دلدار بدرخان*
– نعتذر بدايةً في حال صعوبة الشرح ، وفي حال تكرار الفقرات لكن وجب التكرار أملاً في تثبيت الفكرة .
– الدراسة بين من يقول أن الإسلام هو سبب المشكلة ، ومن يقول أن الإسلام هو الحل ، ومن يقول أن اليسار أو الشيوعية هي المشكلة أو هي الحل ، والفكر القومي وحده هو المشكلة أو هو الحل !!
– يتخبط مثقفونا وما زالوا يمنة ويسرة ، وكلٌ يؤيد كلامه بأدلة من التاريخ أحياناً ، ومن قناعاته الشخصية أحياناً آخر ، و حتى من تجاربه ، لكن لا أحد يستطيع منهم ولا من غيرهم الوصول إلى الحقيقة ، لسبب بسيط ، هو أن تفكيرهم النمطي يدفعهم للإعتقاد أن هذه الصيغ هي تعويذات سحرية جاهزة ، كل ما عليك هو أن ترفعها وتنتظر نتائجها الكفيلة بذلتها بتوليد السياقات والأبعاد المجتمعية قاطبة ، سياسياً ، وثقافياً ، واجتماعياً ، واقتصادياً ، وجمالياً ، ونفسياً ، و أسس المجتمع برمته ، ويكفي مثلاً أن تخرج علينا متثاقفة تنتقد الإسلام بوصفه ديناً ذكورياً إقصائياً مجرماً عنصرياً ، أو دين عنفي مرده النصوص التخريبية القطعية فيه ، حتى يتبادر إلى ذهننا سؤال ، طيب هل هذه الصيغه العنفية الذكورية المجرمة عبارة عن كتلة أو طبخة جاهزة تتصف بالدوام والثبات والأبدية وذو طعم سيء حتماً وكريه ، ولا يمكن لها أبداً أن تتبدل بتبدل شروط وأنساق الحياة نفسها ؟
وهل الإسلام طبخة واحدة لديك مقاديره فقط حتى نحكم عليه ؟
هل صحيح أن الإسلام أو الشيوعية أو القومية بتنظيرات مروجيها هي فكر جاهزة أحادية حتمية مطلقة ما أن تعلنها حتى يبدأ المجتمع بإنتاج ظروفه سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً ، ويحدد أبعاد المجتمع ، أم أن كل من هذه المنظومات هي (نفسها هذه الظروف والأبعاد ) أي تعبير عن هذه الظروف وتجسيد لها ،
– المشكلة إذاً بالمنطق المتبع ، وهو منطق مازال يسود الفكر الإنساني إنه ببساطة منطق جوهر أرسطو العنصري ، ملخصه أن أرسطو وجد أن الإنسان قائم بذاته له جوهر إنساني ثابت من حيث هو إنسان وتتوارد عليه الصفات من حيث هو طويل أو قصير أو أسمر أو .. الخ
ولكن هل يمكن أن يوجد إنسان بالكون بمعزل عن صفاته التي تشكله ، أليست هذه الصفات هي نفسها هو ؟
ألم يبني أرسطو نتيجة هذا المنطق فكرة الجوهر مما أستتبع إعتباره بعض الجواهر البشرية من طبيعة شريفة حتماً و بشكل أبدي ومطلق ، والأخرى دنيئة قذرة بشكل أبدي ومطلق ، كيف لا وهو الذي أقر الرق ، واعتبر النساء مرتبة بين العبد والرجال ، وللعلم هذا أصل كل عنصرية وازدواجية معايير مبعثها هذا المنطق القميء ، بادعاء أن مجموعه من الناس لا على التعيين هم من عرق صافي أو من طائفه ناجية أو هم من حباهم الله برحمته والباقي لا شيء ، بدون أي برهان حدوث ، ولو سألت العم أرسطو ما رأيك بالعبودية
لقال عنها كل شيء جميل ، ولكن ما أن تسأله هل تقبل أن تصبح عبداً ؟ حتى يحمّر وجهه ويزبد ويحاول اللحاق بنا لضربنا ، إذاً لما تقبل شيء تعتبره جيداً على ناس ولا تقبله أنت على نفسك ؟
– أليس أصل العنصرية الحقيقي قائم على فكرة الجوهر القميء وهو إدعاء وجود فروقات بين البشر وهذا من طبيعة شريفة والآخر قميئة أو نجسة ، و بدون برهان ملزم بدليل أنه لا يقبله على ذاته ، أي مما يستتبع الوقوع بازدواجية معايير لا يقبلها إلا كل مجرم سافل ؟
– فلنسقط هذا المفهوم على الميدان المجتمع ونرى كيف أنه يصبح لدينا جوهر إسلامي وضمن الإسلام يصبح لدينا جواهر مختلفة أيضاً ، مثلاً سني أشرف من الإتجاهات الأخرى أو جوهر شيعي أشرف ، أو سلفي أشرف من غيره … الخ
وهم وحدهم طبعاً من يحتكرون الله والجنة والحوريات ومخالفيهم كفار ومرقة وعرصات يمرقون من الدين كما تمرق الرمية من السهم ، وبدون برهان فقط نصوص كلامية كل منهم يفسرها على مقاس عقله ،
– وبالنظر إلى السياسة تتضح الصورة أكثر لما بعض الحمقى العنصريين أتهموا شعباً بأكمله بأنهم بويجية أو لما البعض الآخر من الحمقى عمم عليهم صفة أنهم إرهابيين ، وهكذا دواليك ، لا باعتبارهم جميعاً أشكال .
