الشَّيطان مضطَّهَداً

 إبراهيم محمود
إلى هوشنك بروكا- وشفان شيخ علو
لا أدري إلى أي درجة يمكن للكرد أن يهتمّوا بشيطانهم الخاص، دون كل شياطين الأرض، إذا علِمنا، أنهم في نسبة عالية منهم، من وجهة نظر أعدائهم ” أخوة إيمانهم ” محسوبون على الشيطان، حتى لو تجنَّبوه وأنزلوا فيه ألف لعة ولعنة بمسابيحهم آناء الليل وأطراف النهار. هذا الشيطان الذي أصبح مقارنة بما يرتكبه نسبة عالية من ” أخوة الإيمان ” وباسم أنظمة غاية في الورع والتقى، مجرَّداً من كل حول وقوة.
أقولها، وقد قلتها مراراً، ومنذ سنوات طوال، على الأقل، منذ مطلع آب الفاجعة 2014، وكل ما يخص الإيزيدي يُنتهَك: أرضاً، سماء، عقيدة، عرْضاً، وكل ما يتردد باسمه، من قبل المتخرّجين من عباءات أنظمة المنطقة المتأسلمة. ليس من استثناء، وما أشبه اليوم بالأمس، ما أشبه الأمس بأول أمس، وما أشبه أول أمس بأول أول أمسه حتى اللحظة التي أعلِن فيها الملَك الأعظم ” ملَك الملائكة ” شيطاناً، لنكون في عهدة عنف مبرّر سماوياً، قتل مبرَّر سماوياً، وإنزال أقصى العقاب مبرر سماوياً.
ليس هناك تنظيم اسمه ” داعش “، ليس هناك تنظيم مواز له يحمل تعويذة إسلامية، وفي محمية هذه الدولة الإسلامية أو تلك، والشيطان هو الدريئة، والضحية الكبرى هو الشيطان، والشيطان في ذهول عما يرى، الشيطان المطرود من رحمة خالقه، ترضية لمن يكون في مقدوره إعلان حربه عليه، وهو أشد عدوانية منه.
وها هم أخوة الإيمان في بقاع من عفرين، وأمام سمع العالم وبصر العالم، يستعرضون ” إيمانهم ” المدمّر، وتقواهم المروعة والمهدّدة لأبرياء من بشر، لا صلة لهم بكل أصناف العنف ونزواته في أنفسهم. ينتقمون من الأحياء ” الإيزيديون أكثر طلباً عليهم من لدنهم ” حيث الثواب المعلَن عنه باسمهم، مضاعَف، ينتقمون من الموتى ” الإيزيديون في الواجهة، حيث عدد الحور العين في انتظار كل أخ إيمان هنا، مضاعف “، لا شجر يسلم، لا معزة تسلم، لا أرنبة تسلم، لا بلبل في قفصه يسلم، لا حجر يسلم، كل أثر يُسمي الإيزيدي هو المرصود قبل غيره، كل كردي إيزيدي، وإن رفض اعتباره إيزيدياً، ليقتل مرتين، يقتل، حين يتنكر لأصله الأول، وعدوه ” أخ إيمانه ” أعلم به منه، ويقتل باعتباره ” إيزيدياً “. كل مزار إيزيدي مرصود، كل عظمة إيزيدي صارت رميماً، مرصودة، ولو أنها نسيت من تكون منذ سنين طوال على وقْع الأهوال، كل ذرة تراب تهجت اسم إيزيدي في خانة المساءلة والمحاكمة، لأنها لم تسمّ الإيزيدي، لحساب ” أخ الإيمان “، وما يدخل في حسابه مالاً ودعماً داخلاً وخارجاً.
أمم تتفرج، دول تتابع عسف ” أخوة الإيمان ” شديدي الخصوصي، أنظمة تسبّح باسم خالق الكون الأوحد، وهي تحفّز أوليك لكي يقوموا بالمزيد من الموبقات ” المباركة “
منظمات حقوقية تملأ سجلاتها، بأسماء هؤلاء ” الأخوة ” الورعين، وعلى وجوههم دماء حار تسيل، وفي إيديهم دماء حارة ذاهلة عما يجري، وفي أعقاب مسدساتهم دماء داخلة في عويل المرئي والمسموع، تحدد عناوين كل المكلَّفين ليكونوا ” أخوة الإيمان ” وهم يبثون رعبهم، فنون نزواتهم المدمرة، إبداعات فجورهم في جهات الأرض، لا أكثر من ذلك. تلك هي مهمتهم الوحيدة. وماذا يطلب ضحايا ” أخوة الإيمان ” أكثر من هذا الاهتمام المركَّز، أكثر من تسجيل أسماء الضحايا، والأمكنة المستباحة ؟
وفي كل الجهات يستصرخ الشيطان المرعوب مما يجري، الشيطان الذي يستصرخ خالقه: عن أي مؤمنين بك، تتحدث، وهأنتذا ترى بالعين المجردة ما يستبيحونه ؟
عاش الكرد أهوال ” أخوة إيمانهم ” وتحملوهم باسم هذه الأخوة، ساندوا أخوة إيمانهم طويلاً، بزعم أنهم ربما يستعيدون رشدهم، سلَّموا رقابهم ورقاب صغارهم لهم، باسم الأخوة المباركة، علَّهم يستعيدوا سكينتهم، حبسوا أنفسهم، وهم يرون بأم أعينهم فظائع أخوة إيمانهم، في بني جلدتهم: أسلافهم الإيزيديين، تقديراً أنها ستكون النزوة الأخيرة، تلجلجت ألسنتهم وهم يتابعون تمادي أخوة إيمانهم، وهم يسعون إلى محو كل أثر للكردي، مبتدئين بالإيزيدي، وكما يجري الآن وسيجري، كما يبدو غداً وبعد غد.
ربما سيعلم الكرد الذين يسبّحون باسم الله إعلاماً لأخوتهم في الإيمان أنهم لا يخطئون في التجويد وفي السبحلة والعوذلة والبسملة، أنهم مستهدَفون منذ البداية، حين ينغرس رأس حربة ” أخوة الإيمان ” في بلعومه من الأسفل… إنما هيهات …

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…