتزم بالكردايتي فكراً وممارسة، وشريطة أن تتم تلك الحوارات برعاية جهات أخرى صديقة وشقيقة كأميركية وبارزانية.
في الختام…، أستسمحكم عذراً فيما إذا كنت قد أسأتُ لأي شخص أو جهة، فمُبتغى السعي لترتيب البيت الكردي الذي نحن بصدده أكبر من أية إعتبارات شخصية أو حزبية، وكل هدفي هو أنني أردت المكاشفة برأيي الشخصي الصريح حول هذا الشأن الذي يخص قضية شعبنا المُضطهَدْ في كردستان سوريا، ولنخطو معاً وبجدية نحو تعزيز موقع ومكانة الجانب السياسي الكردي ليصبح قادراً على الإمساك بالعامل الحاسم وبزمام الأمور والمبادرة في مسيرة الدفاع عن قضيتنا الكردية العادلة التي تمرُّ حالياً بظروف عصيبة وتترنَّح على حدِّ هاوية الضياع بين مخططات وصفقات الآعداء المتربصين بحاضرنا ومستقبلنا.
(30-4-2020)