– ما معنى الشكل ؟
نحن لا نعني به القشرة الخارجية طبعاً بل نعني به طريقة تشكل كل الكائنات تتفق أنها أشكال لكن تختلف كل كينونة في صيغ هذا التشكل وفقاً لظروفها وأبعادها ، فالخشب قابل لأن يكون كرسيا ، طاولة ، عصا ، نشارة، الخشب هو خشب لأن له شكل خشبي ، ما هو هذا الشكل الخشبي هل هو شكل خارجي أي إطار فقط ؟ أم أنه طريقة تشكل المادة فيزيائياً وكيميائياً وهندسياً في شكل/ صيغه/ طريقة/ معينة ؟
والكائن أيضاً أي كائن شكل يتشكل في طريقة معينة ولكن طريقة تشكل ماذا ؟ هو طريقة تشكل لأبعاد هذا الكائن
ولكن ما هي هذه الأبعاد ؟ إنها أبعاد محددة أبسطها الزمان والمكان وقد تكون أبعاد فيزيائية ، جمالية ، كيميائية ،
بيولوجية ، سياسية ، أقتصادية ، نفسية .. الخ
– هل يوجد كائن بالكون مستقل عن أبعاد وجوده ، وهل هي ثابتة أصلاً ؟؟ آلا تتجدد بفعل الزمن حيث تموت آلاف الخلايا وتولد آلاف الخلايا مثلاً خلال ثوان ،
– إذاً ما الحل ؟
الحل أن هذه المنظومات كلها يجب أن تعرف بعيداً عن كونها جوهر مادي أم معنوي بل باعتبارها طرائق تشكل لأبعادها ،
وأن أي كينونة فرداً أو دين أو فكرة أو فلسفة هي محصلة أبعاده التي تشكله ، وأنه لا يوجد جوهر إسلام مادي أو معنوي لأي كينونة ، ولا يوجد كائن أو منظومة ثابتة أبدية ذات طبيعه مادية أو معنوية لنقبض عليه ونقول هذا هو الحل هذا هو المسطرة ونقيس عليه ، ولا يوجد لا إسلام ولا كينونة قائمة بذاتها حديثاً كان أو قديماً بمعزل عن سياقاته وظروف تشكله ، بل يوجد طرائق تشكل منها ما يقترب من تحقيق إرادة الحياة ومنها ما يقترب من تحقيق إرادة القصور ، وباعتبار أنها باختصار طرائق تشكل للظروف التي تشكل أبعادها ، حكماً هذه السياقات متغيرة ،
– أليس الزمن يسري على الجميع ؟ ونعبر عنه بالمنطق بدلالة فرق الجهد المحرك والمتحرك ، هل هناك ظرف إجتماعي بقي على حاله ثابتاً معلقاً من ألف سنة( ولم نقول من سنة) ولم يتغير ، لا يوجد حتماً ، فالظروف تتجدد ، والأفكار تتجدد ،
ولا أحد يسبح في ماء النهر مرتين ، إذاً كفانا من محاكمة الأفكار والمنظومات باعتبارها أفكار مجردة دون سياقات ،
– ولكم في الفكر القومي الذي نشأ عندنا في العالم العربي أكبر مثال ، ألم يتشكل بصيغه إلغائية نافية ؟
نفس هذا الفكر أيضاً تشكل عند غيرنا في أوروبا تحديداً
كانت الظروف صحية بحيث أنتج الفكر القومي عندهم دول قانون ، وانحلت الرابطة القومية التقليدية واتجهت إلى تفعيل أجمل ما فيها (الوطنية أو المواطنة ) والتي لا تعرف إعترافاً لا بالدين ولا الإنتماء العرقي بل برابطة قانون حدها الأقصى في بعض الدول خمس سنوات وتصبح مواطناً تنتمي للدولة و تتمتع بالحقوق والواجبات وأحد رعاياها أيضاً /دون أن ننكر إتجاهات اليمين المتطرف في أوروبا ولها أسبابها /
إذاً القومية هنا تحمل نفس الفكرة مع أختلاف سياقاتها ، إحداها مريضة إلغائية تشكل بشكل إلغائي في عالمنا ، والأخرى تفعلت لصيغة قابلة للحياة وأكثر شمولاً ،
– إذاً حتى الإسلام هل ممكن بعد عصور من الإنحطاط الذي يعانيه الآن بصيغ تشكله الحالية أن يتشكل بصيغه قابلة للحياة ؟ نعم وقطعية ، لأنه لا يوجد إسلام أبدي أو واحد أو جوهراني لا يوجد مسطرة ، إسأل من يؤمن بالمسطرة لما
ثلث منظومة الإسلام نشأت بعد وفاة المؤسس ، من علوم قرآن وأصول فقه وأسناد الأحاديث ، وقياس أكيد لم يمليها محمد عليه السلام ، إذاً هذه الأشكال قابلة أن تتشكل أما بشكل داعشي تكفيري كما في داعش وغيرها ، أو بشكل قابل للحياة كما في التصوف وغيرها .
