كورونا شبح يجوب العالم

أحمد اسماعيل اسماعيل
ليس فايروس كورونا هو الوباء الوحيد الذي ظهر في حياة الإنسان عبر التاريخ، فقد سبق لأوبئة كثيرة أن ظهرت في تاريخ البشرية، قبل الميلاد وبعده، وحصدت أرواح مئات الملايين من البشر، ولعل الطاعون الذي تكرر ظهوره أكثر من مرة على مدى قرون،كان أخطر هذه الأوبئة وأشدها فتكاً بالأرواح.
ما الجديد إذن؟
الجديد هو نحن.
لقد تم تفسير الأمر في الأزمان السابقة بشتى التفاسير، وأولها المجهول، أو عقاب الرب الغاضب من أفعال البشر، 
أما اليوم، في زمن العلم والعولمة، فمن يقنعنا بأنها إرادة الرب؟ 
هل يمكن أن يكون الأمر مصادفة، لا دور فيها لتدخل الطبيعة في هذا الأمر، عقاباً وانتقاماً للنفس أو دفاعاً عنها، أو أن الأمر لا علاقة له بالتصنيع أو الحرب البيولوجية القائمة بين الدول الكبرى؟
كل شيء ممكن.
أنصار الطبيعة يؤكدون أن الطبيعة التي أساء إليها الإنسان بفضلات منتوجاته، السلمية وغير السلمية، قد استنفرت كرياتها البيضاء وكل أجهزة المناعة لديها للدفاع عن النفس: عن الهواء والغلاف الجوي والأرض والخضرة والمياه والحيوانات.
وأنصار الرب، ومن لا أمل لهم سوى التعلق بأهداب السماء، عزاءً أو عجزاً، يُعدون ما يحدث بمثابة درس وتنبيه من الله، وفرصة يمنحها لعباده الضالين للعودة إلى جادة الصواب، وهي عبارات مكتوبة على رايات سوداء يلوح بها جنود الله الأشرار، فكورونا هي جند من الله أرسالها لإذلال كل من ترك دينهم الحنيف، وقاوم مشروعهم في إقامة حكم الله على الأرض.
وأعداء الرأسمالية المتوحشة من يساريين وشيوعيين وحكام دول شمولية شرقية يعدون كورونا السوس الذي سينخر شجرة الرأسمالية العفنة ويسقطها.
أما الناس، فقد وقعوا في حيرة من أمرهم بين هؤلاء وهؤلاء، وأصبحت الغالبية منهم ضحية هذه الآراء لتتداولها في ما بينها بكثير من المبالغة، كعادة الناس على مرّ الأزمان، ويكفي أن نتابع ما يتم تداوله في السوشيال ميديا من طرائف ومعلومات وصور وفيديوهات حتى ينكشف لنا هول ما يحدث للناس ونعرف بعض هواجسهم.
ولأن فيروس كورونا مايزال مجهول الهوية، ومايزال ذلك الشبح الذي يجوب العالم، دون أن يتمكن أحد من القبض عليه، لا دول ولا حكومات وعسكر،  أو علماء وأطباء، يبقى لنا أن نلتزم بما أتفق عليه الجميع من نصائح عامة، وأولها الحجر الصحي والنظافة.
غير أن ذلك ليس كل ما في الأمر، فلو حدث أن تم اكتشاف العلاج لهذا الوباء، وسيحدث ذلك بلا شك، فلا يجب أن ننسى الحقائق العجيبة التي كشفها لنا هذا الفيروس عن البشر، وعن الفصل الكبير، بل القطيعة بين الحضارة المتقدمة جداً، والإنسان الذي لم يواكبها في تطوره الروحي والنفسي.
ولقد كانت غريزة الخوف من المجهول هي الأكثر حضوراً وفعالية في هذا المشهد الكبير، ولعل كلا الدينين، دين العلم الذي لم ينتصر على الخوف البشري من المجهول بانتصاره على الجهل، التقى مع الأديان الأخرى السابقة عليه، السماوية وغير السماوية، من هذه الناحية: المجهول.
فكورونا كسرت قاعدة: الخطان المستقيمان لا يلتقيان، خط العلم والدين. وذلك في التقائهما في نقطة الخوف.
لقد قيل الكثير عن الخوف، الوحش ذو الأنياب والمخالب الذي لا ينهش سوى صاحبه، والذي رعته الأنظمة الشمولية في دواخلنا، وكذلك الأديان، حتى أصبحنا المدجنة له والفريسة.
وها هو العلم الذي لجأنا إليه ليخرج هذا الوحش من دواخلنا بالمعرفة، هرباً من سياط دجالي السياسة والدين، ينتصب في قفص الاتهام، لمساهمته في هذا انتشار هذا الوباء، حسب بعض الروايات، أو عجزاً عن فعل ما يحد من انتشار هذا الوباء الذي يجوب العالم كشبح، حسب ما نشهده في كل ثانية وهنيهة.        

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…