د. محمود عباس
أن يقوم كاتب عروبي سوري أو غير سوري على تحريف التاريخ العربي أو الكردي في الجزيرة أو في جنوب غرب كردستان بشكل عام، عن جهالة؛ ويكذب فيها حسب مزاجية، نستطيع التغاضي عنه، وتلافيه كنكرة. أما أن يقوم مجرم سوريا الأول (بشار الأسد) بالفعل ذاته وعن خباثة، مكررا ما نشره العديد من الباحثين العروبيين من التحريفات التاريخية، وفي مرحلة لاتزال الهيئات الدولية تعترف به كرئيس دولة، جريمة ثقافية لا تقل عن جميع جرائمه الأخرى ولا يمكن تجاوزها والتغاضي عنها. فعلى المفهوم الشاذ ذاته كان البعث ووالده المقبور يتلاعبون بمدارك المجتمع السوري، وينفاقون على الإعلام العالمي حول مسيرة التاريخ السوري. وجوابه على سؤال القناة الروسية، حول الكرد في شمال وشمال وشرق سوريا، وبطريقته السافرة؛ حاول قطع الروابط الوطنية بين المكونات السورية، ونتائجها سوف لن تقل عن بشاعات تغطيته على جرائمه خلال السنوات التسع الماضية، وبالتالي لا يمكن التغاضي عنها، وتركها تمر دون رد رسمي صادر من الحراك الكردي عامة، وخاصة من الجهات التي ستوصله الرد، أو ستطلع مربعاته الأمنية والإدارية عليها؛ ولتبلغه الموقف الكردي، وخلافنا معه ومع نظامه حول الكرد وقضيتهم وتاريخهم، وعلى أن مثل هذه السفاهات لن تقطع الروابط الوطنية بين شعبينا الكردي والعربي المؤمن بالإخوة والمساواة.
فتشويه تاريخ سوريا الماضي والحديث، ومن موقف رسمي، وعلى منطق أولئك الباحثين العروبيين، وإنكار جغرافية الشعب الكردي الذي ضم إلى دولة سوريا اللقيطة في بدايات القرن الماضي، تندرج ضمن الجرائم الكبرى التي نفذها سلطة بشار الأسد بحق سوريا والشعب العربي قبل الشعب الكردي. ولا نشك لحظة أن السؤال كان قد خطط له وبشكل مقصود؛ وتقف ورائها مصالح روسيا، وجهز له هذا الجواب لعدة غايات وأبعاد، ومنها:
- محاولة خلق صراع بين الشعبين العربي السني والكرد في شرق الفرات.
- نقل المنظمات التكفيرية التي تحارب في مناطق إدلب وعفرين إلى شرق الفرات، ليستفيد منها في تقوية مركزه، على حساب ضعف الطرفين المناهضين له.
- وجلها للبقاء مدة أطول على كرسي الرئاسة.
- إلى جانب محاولة خلق إشكاليات بين الأطراف الكردية، وهي ذاتها التي تحاول تركيا القيام بها، عند اهتمامها المفاجئ وعلى المستوى السياسي بطرف كردي والتهجم على الأخرين.
- وعلى رأس كل هذه الإشكاليات تكمن المصلحة الروسية، لذلك فهي تعتبر رسالة روسية ومن السلطة لأمريكا قبل أن تكون للكرد.
ففي الحيز الداخلي، أي ضمن المجتمع السوري، فعلى الأغلب وحتى لو من خلال صفحات كتاب التاريخ المدرج في مناهج المرحلتين الإعدادية والثانوية ضمن مدارس سوريا، لا بد وأن بشار الأسد يعلم أنه عندما مددت جغرافية سوريا الكبرى بفضل فرنسا إلى شرق الفرات، وشمال حلب، إي إلى الجزيرة ومناطق عفرين، كانت قد اقتطعت المنطقتين من كردستان، والتي كانت حتى قبل انهيار الإمبراطورية العثمانية تصنف كمناطق تابعة لولاية ماردين وأمد، وأورفا، وبهما تشكلت سوريا الحالية التي يتشدق بعروبتها المستعربون في سوريا وبينهم بشار الأسد، وما هم عليه الكرد ضمن سوريا، يعتبرها مِنةً منه لهم ومن ضمنها أعطاهم حق المواطنة، متناسيا أن سوريا التي أجرم بشار الأسد ووالده المقبور بحق شعوبها، حصلت على هيئتها الحالية بعد تقطيع الجزء الجنوبي الغربي من كردستان، وقبلها، أي قبل عام 1920م لم تكن تتجاوز شرق نهر الفرات، وشمال حلب بكيلومترات عدة، ولربما لم يطلع بشار الأسد على خريطة من خرائط المنطقة المرسومة في القرنين الماضيين.