– هل يوجد لإنسان له ذرة ضمير أي مشكلة مع أبن عربي
إلا قوى الشخصنة التكفيرية الجوهرانية صاحبة إدعاء ذاتها من الجوهر الشريف و التي حصرت الله وصفاته وفهمه بحجج واهية ك /هل له يد أو وجه حقيقي أم مجازاً /وفهمها الصح و الباقي لا شيء أبداً .
– وليتضح أكثر لما يتشكل على هذه الطريقة أو تلك ، ببساطة لأن الأبعاد الثابته لأي كائن كان حشرة / مجتمع / إنسان / شجرة / دين هي ثمان ، هذه الأبعاد ليست مقدسة ولكن تساعدنا على الفهم ، وهي :
– مفاعيل عضوية ( زمن – أرض – سكان)
– مفاعيل تنظيمية عقلية ( علم – عمل
– مفاعيل إبداعية روحية ( عقيدة – إدارة – قيادة )
وضمن هذه الأبعاد هناك دائماً إتجاهين يتصارعان الأول قوى شخصنة تسعى للمحافظة على الوضع كما هو الحال عليه لأن لها مصالح ومناصب ومركز ، وتعيش مادياً ومعنوياً على بقاء الوضع منحطاً أي لها مصلحة ، مثالها كل مؤسسات إحتكار الله والدين في العالم برمته والعالم العربي أيضاً ، وقوى تفرد تسعى للإتحاد مع العالم برمته بافق إنساني متجاوزة العوائق المصطنعه ، ومتجاوزة مصالحها الذاتية أيضاً ، وحصيلة هذه القوى يتحدد منسوب أي مجتمع إما إلى الحضيض وإما إلى الأعلى ،
– إذاً ليست المشكلة في الإسلام بحد ذاته إذ يمكن أن يتشكل بطريق غير مؤذي ، كأن يكون تعبير عن حالة شعورية لا يجد في الهندوس ولا في البوذيين ولا اليهود ولا في غيرهم كفار ومرقة وزنادقة ، ولو قالت الآية / إنما المشركون أنجاساً /
فهؤلاء لا ينظرون إلى ظاهر النص بل إلى الباطن أيضاً ويفعلون الجميل فيه ، وكذلك يمكن أن يتشكل أيضاً بطريق مؤذي ، كما فعل من أبدع نواقض الإسلام العشر (بقراءته بالظاهر ) مع أنه كان بمقدوره أن يضع أساسيات الحياة العشر بالظاهر أيضاً ، لكنها المصالح أحياناً والسياسة وما يمليه السلطان .
– إذاً الدين فيه كل شيء ، فيه الجيد وفيه الذي إنتهى عصره وفيه المعطل للحياة ، فاختر أي تشكل لا بأس ما دام غير منتهك لبداهات موضوعية تشمل البشر جميعاً وهي :
الحياة ، والعدالة ، والحرية ، فلا أحد يرضى أن يمرض بيد الآخرين ولا يفنى ولا يجوع ، حتى المنتحر قد يكون يبحث عن واقع أفضل من حياته حينما يقتل نفسه راجياً أن تتحقق السعادة مثلاً في حياة أخرى ، لذا ننصح المشتغلين على الثقافة فلتتركوا محاكمة الأطر المجردة عن ظروفها ، ولتحكموا على نتائجها تبعاً لثاثوث البداهة المقدس ، وتبعاً ما إذا كانت هذه الأفكار تتحوى جوهر عنصري بغير برهان أو تساعد على تحقيق إرادة الحياة ، وهذا فهمنا .
* رئيس رابطة ” بيه كه س ” للدراسات في أوروبا
كتبت بتاريخ : ٢٣ – ٤ أبريل – ٢٠٢٠