ردّاً على عبد الرحمن يزدان (الهروب إلى الفوضى)

 بلـند حَسَن

       كتب السيد عبد الرحمن يزدان مقالاً نشره في بعض المواقع الكردية تحت عنوان (المؤتمر الكردي في سوريا…هو الفَصْلُ والحَكَمْ) ، وبما أنّ المقال مليء  بالمغالطات السياسية ، ما يجعل القارئ يعيش في متاهةٍ سياسية عاتمة، وفي فوضى من المواقف المتشتتة ، وجدتُ ، ومن منظورٍ موضوعي ، أنْ أوضّح للسيد عبد الرحمن وللقارئ ، بعض الحقائق ، بعيداً عن التشنج السياسي ، والذاتية الضّيقة .
لا يختلف عاقلان أنّ هناك قوى خيرة كثيرة ، داخل كلِّ حزبٍ كردي ، وداخل الحركة الكردية إجمالاً ، وإن اختلفت نسبة (تلك الخيرة) من حزبٍ إلى آخر .

وبدايةٍ أحبُّ أن ألفت نظَرَ الكاتب إلى أنّ الرؤية التي يتحدث عنها ، وكأنها ثمرة للقوى التي يراها وحدها خيرة ، أصدرها حزب آزادي الكردي بداية ، بينما يرى الكاتب أنّ القوى الخيرة جاهدت حتى ((تتوجت بإعلان الهيئة المشتركة للتحالف والجبهة وطرح الرؤية المشتركة لحل القضية الكردية في سوريا)).

فقد طرح حزب آزادي رؤيته تلك تاريخ 31/3/2006م  ، وتمَّ مناقشتها مع بعض أطراف الجبهة حينها ، وتحديداً مع الشقيقة ( البارتي ) الذي أضاف تعديلاتٍ يتفق مع سياسته ، ومن ثمَّ تبنتها الهيئة العامة للجبهة والتحالف ، فأصدرت رؤيتها المشتركة تاريخ 20/4/2006 ، والإطاران المذكوران اعتمدا النّصَ الأصلي لرؤية آزادي ، وأجريا تعديلاتٍ يتناسب مع معطف (إعلان دمشق) ومبادئه العامة .

والنًّص الأصلي تبنّته أطراف التنسيق الكردي فيما بعد ، مع إضافات تنسجم وسياسة أطراف التنسيق تاريخ 23/7/2006م ؛ النّص الأصلي ليس مقدّساً ، لذلك كان يحتاج إلى مداولاتٍ ومناقشاتٍ جادة ، تتفق والمصلحة العليا للشعب الكردي كما تراها الحركة الكردية .

أصبحت هناك رؤيتان : رؤية التنسيق المعتمد على الأصل مع الحفاظ على الديباجة الأساسية ، و رؤية الجبهة والتحالف التي حُذِفَتْ من الأصل الديباجةُ الأساسية ، وقصّتْها بما لا يعارض مع مبادئ (إعلان دمشق).

ومن أجب توحيد الرؤيتين انطلقت الحوارات العامة بين الأطراف الكردية .

الكاتب يدعي بأنّ هناك أحزاباً ترى بعدم الحاجة إلى عقد المؤتمر ، وتصرّ على الاكتفاء بالاتفاق على وثيقة المبادئ فقط ، حيث يقول حرفياً – أبقيْتُ على نصِّهِ الحرفي مع أخطائه الكتابية -:(ومن هنا فإن اصرار بعض الاحزاب على عدم الحاجة لعقد المؤتمر والعمل على عرقلته والالتفاف عليه بالدعوة الى اتفاق الاحزاب فقط على وثيقة مبادئ دون الحاجة الى عقد مؤتمر بمشاركة ممثلي مختلف الشرائح والفئات الكردية) .

طبعاً هذا الادّعاء عارٍ عن الصّحة للأسباب التالية :
–  لم يقل أيُّ حزبٍ من الأحزاب المشاركة بأنّه ليست هناك حاجة لعقد المؤتمر الوطني ، ولا يرفضه أحد .

وهل يستطيع الكاتب إبراز وثيقة تثبت قوله ؟ وهل يستطيع الكاتب جعل قيادة الجبهة والتحالف شاهدة على أنّ الأطراف الأخرى ترفض المؤتمر ؟ .

تطلب الأطراف الأخرى – المعنية هنا أطراف التنسيق الكردي – إعلان الرؤية المشتركة التي توصّلت كلّ الأطراف إلى صيغتها المشتركة خلال عامٍ من الحوار .

