في «إشكاليات» المعارضين السوريين الوافدين… عبد الحليم خدام مثالا

صلاح بدرالدين
    أعادت وفاة نائب الرئيس السوري السابق السيد عبد الحليم خدام الجدل من جديد الى الأوساط السورية المعارضة حول تاريخ الرجل وسجله السياسي بين متشف من موته وممتنع عن الترحم عليه وبين غير مبال وقلة وضعت المسألة في سياقها السياسي الموضوعي بربطها باشكالية الخلط بين كل أصناف المعارضات ( الحميدة منها والضارة ) والمميز في ( معارضة المرحوم خدام ) أنه لم يتسن له التسلل الى صفوف ( المجلس الوطني والائتلاف وهيئة التفاوض ) مثل أقرانه الآخرين الوافدين من صلب نظام الأسد بل بقي مستقلا بعد الإخفاق في تجربته القصيرة ” بجبهة الخلاص الوطني 2005 –  ” كأول محاولة منظمة بالخارج – على كل علاتها – في معارضة نظام الأسد سبقتها تجربة ( المجتمع المدني ) و( اعلان دمشق ) الإصلاحية المعتدلة بالداخل والتي كانت بعيدة عن رفع وتبني شعار اسقاط النظام لأسباب ذاتية وموضوعية معروفة .
 
  وقبل تناول تفاصيل موضوعنا أود الإشارة الى أن غالبية الشامتين لوفاة خدام والمعادون له هم من أوساط النظام والموالون له ومن جبهته ( الوطنية التقدمية ) ومن أزلام الوزراء والحاشية المقربة لقصر المهاجرين ( كيف لا وهو محكوم عليه بالاعدام من نظام الأسد ) وهناك من تهجم عليه في حينه حاملا سيف النظام لانه خرج من النظام وعليه وليس لانه فاسد لان النظام وأهله جميعا من الفاسدين المجرمين .
   من التعقيدات التي تواجه – المعارضة – السورية وكل الرأي العام الوطني بل من أبزها هي طريقة وكيفية التعامل ( الفكري – الثقافي – السياسي ) مع عملية  التوافد المستمر من اهل النظام وتحديدا البعثيين تحت عناوين – الالتحاق بصفوف الشعب والانشقاق من النظام والانضمام الى الثورة والمعارضة – ففي بداية الخطوات الأولى للتظاهرات الاحتجاجية السلمية الشعبية العفوية منذ مايقارب العشرة أعوام وتبلور الحراك الوطني الأصيل في قلب الانتفاضة الثورية كانت النداءات في شوارع وأزقة المدن تتوجه لمؤسسات النظام والجيش والشرطة  من أجل تحييدهم أو بالالتحاق ومواجهة الاستبداد واستجابت قطاعات واسعة لتلك النداءات فتوافد الجنرالات والضباط والمراتب العسكرية وكبار المسؤولين الى رؤساء الحكومات والوزراء والدبلوماسيين ومسؤولي المخابرات والإدارات وقيادات الحزب الحاكم  ( وكان نائب الرئيس خدام قد سبق الجميع قبل اندلاع الثورة ) ووصل الامر الى أن هؤلاء تغلغلوا في هياكل ومؤسسات المعارضة والثورة باسم الجيش الحر وتسنم بعضهم رئاسة الائتلاف وتبوئ مواقع القرار حتى بدأ يشاع بين المعارضين مقولة لاتخلو من السخرية ” أسيادنا بالجاهلية .. أسيادنا بالإسلام ” .
  وفي إشارة سريعة أقول وصل الامر في احدى المراحل الى جواز تعريف الثورة والمعارضة بتحالف مصلحي بين ( الاخوان المسلمين والبعثيين الوافدين من مؤسسات النظام ومن لف لفهما من أفراد ومجموعات هامشية ) وكان لنظام طهران بصمات واضحة بهذا الشأن على حساب أهداف الثورة الحقيقية واستبعاد الوطنيين الصامدين والمناضلين الجذريين وكل الحراك الوطني وممثلي تنسيقيات الشباب والإعلاميين الثوريين أي بايجاز نحر الثورة الوطنية الديموقراطية التغييرية .
  في ساحتنا الكردية الخاصة ظهر شيئ من هذا القبيل أيضا فقد – كوعت – أحزاب وجماعات كانت موالية للنظام وتأتمر بتوجيهات جهاز المخابرات العسكرية بقيادة – الجنرال محمد منصورة – وأعلنت عن تأييدها للمعارضة والثورة ولو نظريا وحتى جماعات ب ك ك التي وفد مسلحوها من – قنديل – ضمن اتفاقية سياسية مع موفدي النظام وتوزعها في مختلف المناطق الكردية والمختلطة على قاعدة التسليم والاستلام وبعد ان قامت بواجباتها في صد الثورة وضرب المعارضة من السوريين والكرد بدأت بادعاء معارضة النظام بل قيادة – ثورة –  ؟! .