وقد كتبنا وكتب العديد من الأخوة الكرد في هذه الإشكالية، وغيرها، كقضية الديمغرافية الكردية وهجراتهم من والى الجزيرة أي جنوب غرب كردستان، من مما كتبته 40 حلقة تحت عنوان (مصداقية الباحث العربي… 1-40) و 20 حلقة تحت عنوان (ماذا فعل المربع الأمني بغربي كردستان-1-20) ومقالات أخرى في هذا المجال التاريخي وما تم من التحريف لتاريخ الكرد بشكل عام وفي الجزيرة بشكل خاص، وأخرها كان المقال المنشور بست حلقات بعنوان ( مراحل التمدد العربي في جنوب غرب كردستان( مراحل التمدد العربي في جغرافية جنوب غرب كردستان-1-6) كرد على ملهمي التاريخ في هذا البعد لأبن الأسد، وبينهم من كان قد كلف من قبل والده المقبور وشريحة البعثيين المفرزين للطعن في القضية الكردية، ودعموهم لكتابة الدراسات التاريخية عن جغرافية الجزيرة وديمغرافيتها، ولم يكتفوا بالنشر بل هاجموا المثقف الكردي من على الإعلام، ومن خلالها على الكرد وقضيتهم، بعرض مفاهيم ساذجة وضحلة الأبعاد؛ عن الهجرة الكردية إلى سوريا، في الوقت الذي لم تكن هناك وجود لسوريا أثناء وقبل وبعد تلك الهجرات. وكما ذكرنا سابقا ولعدة مرات نعم حدثت وعلى مر التاريخ هجرات للكرد لكن جميعها كانت ضمن الجغرافية الكردستانية، وما يقحم الآن سوريا كوطن ضمنها ليست بأكثر من خداع للذات، وطمس للحقائق التاريخية، والمؤدية إلى تصعيد الصراع بين شرائح المجتمع السوري بشكل عام وبين الكرد والعرب بشكل خاص، وربما توسيع حلقات الدمار على الجغرافية السورية.
فالتقرب من القضية الكردية بهذه النزعة العنصرية والخلفية الفكرية الموبوءة، في الوقت الذي يجب أن يتعاملوا مع الشعب الكردي بمنطق حضاري، وفكر ديمقراطي متفتح، بعد كل هذه البشائع، ويغيروا صورهم النمطية المشوهة عنهم، ويتقبلوهم كالقومية الثانية ضمن الوطن المأمول إقامته بعد كل هذا الدمار، ويتحاوروا مع حراكه على الدستور السوري القادم لتظهر دولة مقبولة من العالم الخارجي ومن شعوب سوريا ذاتها وأقلياتها وطوائفها، خاصة بعدما ضحى الكرد بالآلاف من الشهداء للقضاء على أخطر منظمة إرهابية في العالم الحديث، وأنقذوا سوريا والعراق من فظائعهم، وهم يحمون قرابة مليونين من المكون العربي ضمن مناطقهم المحتضنة أكثر من ثلثي الاقتصاد السوري، تعد خيانة لسوريا وللمجتمع العربي قبل الكرد الذين عدهم مواطنون سوريون! وبها يكون قد وضع خاتمة على كل محاولات إحلال السلام في سوريا، بل يطمع في نقل ساحات الحرب إلى المناطق الكردية، التي ينفي وجودها، وندرك من كلامه لو أنه كان مقتنعا بمقولته، لما خطط بهذه السذاجة وفي هذه المرحلة الحديث عن القضية الكردية…
يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
5/3/2020م