مثقفونا والوعي النضالي (1)

كاوار خضر 
الشعوب المكافحة من أجل الانعتاق، يثير مشاعر أبنائها، لربطها باكتساب الوعي النضالي، وهذه سنة جرت عليها الأديان والحركات الإصلاحية والثورية كل ضمن مجاله، إلا المكافح الكردي من أجل الانعتاق، يختص بالمشاعر دون رابط يُذكر بالوعي النضالي.
لنأخذ ثلاثة أمثلة لا أكثر عما يكتبه مثقفونا؛ الذين من المفروض أن يكونوا أوعى شريحة من بين جموع شعبهم. ويكونوا ممن يهيؤون الشعب لفرز النخبة القيادية الواعية من أجل التحرر. والظاهر أنهم لا يختلفون عن النخب السياسية وحتى الناشطين كردّ فعلٍ من ألم الاحتلال.
النمط الأول من المثقفين “المناضلين”: 
يبحث في مآسي الكرد، عما يجري له من قبل المقتسمين. ويسهب في إلهاب المشاعر، وكيف يكون الكردي المسكين معرضا للموت، وهذا المظلوم لا حول له ولا قوة، وتطول الأوصاف الجياشة للعاطفة ليزرع الحقد الدفين في نفس الكردي، معطلا بصيرته ومنطقه.
ما نسعى من وراء هذا أن تجيش العاطفة دون إثارة العقل والمنطق للبحث عن الحلول بأسلوب علمي للتحرر، لا يفيد الكرد، فيحوله إلى إنسان عاطفي، لتأخذ زمام الأمر لديه العاطفة، حينها يتيقن الكردي أن يستعين بالغير لمظلمته. وهكذا يدفع مثقفنا الكاتب أبناء شعبنا إلى أن يصبح فريسة للاستغلال من قبل الغير.
وتاريخنا على مدار قرنين من الزمن لم يشذ عن هذا المنطق قيد أنملة. أدعو القارئ الكريم أن يراجع تاريخنا القديم والحديث، سيجد أن الكردي يخون أخاه الكردي، ويُستغل من قبل غيره. ويقتنع أن الخيانة تجري في دمه؛ كما ترويها معظم ملاحمنا المؤرخة غناء.
النموذج الثاني من مثقفينا الكتاب: 
يشيد بالشعوب التي نالتها القتل المريع، تاركا كوارث شعبه، فيذرف الدموع عليهم، بإثارة العاطفة لدى أبناء شعبنا. ويسرد لنا فظائع الأعداء؛ بحيث يتسرب الخنوع إلى نفوسنا دون أن نشعر به. ويتضاعف إحباطنا، وينعدم التفكير لإيجاد الحلول الناجعة، وفقدان تميّز المنصف من غيره من البشر أي كان. 
والشعور بمآسي الغير واجب علينا، فنحن بدورنا نعاني من أمثال تلك المظالم. ولكن لا يوجد في سرده ما يدفعنا إلى الشعور باستخدام العقل حيال الأعداء، فنعتقد أنه على الإنسان أن يكون صاحب ضمير، ولا يظلم أخاه الإنسان، وعليه نلجأ إلى الغير؛ بينما تقول الديانات الواسعة الانتشار خاصة الإبراهيمية أننا نحن البشر من نسل القاتل وليس المقتول. وهذه إشارة واضحة أن البشر ميال إلى الظلم والشرور أكثر من جنوحه إلى الضمير والإنصاف والعدالة. 
وهذا الأخير، أيضا، يدفع أبناء جلدته إلى الاستنجاد بالغير من أجل المساعدة، فيقع فريسة الاستغلال، ويتم تضليله بشتى المفاهيم الإنسانية والعدالة وغيرها. وهذا كان شائعا في الحقبة السوفيتية، ذلك السوفييت المتعاون مع أعتى العنصريين العرب، كما أعان ستالينه تركيا الكمالية.
عن تجمع الملاحظين؛ 
يتبع ..

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

م. محفوظ رشيد   كي لا نقع في المحظور الذي تدفعنا إليه التقولات والتخيلات والتنظيرات والتكهنات المشوهة والمشوشة والمفتنة، التي تعتبر مواد سريعة الاسترسال وسهلة الاستقبال من خلال وسائل الأعلام و التواصل الاجتماعي الخارجة عن الرقابة والضبط والمحاسبة، والتي يقف خلفها طابور خامس ضخم ومحترف من الأعداء و الدهماء والغوغاء و الأغبياء..، والضحايا دائماً من الأبرياء والشرفاء والبسطاء والأنقياء من…

نبذة عن الكتاب: يسعدني أن أقدم لكم العمل البارز لصديقي العزيز، ريبرهبون، مؤلف كتاب ” نقد السياسة الكوردية (غربي كوردستان أولاً)”. هذا الكتاب هو استكشاف عميق للمشهد السياسي الكردي، يقدم نقداً ورؤية للمستقبل. إنه رحلة فكرية تمزج بين التحليل التاريخي والواقع الحالي، وتبحث في الحلول للتحديات التي يواجهها الشعب الكردي، خاصة في غربي كوردستان (روجافا). يقدم المؤلف تأملات صادقة في…

د. محمود عباس الزيارة المفاجئة التي قام بها أحمد الشرع، رئيس الحكومة السورية الانتقالية، إلى إسطنبول، لم تكن مجرد جولة مجاملة أو لقاء بروتوكولي، بل بدت أقرب إلى استدعاءٍ عاجل لتسلُّم التعليمات. ففي مدينة لم تعد تمثّل مجرد ثقلٍ إقليمي، بل باتت ممرًا جيوسياسيًا للرسائل الأميركية، ومحورًا لتشكيل الخارطة السورية الجديدة، كان الحضور أشبه بجلوس على طاولة مغلقة،…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا الإسلامي، لا شيء يُوحِّدنا كما تفعل الخلافات، فبينما تفشل جهود الوحدة السياسية والاقتصادية، نثبت مرارا وتكرارا أننا نستطيع الاختلاف حتى على المسائل التي يُفترض أن تكون بديهية، وآخر حلقات هذا المسلسل الممتد منذ قرون كان “لغز” عيد الفطر المبارك لهذا العام، أو كما يحلو للبعض تسميته: “حرب الأهلة الكبرى”. فبعد أن أعلن ديوان الوقف…