لماذا الإصرار على عدم إعلان الرؤية المشتركة ؟ لماذا الإصرار على طيها في الأدراج واشتراط إعلانها بالمؤتمر ؟
–  يعرف الكاتب أنّ الحوار بدأ أصلاً للتوصّل إلى صيغة موحدة للرؤية المشتركة بين التحالف والجبهة والتنسيق ، وليس للبتّ في المؤتمر الذي تمّ طرحه من قبل التحالف قبل ثلاثة أشهرٍ فقط .

ويعرف الكاتب أنّ الأطراف كلّها توصّلت إلى الصيغة المشتركة ، وأُنْجِزَت الرؤية ، و الكلّ يمتلك الوثائق المشتركة والتعديلات التي أُجريت عليها في كلِّ جلسة من جلسات الحوار .
–   لقد توصلت الأطراف إلى الصيغة المشتركة منذ فترة ، لكن اشترطت بعض الأطراف من التحالف على إعلان الرؤية بعد التفاهم على البتّ بتحضيرات المؤتمر ، لم يعارض أحدٌ على ذلك ، لكن تلك الأطراف تماطلت وتنصّلت من وعودها .
–  ألم يتوصّل التحالف والجبهة إلى الرؤية المشتركة ؟ ألم يتفق التنسيق على رؤيته المشتركة ؟ ألم يحصل كل هذا والمؤتمر المزمع انعقاده غائب ؟ ما المشكلة في إعلان الرؤية المشتركة المنجزة ، وثم العمل على إعداد المؤتمر المنشود الذي قد يعدّل ما يراه مناسباً ؟ لماذا لا نعلن الرؤية التي انتهينا من صياغتها ، ونقدّمها وثيقةً للمؤتمر، ذلك المؤتمر الذي قد يفصلنا عنه أشهر وربما سنوات .
– ألم تتوصل الأطراف الثلاث (الجبهة والتحالف والتنسيق) إلى صيغة ((الرؤية المشتركة تخصُّ الأطر الثلاثة وتعتبر مشروعاً للمؤتمر الوطني المزمع انعقاده)) ؟ إذا كانت هذه الصيغة تعني الجميع لماذا لا يتمّ إعلانه ؟.

أم أنّ إعلان الرؤية الكردية المنجزة يُحرِج البعض أمام إعلان دمشق ، لأنّ الرؤية تُكسِر سقف المطالب الكردية في إعلان دمشق ؟ لماذا لا يتمّ إعلانها ، ومن ثمّ تطالب الحركة الكردية من إعلان دمشق رفع سقفها للمطالب الكردية ؟
       الكاتب عبد الرحمن يتجنّى على البعض عندما يتهمهم بأنهم يرفضون إشراك الجماهير والشعب في صياغة المرجعية والوثيقة المشتركة ، حيث يقول – أبقيت نصّه الأصلي بأخطائه – في مقاله :
((إن اي مرجعية او وثيقة ستكون اكثر شرعية ومصداقية بكل تأكيد اذا ما شارك في اختيارها وصياغتها ممثلي الشعب الكردي … ثمَّ يضيف في مكانٍ آخر : ولكن مع ذلك لاتتردد بعض الاحزاب في رفض هكذا مبادرات وانما تحاول تغييب الجماهير عن هذه المحطات والشطب على ارادتها ، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا تقاوم هذه الأحزاب فكرة مشاركة تلك الشرائح والفعاليات في اتخاذ القرار والقيام بواجباتها النضالية)).

 من يقرأ مقاله سيظنّ أنّ الأحزاب الأخرى ترفض مشاركة الفعاليات الاجتماعية والثقافية والحقوقية وغير ذلك من ممثلي الحراك الاجتماعي والثقافي في المؤتمر ونشاطاته ، الغريب في اتهامه أنّه يرمي الاتهامات جزافاً ، أو أنّه يعيش خارج المجتمع وخارج الحراك السياسي ، لأنّه لا أحد يرفض مشاركة كل الفعاليات الكردية في المؤتمر ، ولا أحد يرفض فكرة المؤتمر ، لا أحد يرفض البدء بتحضيرات المؤتمر ، لكن قد نختلف في آليات الإعداد والمؤتمر أحد الخيارات ، وليس الخيار الوحيد ، ولماذا لا تحدّد آلياتك المناسبة لنجعلها موضوع البحث ؟ طبعاً لا يمكن الردّ على مغالطاته السياسية الكثيرة في مقاله ذاك ، لأنّه جاء مشحوناً  يطرح آرائه بشكّلٍ عشوائي دون النظر إلى مدى مصداقية ما يقول ، حيث يدّعي السيد عبد الرحمن : ((وإن عقد المؤتمر القومي يعتبر خط أحمر عندها لانها تدرك جيدا ان سياساتها المغامرة لن تصمد امام الاختبار في المؤتمر المنشود)) .

