كورونا.. وماذا تحت القشور التي نرى؟

د. ولات ح محمد
    “يمكن لكارثة بايولوجية مأساوية أن تشكل تهديداً للناس والحيوانات والنباتات والبيئة والصحة والاقتصاد والأمن القومي للولايات المتحدة … ولا بد من رد فعل سريع وفعال لتقليل الخسائر في الأرواح والتداعيات السيئة له”. هذا ليس مقالاً تحليلياً مكتوباً قبل أيام أو أسابيع، بل هو جزء من تقرير قدمته وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) للبيت الأبيض قبل ثلاثة أعوام من ظهور كورونا. يتكون التقرير من 103 صفحات ويتحدث عن احتمالية انتشار وباء مشابه لكوفيد 19 محذرة من تدعياته الكبيرة. يقول التقرير الذي حصلت مجلة “نيش” على نسخة منه إن الوباء المحتمل هو “مرض مرتبط بالجهاز التنفسي، وبالأخص وباء إنفلونزة جديد”.
     التقرير الذي تم تقديمه في 6/1/2017 يقول “إن انتشار الفيروس في مجتمع صغير يمكن أن يتحول بسرعة إلى أزمة صحية تطال العديد من الدول ويصيب الملايين، ناهيك عن المشاكل التي يتسبب بحدوثها لكل جوانب الحياة، وقد يكون الانتقال السريع للفيروس وشدته إحدى خصائص الفيروس، ومن الوارد جداً أن يؤثر على التأمين الصحي”. ويضيف تقرير البنتاغون أن الوباء سيكون له عواقب وخيمة على الأمن القومي الأمريكي، ومنها التداعيات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية العصيبة على المستوى المحلي والدولي”.
    اللافت في التقرير أيضاً أنه يحذر من أنه في حال تفشي الفيروس فإن نقصاً كبيراً في المستلزمات الطبية سوف يحدث وأن تنافساً بين الدول سيبرز للحصول عليها وإن “الدول الصناعية الكبرى ستواجه أيضاً شحاً في الأسرّة وبقية المستلزمات ومنها أجهزة التنفس الاصطناعي”. إذاً، يتحدث التقرير قبل ثلاث سنوات عما يحدث اليوم.
    أما الخبر الثاني فيقول إن عالم الفيزياء والكونيات البريطاني مارتن ريس أعلن منذ 17 عاماً في كتاب بعنوان “ساعتنا الأخيرة”  نشره عام 2003 أن ” 2020 سيكون عام الخطأ البيولوجي الذي سيقتل مليون شخص”. وقال آنذاك “إن التوقعات بحدوث كارثة تدمر العالم ارتفعت من 20% قبل قرن إلى 50% الآن (أي قبل 17 عاماً)، والعلم يتقدم بدرجة لا يمكن التنبؤ بها، وفي نطاق أخطر من أي وقت مضى”. ورأى ” أن أهم الأخطار التي تهدد البشرية، هي إرهاب نووي وفيروسات مميتة معدلة وراثياً وانفلات أجهزة من صنع الإنسان وهندسة وراثية تغير طبيعة البشر” وأضاف أن “كل هذا يتم بتدبير من أشرار أو نتيجة خطأ بشري. غير أن العام 2020 سيكون عام الخطأ البيولوجي الذي يتسبب في مقتل مليون شخص”.
    العالم البريطاني الذي شغل منصب رئيس الجمعية الملكية في بريطانيا لخمس سنوات عاد عام 2017 (أي بالتزامن مع تقرير البنتاغون) وأكد على توقعاته أو تحذيراته قائلاً: “أتمنى أن أكون مخطئاً، لكن التقنية البيولوجية تتطور بسرعة” محذراً بشدة “من وباء مثل سارس، فخطأ ما إذا حدث في منطقة معينة قد تؤدي إلى كارثة”.
يتحدث ريس عن الجانب العلمي الأخلاقي للمسألة ويقول “في ما يتعلق بتخليق الفيروسات والبكتيريا القاتلة، فإنها ستكون متاحة بين كثير من الناس وربما يكونون من الفاسدين، فيستخدمونها في غير أوجهها الصحيحة. لذلك لاحظ الغرب وفي مقدمته أمريكا أن شخصاً واحداً يمكن أن يسبب كارثة عالمية”.
