في استحالة قيام دولة كردستان راهناً ..!

اكرم حسين
ادت الخلافات في قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا حول شعار تحرير وتوحيد كردستان ابان السجن الى انقسام حاد و بروز تناقضات وتوترات عميقة حتى بعد خروجهم، فقد اصر سكرتير الحزب عثمان صبري التمسك بالشعار والدفاع عنه اثناء المحاكمات في حين اقترح رئيس الحزب نورالدين ظاظا عدم التمسك به  وانتهاج سياسة براغماتية في المحاكمات كي لا تسن بحق المعتقلين عقوبات قاسية  قد تستمر لسنوات، وانعكست هذه الخلافات على قيادة الحزب في الخارج حيث ادت الى نشوء ازمة عميقة حول مسألة الهوية استمرت حتى وقتنا الحاضر ودفعت الى بروز اتجاهين متناقضين في نظرتهم الى وجود الشعب الكردي وحقوقه، لكن بقي الاحساس بالوحدة القومية و حلم الانفصال عن الدول المسيطرة على اجزاء كردستان يراود مخيلة الشعب الكردي واذهانه وعجت بها ادبياته وبياناته، وكتبت مئات الكتب والاشعار والقصائد في مواجهة اجراءات الدول المسيطرة التمييزية والعنصرية والمحاولات الجدية التي جرت من اجل صهر الوجود الكردي في كيان هذه الدول ، والتنكر لحقوقه القومية والديمقراطية .
خلال مسيرتهم قام الكرد بالعديد من الثورات والانتفاضات كثورة الشيخ سعيد واحسان نوري باشا واكري والبارزانيين وانتفاضة قامشلو وغيرها من الثورات والانتفاضات ، وتعرضوا  للعديد من المجازر والمأسي، ومارسوا كافة اشكال العمل السياسي السلمي والديمقراطي وعلق العديد من قاداتهم على اعواد المشانق كالشيخ عبد السلام بارزاني والشيخ سعيد وقاضي محمد ..الخ.
بالعودة الى تجربة حزب العمال الكردستاني في تركيا والى واقع اقليم كردستان وردود الفعل المحلية والاقليمية والدولية على الاستفتاء ، وموقف تركيا وسوريا وايران من تجربة الحكم التي يخوضها حزب الاتحاد الديمقراطي استنادا الى نظرية الامة الديمقراطية في كردستان سوريا وغياب المواقف الدولية المساندة ، وبعيدا عن المزايدات والشعارات الشعبوية والتعبوية، وانطلاقا من العقلانية في الطرح ومعاينة الوقائع العنيدة وموازيين القوى الاقليمية والدولية فان شعار الانفصال واقامة دولة كردستان الذي يراود اذهاننا وقلوبنا – نحن الكرد- في الدول المسيطرة على اجزاء كردستان فيه شيء من الفانتازيا السياسية وبعض الاستحالة فمن السهل استخدام الاقلام الملونة ورسم خرائط كردستان – رغم انه حق مشروع اقرته كافة العهود والمواثيق الدولية- لكنه عمليا – حسب المعطيات القائمة- لن تتخلى هذه الدول عن اجزاء كردستان الملحقة بها  – في ظل غياب المصالح الدولية –  بسبب موقع كردستان الجيوسياسي ولأهمية هذه الاجزاء بالنسبة لاقتصاديات الدول المسيطرة – الماء والنفط والزراعة واللحوم والثروات الباطنية الاخرى.. اضف الى ذلك العمالة …الخ. ان الخوف من فقدان السيطرة واقامة دولة كردية فعالة ومؤثرة هو الهاجس الذي يدفع هذه الدول الى التمسك بكردستان والحفاظ عليها في اطار جغرافياتها وعدم التنازل عنها باي شكل من الاشكال .  
من هنا يصبح النضال من اجل الاعتراف بالقضية الكردية وحلها في اطار الدول التي تسيطر على اجزاء كردستان هو الطريق الواقعي لحصول الشعب الكردي على حقوقه عبر اشكال من الحكم الذاتي او الفدرالي او الكونفدرالي وادارة شؤونه والانخراط في النضالات التي تجري داخل هذه الدول من اجل بناء دول ديمقراطية تعددية، دول مواطنة متساوية تقر وتعترف بحقوق افرادها ومكوناتها وتشاركهم في ادارة حكوماتها ورسم سياساتها في اطار هوياتها الوطنية المشتركة رغم ان الكرد يواجهون مشكلة حقيقية تكمن في عدم الاعتراف بهم وبثقافتهم ولغتهم .
الشفافية والموضوعية والانطلاق من الوقائع والممكنات وعدم رفع شعارات غير قابلة للتحقق والابتعاد عن اليوتوبيا والعمل بين الجماهير والدفاع عن لقمة عيشها وحقوقها يجب ان تكون الاولوية في أي عمل سياسي كردي وهو ما يتطلب مراجعة جذرية لكل برامج الاحزاب الكردية وسياساتها اليومية والاستراتيجية.
3-4-2020

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…