هذا الادّعاء فيه من التجنّي الشيء الكثير ، لأنّه سينهار أمام حقيقة موقف أطراف التنسيق الكردي ، وعلى ماذا يعتمد الكاتب في ادعائه ؟ هنا تماماً ندعو السيد إلى إثباتٍ واحد يؤيد موقفه ضدّ الآخرين ، بل أنّ الآخرين يوافقون قبله على ذلك المؤتمر ، لأنّ ذلك من صالح الشعب الكردي الذي لا يمثّله السيد عبد الرحمن يزدان بمفرده .

يدّعي السيد عبد الرحمن أنّ الأطراف الأخرى خارج الجبهة والتحالف تتهرّب من العمل القومي والوطني المشترك ((كما انهم هم انفسهم الذين يتهربون ميدانيا من كل عمل مشترك قومي او وطني)) .

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة : أيُّ عملٍ ميدانيٍّ قمتَ به وتقاعس عنه الآخرون ؟ أيّ عملٍ قومي طرحتَهُ ورفضه غيرُك ؟ أيمكن تحديد بعض هذه الأعمال ؟ ألم تقم أطراف التنسيق بإحياء ذكرى انتفاضة آذار ؟ في الوقت الذي ترفض تسميتها وترفض إحياء ذكراها .ألم يحيي التنسيق ذكرى الشيخ الخزنوي في الوقت الذي رفضتم المشاركة فيه ؟
ثمّ أحبّ أن ألفت انتباه السيد عبد الرحمن إلى قضية جوهرية ، هي اختلاف موقف الجبهة والتحالف من المسائل التي ناقشناها أعلاه ، بل أنّ التقاطعات المشتركة بين التنسيق والجبهة أكثر من الاختلافات ، رغم إقرارنا بصوابية الاختلاف إن لم يتحول إلى خلاف ، والحوارات الأخيرة أكّدت أنّ مساحة التقارب بين الجبهة و التنسيق في كثير من المواقف السياسية تتكثّف ، بينما تتّسع الهوة بين الجبهة والتحالف إلى درجة لا يمكن القول أنّ هناك هيئة مشتركة بينهما ، طبعاً لسنا مسرورين إذا تمّ التباعد بين أي طرفين في الحركة ، بل فقط لنؤكد للقراء بأنّ ليس كلّ ما يطرحه السيد عبد الرحمن صحيحاً .

والنقطة الأخرى التي يطرحها السيد الكاتب هي دعوته إلى عقد المؤتمر بمن حضر ، حيث يقول : ((ويبقى النجاح في عقد المؤتمر بمن يحضر وبدون شروط مسبقة هو الامتحان الأخير الذي تراهن عليه كافة شرائح المجتمع الكردي وتحتكم اليه ، والهيئة العامة للجبهة والتحالف تتحمل مسؤلية تأخر انعقاده وتعطيله)) .
هنا يحاول الكاتب إقناع الآخرين بأنّ المؤتمر يجب أن يُعقَد مهما كانت النتائج ، دون إيلاء أي اهتمام إلى مَنْ يحضر ، ومَنْ يغيب ، وهذه دعوة خطيرة يُنتجُ عنها مؤتمران كرديان ، وهذا مرفوضٌ لدى الشعب الكردي بكلّ فئاته .

لا بديل لمرجعية واحدة توحّد الشعب الكردي وقواه السياسية ، والثقافية ، وتفعّل طاقاته الخلاقة ، من اجتماعية وحقوقية واقتصادية ، وغير ذلك .

فدعوة السيد عبد الرحمن تساهم في تكريس الانشقاق الكردي ، وتخلق هوة بين أطراف الحركة ، بل يساعد في تعزيز الاتجاه الذي يطالب بمرجعيتين كرديتين ، مع فرض الأمر الواقع على الآخرين ، فالعمل على فرض الآراء لا يتوافق  مع مبدئي الحوار والتوافق لإنجاز المطلوب، فربط إعلان الرؤية المشتركة المنجزة منذ زمان ، كشرط بقبول مبدأ المؤتمر الوطني الذي ، يجب أن  يؤسس مرجعية كردية ،  في حين لم يتم إقرار هكذا مؤتمر كخيار وحيد لبناء المرجعية ، ربما أثير كأحد الخيارات، مع العلم أننا لم نكن يوما بصدد رفض المؤتمر لأننا لم نناقشه سابقا .

أليس من الغريب أن نربط وبشدة بين إعلان الرؤية وقبول خيار المؤتمر من دون نقاش .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…