ليلى قمر – ديريك
وسط الذهول العالمي ومع أعلى درجات الإستنفار يرافقها أكبر الإستعدادات لمواجهة وباء كورونا المتفشي منذ عدة شهور، وحجم المساعي التي تبذل للحفاظ على الحياة العاقلة ومنجزاتها المتحققة، لابل والتقدم بها أكثر، هذه الجوانب التي لم تهملها البشرية عبر تاريخها، بل احتاطت لها عبر عمليات مراقبة ومتابعة دقيقة تراقب كوكبها والفضاء في كل الإتجاهات وخصصت مراصد ومواقع مراقبة في الجو والمحيطات وغيرها، ودرست العديد من المخاطر والأوبئة السابقة، ووفرت آليات رصد وتتبع المخاطر المفاجئة التي ان وقعت فستسبب كوارث عظمى مثل التي تعرضت لها الكرة الارضية سابقا سواءا من الفضاء او من اعماق الارض أو فوق سطحها كما ظاهرة التسونامي،
وكلنا نعلم كيف أن البشرية ركزت دائما في صراعها الطويل سواءا مع الأوبئة الفتاكة – الطاعون مثلا – أو في حالات الدمار، حيث تفاعلت معها وكان العقل دائما هو الخيار الأصح اثناء الكارثة ومقاومتها او اعادة التنظيم بعدها، وفي واقعنا الراهن والكرة الارضية بشعوبها تعيش حالة غريبة بسبب فايروس كورونا الذي فرض سطوته بكل جبروت، فلم يترك أعتى القواعد العسكرية ولا السفن الحربية وحتى كبار شخصيات الدول، لابل فرض نمطا اجتماعيا عجزت بتطبيقها أعتى النظم الديكتاتورية باحكامها العرفية واجهزتها القمعية إن من الحجز المنزلي مرورا الى سياسة التباعد الإجتماعي، إضافة الى ان كورونا كشف هشاشات كثيرة لدول كانت تبدو متكاملة في كل شيء، ووجدت تصدعات في قضايا عديدة بدءا من أسواق المال مرورا بالأنظمة الصحية وقوانين العمل وحالات الإفلاس التي ستبدأ بالانكشاف، وطبيعي ان ضحاياها سيكونون من البسطاء والفقراء وذوي الدخل المحدود مع تزايد كبير في عدد العاطلين عن العمل، كل هذا في الدول المتقدمة، فما بالنا إذن بالدول المتوسطة او الفقيرة والتي هي في الأساس معرضة لأمراض وآفات ومجاعات متتالية ؟ ناهيك عما تعانيه بعض من هذه الدول من صراعات مسلحة والتي تسببت بتشريد الملايين من المدنيين غالبيتهم من الأطفال والنساء وكبار السن، هذه البيئات المرشحة ان تبتدئ فيها الكورونا من ذروة الذروة ان لم يقم المجتمع الإنساني بدوره المتوقع وبأعلى سوياتها . في زمن كورونا القصير جدا ولكنه كان كافيا ليكشف عورات كثيرة وهشاشات كان العالم يظنها قلاع حصينة لا تؤثر فيها اعتى الاسلحة، زمن أعاد الى الذهنية البشرية حالات الإنكفاء البشري وتم إحياء نظريات واعتقادات كان يظن بأن البشرية قد تجاوزتها مثل التباعد الإجتماعي والإنكفاء البيني وفي مناطق عديدة اخذ الناس يطوقون قراهم ومناطق تجمعهم للحماية من سطوة الفتك الفظيعة وسلسلة الموت العبثي الذي يباغت البشر وزاد في الآلام وفي واقع كمجتمعاتنا حالات التشتت العائلي في بقاع العالم المختلفة . إن الهاجس المتضخم عند اي فرد في مجتمعاتنا والذي يرافقه قلق شديد من العدوى إن كناقل او منقول وهذا التركيز والاستنفار العالميين ولا مبالاة بعضهم بكل ما يبث من نصائح وارشادات، والأهم من كل ذلك تضعضع الوضع المعيشي وقلة ابسط مستلزمات البقاء على قيد الحياة وانعدام الواردات وشحها اساسا كانسجام مع تعليمات الوقاية وتوقف شبه التام لسوق العمالة كلها تراكمات ستؤدي مع الأيام الى كوارث حقيقية، أضف عليها وقف التعليم المدرسي المباشر وأغلب المصالح التي لن تفيدها أو تعوضها لا ادوات التعليم الإفتراضي ولا العمل عن بعد خاصة في واقع مثل واقعنا حيث الكهرباء بالقطارة ومثلها الأنترنيت، ناهيك عن الواقع الأسري الذي كان يفترض به ان يتعزز بعد موجة الانكفاء الذاتي قبل كورونا حيث كل واحد يجلس وعيناه على شاشة جهازه والذي لم يتغير في أيام الحظر سوى حالة القلق ومعها التوتر العصبي الذي يثير مشاحنات عديدة وغريبة ايضا . إن المجتمع البشري عامة والمجتمعات الاصغر وصولا الى العائلة بأفرادها جميعا هم على محك التجربة وبات الفرد يتحمل مسؤوليته الفردية وعليها يبني الحماية الأسرية والمجتمعية، وكل صغيرة باتت من الأهم وكل مهم قد يتسبب بكارثة وهذا الفايروس الذي تحكم بكل مفاصل المجتمع البشري وجرده من أغلب قدراته ينتظره في المستقبل وبعد القضاء على الفايروس مهام قد تطول سنينا طويلة للعودة بالمجتمع البشري الى سنين ما قبل الوباء ناهيك عن أرواح تجاوزت عشرات الألوف والتي لايمكن ان يعوض او نسيان الالم والفراغ الذي خلفوه ..
فمع زمن الكورونا عادت البشرية الى ذات مفاهيم الصراع من أجل البقاء، ولكنها فتحت ايضا آفاقا لمظاهر كانت قد أصبحت مدانة في العرف والقانون الدوليين وكمثال ماقامت به عدة دول باحتجاز شحنات مواد عائدة لدول أخرى عبر أجوائها ..