زاهدة رشكيلو

منى عبدي
المرأة الكوردية الفولاذية التي أثبتت للواقع الكوردي معنى الشجاعة وكيف تكون السياسية الواقعية. هذه المرأة علمتنا كيف يكمن الإخلاص  دون مقابل في أعماق البطولة. رشكيلو سطرت مواقف نضالية أياماً عجافاً بحبر من دم هذه البطلة التي يجهلها الكثيرون، إنها تاريخ مشرّف على شرفات أشجار الزيتون. السيدة رشكيلو كانت ومازالت علامة وسام شرف على صدر التاريخ الكوردي، ومثال أنثوي حفرت على الذاكرة لتبقى رمزاً من الرموز التي نفتخر بها دوماً.
إبنة عفرين من مواليد قرية بعدنلي التابعة لناحية راجو منطقة عفرين محافظة حلب، انتسبت إلى حزب العمل الديمقراطي الكوردي في سوريا في الثمانينات وتابعت مسيرتها السياسية مع الحزب الموحد، ومن ثم حزب الوحدة وفي ظل الانشقاقات والتشرذمات في الحركة الكوردية واستمرار الخلافات في صفوف الوحدة الديمقراطي الكوردي في سوريا (يكيتي). وتلك الخلافات دامت بعد المؤتمر الثاني واستمدت الصراعات السياسية مما أدى إلى غياب نخبة كبيرة من الشخصيات … وذلك الغياب كان سبباً بإصدار المؤتمر الثالث قراراً برفع الصفة الحزبية عنهم. 
في شهر آذار من عام 2000 انعقد المؤتمر التأسيسي الأول وتم تشكيل حزب اليكيتي الكوردي في سوريا لتكون أول خطوة في مسيرة السيدة رشكيلو الحزبية في صفوف هذا الحزب واستمرت في عملها الحزبي إلى عام 2006م، ندرك تماما في اي عمل سياسي هناك دائما تكون الرصد الأمني بالمرصاد، رغم ذلك كانت الحركة السياسية مستمرة، لم تتوقف عن نشاطها أمام جبروت القبضة الأمنية يوماً، ونتيجة حصول الاختراقات الأمنية في منظمة حلب التي كانت السيدة رشكيلو عضوة في اللجنة المنطقية فيها تم اعتقال أكثر من عشرة أعضاء من هذه المنظمة، استدعى  الجهاز الأمني في حلب رشكيلو وأجرى معها التحقيقات. آنذاك أدرك مشعل التمو خطورة الوضع على السيدة زاهدة رشكيلو ما أدى إلى أن يطلب منها مشعل التمو بترك الحزب تفادياً لتعرضها للخطر من قبل الأمن، حينها جمدت السيدة رشكيلو نشاطها السياسي لفترة ثلاثة أشهر فقط من أجل عدم تعرض الأمن لها لأنهم يهدفون إلى وضع العراقيل أمام الأنشطة الحزبية، لإعاقة مسرة الكرد.  بعدها انتسبت زاهدة رشكيلو إلى تيار المستقبل الكوردي في سوريا. وبدأت بنشاطاتها كقيادية في الحزب مع مشعل التمو. 
السيدة رشكيلو لم تستسلم أمام العوائق والقيود التي تعاني منها المرأة في مجتمعنا وشقت لنفسها طريقاً، وتحركت من مبدأ التساوي بين الرجل والمرأة في السياسة، والرؤية الإنسانية والكرامة والواجبات، شقت طريقها كامرأة كوردية قوية تدخل الحياة السياسية بجرأة كما تناسب شخصيتها الفولاذية. 
بعد انضمامها إلى تيار المستقبل الكوردي في سوريا أصبحت عضوة مكتب العلاقات العامة في التيار وهي هيئة قيادية تقود تيار المستقبل وتابعت نشاطها ضمن قيادة التيار وأصبحت المرأة الأولى والجديدة من نوعها في 2006م. كانت بعد انخراطها في الحركة الوطنية الكوردية في سوريا تناضل بكل جسارة في كل المناطق الكوردية بمدنها وأريافها وشاركت في الاعتصامات في العاصمة دمشق دون كلل أو ملل وكانت جزءاً من الحراك الثوري في سوريا في حلب وقامشلو ضمن نشاطات التيار المستقبل، وتابعت نشاطها في مدينة كوباني بصعوبة جدا لمراقبة الأمن لتحركاتها.
قدرها قادها إلى مدينة قامشلو برفقة مشعل التمو لتكون شهيدة من نوع خاص شهيدة مختلطة من معدن الإخلاص والقوة لتثبت للعالم كله معنى للتضحية.
في السابع من شهر أكتوبر لتجمعهم الصدفة المؤلمة في اغتيال  أياد الغدر في منزل يتواجد فيه السيدة رشكيلو والشهيد مشعل التمو ومارسيل تمو ليصيبوا بطلقات الرصاص على أجسادهم الطاهرة، هنا كان الموقف الذي اتخذته السيدة رشكيلو لترمي بجسدها هدفا للرصاص وتحمي صديقها ومعلمها مشعل التمو لكن رصاصات الغدر كانت اقوى.
في هذه اللحظات والرصاص يزرع في أرواح هؤلاء الأبطال ويختلط دمائهم الطاهرة والوداع الأخير الذي قادهم إلى الموت. المأساة الحقيقة هي أن يحدث امامك قتل رفيق ومعلم في الدرب الذي سلكته وهي لا تستطيع إنقاذه إنه حدث مرعب ليؤدي هذا الإجرام إلى فقدان روح الشهيد مشعل وإغماء السيدة رشكيلو. تفاصيل مرعبة عاشها هؤلاء الأبطال،  لكن السيدة رشكيلو تأبى اليأس بعد فقدها لساقها لاختراق رصاص الغدر فخذها، وهي تحاول حماية الشهيد مشعل التمو بجسدها.
لقد لقبوها رفاقها في الحزب بالشهيدة الحية، رغم جروحها البليغة لم يتوقف الأمن السوري على مضايقتها وإتباع خطواتها لذلك اضطرت السيدة رشكيلو أن تغادر سوريا بمساعدة رفاقها في الحزب بدأت مسيرتها إلى أوروبا للعلاج والهروب من الأمن السوري انها هي المناضلة الصلبة التي عانت الكثير من الظلم والقهر والمأساة في حياتها السياسية من أجل قضية شعبها، تحية إجلال وتقدير للسيدة زاهدة رشكيلو المرأة الكوردية السورية التي نعتز بصلابتها.
رحلة الحياة هي العطاء وبدون العطاء لا تستطيع بناء التاريخ، السيدة رشكيلو كانت رمزا للعطاء وبنت سورا للتاريخ في حياة المرأة الكوردية السورية وأثبتت بأن الحرية أفضل من كسرة الخبز في الحياة، من المحتمل أن لا نستطيع التحكم في الظروف أحيانا ولكن نستطيع التحكم في أفكارنا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…