عن الـ: بيان الصادر عن آل بونجق حول الموسوم بـ«المرتزق شاكر بونجق»

إبراهيم محمود
” إلى الصديق فرمان بونجق، في محنته: محنتنا “
هناك من يطلق العنان لخياله، حول واقعة ما، بفبركتها، أو توليفها، والمصادقة عليها، ومن ثم الإعلاء من رصيدها، ونشْرها هنا وهناك، انطلاقاً من وازع شخصي، أو فئوي، أو تحزبي، أو إيديولوجي، ومن ثم بناء أكثر من مادة إعلامية تحقنها بالمزيد مما هو كيدي، أو استهجاني، بخصوص شخص معين، ولا يكون المستهدَف هو نفسه أحياناً، وإنما من ينتمي إليهم: عائلة، آلاً، جماعة، لنجد تاريخاً ” عريقاً ” من هذه ” الفبركات ” الكردية الصنع، وليس المقروء بخصوص ” شاكر بونجق ” المنشور في موقع ” ولاتي مه، الثلاثاء، 7-4/ 2020وكما ورد في ” بيان صادر عن آل بونجق حول الموسوم بـ” المرتزق شاكر بونجق ” بالأخير، وما كان الأول، ولن يكون الأخير، من خلال ما يمكن حصوله، وأكثر بكثير منه، ما يُدفَع به تخويناً من فابيركا الذهنية التخوينية كوردياً، وحصادها الثقافي المسوَّس.
اطَّلعتُ على هذا البيان قبل نشره، وعلِمتُ بأمره من أصدقاء هنا وهناك، والأهم من الصديق فرمان بونجق المنكوب، المقيم في إقليم كردستان العراق ” في هولير ” بصفة لاجىء، كغيره من مئات الألوف من لاجئي كرد روجآفا، هنا في ربوع الإقليم، وأنا من بينهم، ومنذ قرابة عقد من الزمان، وكان هناك متابعة لهذا المستجد، ليس بوصفه خبراً إعلامياً، وما أكثر الأخبار الإعلامية التي يجري تلفيقها وتصديقها وتمريقها، تجاوباً مع سياسة معتقدية، ولتأكيد مصداقية جهة تحزبية أو عقائدية تتنشط وتزكّي ” هويتها ” الإيديولوجية كثيراً عبر تسويق ” أخبار ” كهذه. إنه خبر، أطلِق له ” العنان ” بدوره، ليشهد على ” جُرِم ” ساري المفعول في أوساطنا.
بغضّ النظر عما جرى ويجري، وما سيجري على خلفية خبر ” كهذا، والذي تنشطت مواقع ” كردية ” للأسف باسمه، وهي تزيد في بهارات الواقعة، لتغذية أذهان من يقيمون في ثكنات عسكرية ودعوية وتخديرية، لا تدخّر جهوداً في اختلاق أو تسويق أو ابتداع حالات كهذه، أولاً، وكما ذكرت، تعبيراً عن الأرضية التخوينية والعدائية لذهنية القائمين على إدارة شئونها، أنّى كانوا،ومهما كانت نوعية حضورهم ومواقعهم، ومن يكتب باسمهم، وللإيقاع بمن يحاولون النَّيل منه: أهلاً، ومعارف ومعنيين بذلك. وثانياً، لممارسة استغلال، أظنه في الدرجة الأولى، من حيث تهافت الأخلاق، ورخْص المكانة، خصوصاً في مثل هذا التوقيت، حيث جائحة كورونا تهدد عالماً كاملاً، والكرد في الواجهة، استناداً إلى وضعهم الاجتماعي، السياسي، والاقتصادي، والذي يحتّم عليهم، إن روعي البعد الأخلاقي الإنساني، مواساة، وتضامناً مع بعضهم بعضاً ” من جهة الجميع “، لنكون على وقْع نشر خبر كهذا، وفي أكثر من موقع ” إخباري ” وفيسبوكي شخصي، كردي، في حاضنة فيروس أكثر كورونية في مضماره الأخلاقي، كما أسلفت، وبلبلة الوضع أكثر على طريقة ” اللي فينا مكفّينا ” ووفق المثل الكردي الدارج :
Zadê  me ne tu zad bû teyrokê  jî lê kir
ويظهر أن ” تَيْروكا : بَرَد ” الكرد في تاريخهم المديد، وفي مناخ علاقاته المقروءة والمسموعة، غير ” تيروكا ” غيرهم. يظهر أنهم في نطاق هذه الذهنية التخوينية التي لا أريد هنا جعلها موضوعاً محورياً لي، وكلّي توجع وتأسف وتألم، ليس إزاء ما قرأت وسمعت، أو من باب التضامن مع آل بونجق، والصديق فرمان بونجق الذي أعرفه من منذ سنين طوال، كردياً مأهولاً بهموم الكردية أنّى كان مسلكها، وكما أتابعه هنا في الإقليم من خلال نشاطه الثقافي والحقوقي والاجتماعي عائلياً هذه المرة، أعرفه مفجوعاً كغيره من الكثير من كردنا المثقَلين بأوجاع الكردية بابنه ” أحمد ” الذي أُجهِز عليه في وضح النهار غيلة، وبأيد كردية ” قامشلاوية ” المكان والزمان، لتكون واقعة الاغتيال دافعاً لخروج عائلته من روجآفا، وليس لأن فلتاناً أمنياً حصل، وكموقف كلّي من النظام نفسه، كما الحال مع كثيرين، وأنا من بينهم، وما في ذلك من مواجع كردية- كردية، وهي قائمة حتى ساعة كتابة هذه الكلمة، وليس الذي أثير حول ” شاكر بونجق ” بالواقعة الأخيرة، كما أشرتُ.