    إن الكلام في النموذجين السابقين متقاطع بشكل كبير ويثير في ذهن القارئ والمتابع والجمهور الذي يعاني كثيراً هذه الأيام مجموعة من الأسئلة التي تثير الشك حيال تقاعس الدول العظمى عن اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من انتشار الفيروس الذي حذر منه العلماء قبل سنوات ووقوفها عاجزة مستسلمة. ومن هذه الأسئلة:
ـ إذا كانت الإدارة الأمريكية في زمن ترامب تحديداً قد تلقت مثل هذا التحذير قبل ثلاث سنوات فلماذا تعاملت بكل تلك البلادة واللامبالاة مع الكارثة في بداياتها، بل ادعت أن المسألة شائعات وتهويل، مما جعلها فيما بعد الدولة التي سجلت وحدها ربع عدد المصابين على مستوى العالم كله.
ـ لماذا لم تتحضر أمريكا قبل ثلاثة أعوام (بناء على تحذير البنتاغون آنذاك) أو على الأقل منذ بداية انتشار كورونا في الصين بإنتاج أعداد كافية من المستلزمات الطبية بما لديها من آلة تصنيعية ضخمة، وأدخلت نفسها في أزمة لدرجة جعلتها تستورد تلك الأجهزة من منافستها الصين حيناً ومن الاستيلاء على شحنة ألمانية من تلك المستلزمات حيناً آخر.
ـ هل تجاهُل الرؤساء والحكومات لتقارير العلماء والخبراء والمحللين (على كل الأصعدة) دليل صارخ على أن الإنسان وما يتعلق بمصيره وحياته يأتي في الدرجات الدنيا من سلم أولويات السياسيين الكبار منهم والصغار، كلٌ حسب مقامه ودوره؟. 
ـ إذا كان العالِم البريطاني على المستوى الشخصي قد توقع مثل هذا الأمر قبل نحو عقدين من الزمن، فكيف نفهم أن الدول الصناعية الكبرى لم تكن تعرف ذلك، وهي التي لحكوماتها فِرق عمل من علماء كبار متخصصين وباحثين في هكذا مجالات ومراكز أبحاث تقدم تحليلاتها وتوقعاتها وتحذيراتها بصفة دورية لتلك الحكومات. 
ـ ما دامت مثل هذه الأبحاث والتقارير تقدم لتلك الحكومات لماذا تصرفت، إذاً، الدول الكبرى في مواجهة الفيروس وكأنها مثل أي إنسان عادي مصدومة ومتفاجئة بالأمر، ولا تدري ماذا تفعل وكيف تواجه الكارثة؟؟!!
    إن مثل هذه التحذيرات الصادرة قبل سنوات وعدم اتخاذ الدول أية إجراءات احتياطية تحسباً لهكذا كارثة ، بل عدم تحركها العاجل وفي وقت مبكر قبل ثلاثة شهور لمنع انتشار الفيروس أو توفير المستلزمات الطبية تضع الدول والحكومات أمام إشارات استفهام كبرى، ومنها: 
ـ هل هذا يشير إلى أن الفيروس المستجد قد يكون من صنع طرف “فاسد” حسب تعبير العالم البريطاني؟؟؟!!!. 
ـ وهل هذا يفسر تبادل التهم التي لم يتوقف بين أمريكا والصين منذ اليوم الأول ومحاولة كل منهما شيطنة الآخر بهذا الخصوص، بدلاً من اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من الكارثة؟ 
ـ وهل التقاعس مدروس من قبل بعض الأطراف التي أرادت وتريد أن يموت حقاً عدد كبير من الناس، وأن تصاب اقتصاداتها بخسائر كبرى وأن يهتز العالم على كل الأصعدة حتى تبني على كل ذلك الانهيار شيئاً ما وتنتقل إلى الخطوة التالية؟ وما هي تلك الخطوة؟؟!! … وماذا يخبئون لنا تحت القشور التي لا نرى سواها؟!. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…