  وفي غياب تمثيل شعبي حقيقي والافتقار الى الشرعية الوطنية الديموقراطية وحتى امتناع هياكل المعارضة عن ممارسة المراجعة النقدية ليس هناك من جهة مؤهلة للفرز ومساءلة من أجرموا بحق الشعب وشاركوا النظام في قمع الشعب السوري ويبقى الاجتهاد الفردي سيد الموقف الذي لا يخلو طبعا من الضغائن والمواقف المسبقة ناهيك عن صراعات الأجهزة المخابراتية الإقليمية والدولية المتغلغلة وفي مجتمع مدمر وفي أجواء الحروب وتحت رحمة المحتلين الأجانب والصراع الطائفي البغيض .
  وبهذه الحالة تضيع الحقيقة ولو الى حين وكما أرى علينا مراعاة أمرين : الأول : مواصلة المحاولات لتوفير شروط استعادة شرعية حركاتنا الوطنية عبر المؤتمرات الجامعة حتى تصبح مؤهلة لفرز الصالح من الطالح ووضع عقد تصالحي بشروط والاتفاق على تأجيل التشهير والتخوين والتغريم  بحق البعض لحين الخلاص من الاستبداد وإعادة بناء سوريا جديدة تتوفر فيها شروط المساءلة والمحاكمات العادلة والقضاء النزيه والاستفادة من تجربتي كل من جنوب افريقيا للمصالحة وإقليم كردستان العراق حيث كان المؤتمر الأول الذي عقد بعد اسقاط النظام مؤتمر التسامح برعاية الرئيس بارزاني وإقرار منع الانتقام وتحويل كل القضايا الجرمية الى القضاء . 
  نحن وخدام وجبهة الخلاص
  شخصيا لم تكن لي معرفة بالسيد خدام بل كان صديقا لقادة الحزبين الرئيسيين بكردستان العراق تعارفوا خلال مراحل لجوء وإقامة معظم القادة العراقيين والكرد في دمشق واتصل بي أواسط عام ٢٠٠٦ مكتب السيد الرئيس مسعود بارزاني واخباري أن خدام يريد التواصل معك وتم ذلك وكنت حينها أستعد للتوجه الى الولايات المتحدة الامريكية للمشاركة بمناسبة كردية سورية هناك ومررت على باريس والتقيت السيد خدام – لأول مرة –  وأبلغني أنهم عقدوا مؤتمرا تأسيسيا لجبهة الخلاص عام ٢٠٠٥ ببروكسل مع – الاخوان المسلمين – وبحضور شخص كردي واحد فقط وهو الصديق – حاجي سليمان – طالبا مني المشاركة في المؤتمر القادم بعد فترة قصيرة بلندن وودعته على أن أرد عليه الجواب .
  قبل العمل سوية في اطار ” جبهة الخلاص 2006 ” والموافقة على المشاركة في مؤتمر لندن ككتلة كردية صارحت السيد خدام بثلاثة أمور : وهو مدون بكتاب مذكراتي) : ” ١ – التحاقك بصفوف الشعب مرحب به من جانبنا من حيث المبدأ لأنه يوجه ضربة لنظام الاستبداد ولكن السبيل لتعزيز الثقة والعمل المعارض المشترك حاضرا ومستقبلا يعتمد على ادانتك الكاملة والشاملة للنظام وممارسة النقد الذاتي لتلك المرحلة الطويلة التي كنت أحد أركان السلطة الحاكمة وكشف كل أسرار النظام السياسية والأمنية التي سمح لك موقعك بالاطلاع عليها وذلك ليس من أجل الفلاشات الاعلامية بل كشفا لخطط السلطة وحماية للمعارضين في الداخل وقبول حكم الشعب حول كل ما قيل حولك من اتهامات عبر القضاء السوري في سوريا الجديدة ” ٢ – عليك اعلان موقف حاسم تجاه الحقوق الكردية المشروعة ٣ – إزاحة الاخوان المسلمين عن الجبهة ( لأنهم جاؤوا بمؤتمر بروكسل ولم نكن موجودون ) والانفتاح على الوطنيين المستقلين من كافة الاطياف لأن هذه الجماعة لا يؤتمن لها بل غادرة ومتواطئة سرا مع النظام وحكام طهران . وكان جوابه – الشفهي – بالقبول والاستعداد الكامل ولكن وحتى مضي قرابة ثلاثة أعوام من التعامل والتعاون لم ينفذ المرحوم السيد خدام الجزء الأكبر مما تعهد به مما دفعني والكتلة الكردية في الجبهة وبالتشاور والقرار الجماعي الى الانسحاب من خلال مؤتمر صحفي باربيل نقلته – الجزيرة مباشر – كاملا .
 ووفاء للحقيقة وللرجل بعد غيابه ففي أغسطس 2008، أصدرت المحكمة العسكرية الجنائية الأولى بدمشق، 13 حكماً غيابياً على خدام بالسجن لمدد مختلفة أشدها الأشغال الشاقة المؤبدة مدى الحياة .
  ولايفوتني هنا الترحم على الفقيد  وتقديم التعازي الى عائلته ومحبيه .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…