وهذا يزيد في مِحَن الكاتب الكردي، وهو في ساحة وغاه الثقافية الكردية، في مكاشفة ذهنية كهذه، أعني: مضاعفة معاناته، في دوامة المستجدات ومخاطرها، واستفحالها أيضاً .
لهذا، فإن ما أفصحت عنه وأشدّد عليه، هو أبعد، أوسع، وأعمق من كل ذلك، سوى أن الجاري، وفي مثل هذا النهار الكردي ” الحالك ” بأكثر من معنى، يشير إلى أن هؤلاء الذين ينتشون بكرديتهم: سياسيين، وكتّاباً ثكناتيين، ومرتزقين طبعاً، وهم يصفونها بالكردية الحقة” وكل الفِرَق ” الأخرى ” ضالة مضلة “: أشخاصاً أو جماعات، أو تيارات حزبية وغيرها، وما في ذلك من مانشيتات تصفوية أو مجيّشة لوعي الألوف المؤلفة للكرد الغلابة هنا وهناك، لازالوا يعيشون في زمان ليس هو الزمان المطلوب، ليكونوا من أهله، ولا المكان الأسلم والأحق بالتسمية من غيرها، ليكونوا مستحقي الإقامة في رحابه، لتكون الكردية ” ببلاش “.
هأنذا لم أسمّ أحداً باسمه، لا تقية، وإنما من موقع الحرص على ما يحصّنا من هذتا الفيروس المنفّر، وإذا كان هناك من يرى أو يقدّر أنه هو المقصود: شخصاً، طرفاً، جماعة، حزباً، تياراً….الخ، فلا أقول هذا شأنه وكفى، وإنما ربما ” لأن فيه شوكه توخزه “، غاية المراد المعرفي، تعنينيا جماعة، إنما تشير إلى مدى غباء أو استغباء من وراء تسويق واقعة ” ؟! ” كهذه، واستعداء ماض طويل، ومجتمع أكبر بكثير من المناخ السديمي لزابوق هؤلاء المسخَّرين – المسخّرين لأمور كهذه. وهو غباء تاريخي، ويضاف إلى أرشيف موبوء، له عراقة، واستغباء عقلي، يضاف بدوره إلى سجل أخلاقي متهافت من جنسه بالمقابل .
لأنوّه إلى ما يهم هؤلاء الذين اعتقدوا أو يعتقدون أنهم يعثرون بفعلتهم على ” الجزّة الذهبية ” الشهيرة، وهو أن ليس هناك ما هو أكثر حضوراً من ظاهرة التخوينات الكردية، الموجهة والتبادلية، أقولها بالفم الملآن: لغالبية أحزابنا الكردية ” القدح المعلّى ” في ذلك، وهي عرّابة كبرى في هذا الشأن، ولهذا تتهافت وتتشرذم، وتتشظى، وتتلظى، وما هو أبعد من ظاهرة تاريخية، اجتماعية، وسياسية وتربوية، وهي ظاهرة الخيانات الكردية عينها، وهي التي تسهّل كما تفعّل، كما تزكّي مرور وتمرير وأو إدخال دب ” العدو ” إلى ” كرمهم ” الكردي، تذكيراً بقولة شاعر:
لم يدخل العدو من حدودنا    قد دخل العدو من عيوبنا 
ولكم درِست هذه الظاهرة على أعلى المستويات: الجماعية، والأكاديمية،والبحثية الخاصة، ورغم ذلك، يظهر أن ليس من أمل واعد بالتخلص من غواية هذه الذهنية التخوينية ، أهي ” فالج لا تعالج ” ؟
حسنٌ! ماذا سيقال، وبالنسبة لكل ما نشِر عن ” شاكر بونجق ” وها هي عائلته تصدر بيانها الصريح الفصيح، بما يترتب على واقعة كهذه، فيما لو تأكد لها ولغيرها ذلك، بالتبرؤ منه كلياً، لا بل وجواز محاسبته وإنزال أقسى العقاب فيه، لا بل وتعظيم عمل كل الذين يتنشطون من أجل ما هو إنساني، وأخلاقي، وهم يسفكون دماءهم من أجله؟ ماذا هناك أدق وأوضح مما قيل وثبتت دقته هنا؟ ذلك يحيل الذين ساقوا واقعة كهذه، مهما كان مستواهم الوظيفي، أو الإداري، أو الثقافي، إلى واجهة المساءلة المباشرة عما هو رخيص في متونهم الأخلاقية، ومن يرفدونها بما هو متداع أخلاقياً، ويلغّمون ماضياً وحاضراً، تستراً على عته وجداني، وتهافت وجداني، ونخر وجداني، وإفلاس تاريخي محسوس، وبالمقابل، يعرّي كل دعوى بما هو كردستاني، أو اعتباري كردي، وصوْن أخلاقي، وما يصل بالكردية من صِلة .
ذلك، يحتّم على كل ذي نفَس أخلاقي، وليس من موقعه ككردي هنا، نزع اللثام عن قبح الوجوه التي تزيد في وباء كورونا وبائيةً، وتقود من يتأثرون بواقعة موجَّهة كذلك، نحو ما يزيد في إدخال المزيد من ” الأعداء ” بيننا، وتعريض المزيد من كردنا للمزيد من البلبلة، والنظر إلى البيت الكردي، وهو خرِب، ومسكون بالحياة الشديدة السمّية، ولا عاش اللئام أنّى كانوا !

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…