نوري بريمو
بما أنّ القضية الكُردية هي إحدى أبرز القضايا العالقة التي تجلب أنظار العالم الذي يشهد متغيّرات جوهرية لاحصر لها، ونظراً لحساسية هذه القضية ولحدّية وحرَاجة المشهد السوري المبتعد حاليا عن الحل السياسي والآيل إلى التقسيم وسط أجواء شرق أوسطية معقدة وحديّة للغاية، فإنّ أية مواقف إقصائية وسياسات شوفينية يتبناها نظام دمشق الخريفي حيال الكُرد والقضية الكُردية، ينغي أنْ يسبقها ويتبعها حسابات وتحسّبات كثيرة، لأنّ أي تنكُّر لهكذا قضية تخص حاضر ومستقبل قرابة أربعة ملايين إنسان كُردي يعيشون في مناطقهم الجيوتاريخية مِنْ شأنه تعكير الأجواء وزيادة الاحتقان الموجود أساساً لدى مجتمعنا الكُردي الغائص منذ الأزل في بحور التمييز والظلم والإضطهاد.
وقد جاءت المواقف الشوفينية التي أفصح عنها الرئيس السوري عبر وسائل الإعلام مؤخراً ، بمثابة تسعير لنار الحقد القوموي وتحرّش متعمَّد بالشارع الكُردي، مما قد يؤدي إلى بروز ثمة ردّات فعل قد تتطور إلى رفض ومواجهة لدى الجانب الكُردي المنكوب بأبسط حقوقه المشروعة، وللعلم فإنّ هذه ليست المرة الاولى التي ينبري فيها رأس النظام ويداهم الكُرد في عقر دارهم ، وبدلاً من أن يتعظ ويأخذ العبرة من التجربة السورية المرَّة بعد مرور أكثر من تسع سنوات عصيبة على الأزمة الناشبة حتى الآن، نجده يواصل مسلكية الإستقواء بالخارج ويتصرف كالمنتصر الأرعن والمغرور ولا يكفّ عن عسكرة الحلول والتعامل الأمني مع الحالة السورية ويستمر في مسلسل إلغاء الآخر والتجييش الطائفي والقتل الجماعي والتدمير والتشريد على الهوية بهدف الإستفراد بحكم البلد وتسخيره لصالح مكوِّن معين، وبناء عليه فإنّ ما يجري في سوريا حاليا لا يمكننا تسميته سوى بتكريس الحالة الطائفيية وحصر السلطة بيد العلويين دون المكونات السورية الأخرى كالكُرد والسنة وغيرهم.
وبخصوص فشل السياسة الشوفينية المتبَعة حيال شعبنا الكُردي في سوريا، فإنّ كافة العهود السورية تشهد على عدم مقدرة كل الأنظمة والحكومات على ثني الشعب الكُردي عن مواصلة نضاله القومي الديمقراطي على مدى عشرات السنين من عمر الدولة السورية التي جرى تشكيلها بموجب اتفاقية سايكس بيكو بمثابة كيان جغرافي جديد إستُحْدِثَ في كنف الانتداب الفرنسي على سوريا عام 1925م ومن ثم تأسست الجمهورية السورية الأولى عام 1930م، وأنّ أهل الحكم أنفسهم شهود ويتذكرون تماماً مدى إخفاقهم في قَمْع الحراك الكُردي أثناء أحداث أذار الدموية 2004م، إذ أنّ النظام القمعي لم يفْلّحْ آنذاك في فرض هيبته الأمنية على شارعنا الذي تحوّل خلال اسبوع إلى سيلٍ جارف حوّل نتيجة تلك الأحداث لمصلحته كمكسب كُردي تحقق بفضل دماء الشهداء التي سالت خلال تلك التظاهرات التي عمّتْ كافة المناطق الكُردية تضامناً مع شهداء ملعب قامشلي، ولعلّ الجميع يشهد أيضا كيف وقف الشارع الكُردي مع الثورة السورية التي اندلعت في ربيع عام 2011م، وكيف عمّت شوارع مدننا بالمظاهرات تضامنا مع الشعب السورية وقد جرى تتويج ذلك بتبني الجانب السياسي الكُردي خيار الوقوف مع المعارضة في وجه النظام.
ولتبيان حقيقة ما أصاب ويصيب الملف الكُردي العالق في سوريا، لابد من التأكيد بأنّ مسؤولية تعطيل مساعي إيجاد حل سياسي لهذه القضية تقع على عاتق كل الأنظمة التي تعاقبت على حكم سوريا، ولكنّ الجزء الأكبر من المسؤولة يتحملها نظام البعث الذي لمْ ولا يكف عن التعامل الأمني مع هكذا قضية ينبغي حلها بالحوار السياسي في هذا الزمن السوري الممجوج بمختلَف التحديات الداخلية المتأزمة والإقليمية المتدخلة والخارجية المتفرِّجة، وبالمقابل أبدى ويبدي الجانب الكُردي منتهى المرونة والعقلانية والتشبُّث بالخيار السلمي اللاعنفي، وذلك رغم تعنّت الطرف المقابل أي الدوائر الشوفينية الحاكمة المثيرة للمشاكل بدلاً مِنْ توفير سبل حلها، ورغم سوء الأحوال لن ييأس الكُرد في الدفاع عن قضيتهم ولايمكن للأنظمة الحاكمة الإستمرار في سياسة الإنكار والتخوين ولا بديل عن العقلانية والإحتكام لجادة صواب الإعتراف بالآخر.
(3-4-2020)