قهرمان مرعي
عندما يغيب الروح عن جسد الإنسان ، يحدث الخلل الوظيفي للعقل والقلب ، صحيح أن العقل هو الذي يقوم بعملية البناء والتفكيك ومن ثم إعادة البناء في جدلية لا تنتهي من التجريد و إن الحواس والمدارك لغالبية البشر لا تتجاوز الظواهر ، فقد اختص الله سبحانه وتعالى من عباده العلماء بخاصية الارتقاء بالأسباب للاقتراب من نواميس الكون ومن أسرار الحياة ، وأن دور القلب الذي يفكر بدل العقل لا بد له أن يستقر حتى تستقيم الحياة السويَّة بالسير بالنفس البشرية في نزوعها ومسعاها الحثيث لإعادة الروح .
لم يزل الجدل مستمراً بين أصحاب النظريات الوضعية ، الذين ينظرون إلى الحياة من خلال الواقع المادي المحسوس ويبنون تصوراتهم وآرائهم في السياسة والاجتماع والاقتصاد بأنها الحقيقة المطلقة القائمة على التطور والارتقاء ، فالتفكير العلمي المجرد بإمكانه تطويع الطبيعة وفق احتياجات الجماعات البشرية في ظل صراع حاد بين أصحاب النظريات ذاتها بأن المادة الجامدة أو العضوية هي في متناول يد الإنسان وأن تفكيكها أو إعادة بناء جزيئاتها ، سواء إيجاباً أو سلباً كفيل بالانتصار على الآخر في ظل تنافس لا ينتهي وفق نظرية البقاء للأقوى .
هذا الصراع المحموم حول تطوير الأسلحة الفتاكة والمدمرة للطبيعة وللإنسان دليل لا يقبل الشك بأن نظرية البقاء للأقوى بقيت عاجزة عن توفير أجهزت التنفس الاصطناعية ومواد التعقيم وألبسة العزل الصحي في مواجهة وباء (كورونا) ، ناهيك عن تدني الثقافة الصحية والبُنى التحتية في كل ما يتعلق بصحة الإنسان ووقايته من الكوارث والأوبئة . سواء كان العالم الحُر المتمثل بأمريكا وأوروبا أو العالم المُغلق المتمثل بالصين وروسيا ، اللذان لم يعيرا أي اهتمام بالجنس البشري خارج جغرافيتهما ، حيث بات صراع الأقطاب خلال قرن كامل تحصد أرواح الملايين ولم يكن صدفة عندما استخدم الروس أسلحتهم التجريبية القذرة على أجساد السوريين منذ صيف 2015 منعاً لسقوط نظام مجرم مأجور ولا الأمريكان في بيع تكنولوجيا أسلحتهم المتطورة لبؤر التوتر والحروب التي مهدَّوا لحدوثها ، بعد ثورات الشعوب في الشرق الأوسط منذ بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة ، ولم تكن الدول الإقليمية بمعزل عن تلك السياسات الدولية وهي ترصد ميزانيات بلدانها المالية البائسة ، لحشد وأعداد الجيوش للصراع القومي والطائفي بدل من حل قضايا شعوبها الداخلية كتركيا وإيران والهند أو حكم العسكر والانقلابات كمصر والجزائر والسودان ، نحن أمام مشهد مشوب بالسخرية ، بأن جميع نظريات القوة أصابتها الهلع ، فتهاوت أمام واقع صادم لأصغر مخلوق من صنع ( الله ).
المجتمعات في الغرب أصابتها التخمة ، فيما ازدادت معدلات الأعمار نتيجة الضمان الصحي والاجتماعي ، بسبب فائض الناتج المالي المحلي ، فغدت تستهلك ما يفيض عن الإشباع وعن حاجة سكان الأرض من الغذاء والاحتياجات النفسية ، بينما المجتمعات الأخرى المحكومة بالاستبداد والدكتاتورية والجهل والتخلف ، ظلت تفتقر إلى الحاجات الأساسية الضرورية للحياة الحرة الكريمة ، فالعالم أصبح يعيش في ظل تناقض صارخ ، بسبب الهيمنة الطويلة الأمد على مقدرات الشعوب سواء بشكل مباشر من الشركات الرأسمالية الكبرى أو بشكل غير مباشر عن طريق الوكلاء ، الحكام المستبدين على الأوطان والإنسان وفق إحداثيات هرم ( خوفو ) للطغيان . حيث ظل الصراع على السلطة يدور في حلقاته المفرغة في معظم البلدان التي تركتها الاستعمار التقليدي بعد الحرب العالمية الثانية ، بدل التنمية وتبادل السلطة وانتقالها السلمي وسيادة القانون والاحتكام للقضاء والالتزام لمعايير العدل والإنصاف ، فأصبحت تلك المجتمعات تدمر ذاتها وترتد إلى جاهليتها الأولى .
عودة الروح :
شخصية الإنسان الكائن العاقل لا تستوي إلا بتوازن الجانب الروحي المتمثل بالأيمان والجانب المادي المتمثل بالجسد بوظائفه العضوية وبمجموعة الأحاسيس والاحتياجات النفسية التي تبحث عن الإشباع المستمر، وفق نسق غريزي فطري يختلف عن باقي الكائنات ، في ظل طغيان التكنولوجيا وأدوات التحكم والسيطرة سيستمر الصراع بين الخير و الشر وبين الحق والباطل إلى أن تعي البشرية جمعاء بان مصيرها المشترك والمحتوم رهن عودة الروح الذي أودعه الله سبحانه وتعالى في جسد الإنسان إلى صيرورته الأولى ، للحفاظ على الجنس البشري من الفناء .
Deutschland- 04.04.2020