من ظلم الكورد

 

الشيخ مرشد الخزنوي

المظالم التي وقعت على الكرد هل الإسلام هو السبب ؟
كثيرا ما يتسأل بعض  الكرد ما الاسلام ولماذا هو مع عدوي ومحتلي اراضيي
يتسأل هل كل هذه النكسات خلال عقود على الكرد كان الاسلام سببا له ولماذا وقف في وجهنا ومنعنا من نيلنا لحقوقنا القومية وبناء دولتنا المستقلة .

وللإجابة عن هذا التساؤل ومعرفة ما هو السبب الحقيقي الذي وقف في وجه تطور الحركة، علينا اعادة صياغة السؤال لنقول

ما هي الاسباب في المظالم التي حلت وتحل بنا كل يوم هل الإسلام ؟ هل الغرب ؟ هل نحن ؟ أم أمور أخرى
وفي البداية  يجدر بنا أن نؤكد أنه يخطئ من يعتقد إن هناك تعارضا بين حب الوطن والقومية وبين حب الدين , لا بل إن الشريعة الإسلامية راعت هذه النقطة لان الإنسان بفطرته يتعلق بوطنه ويكن له كل الحب والاحترام  ومعلوم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما غادر مكة المكرمة قال ( والله انك لاحب بلاد الله الي ولولا ان اهلك اخرجوني ما خرجت )
والإسلام أوجب على المسلم الجهاد عندما يتعرض بلده أو وطنه أو ترابه إلى خطر الاحتلال ولا يجوز عندها الفرار أو التخلي عن مقاومة العدو
إن مبادئ الإسلام قائمة على الاعتراف بوجود الشعوب والقبائل واعتبار ذلك آية من آيات الله تعالى (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين) [الروم: 22].
ويقول سبحانه وتعالى ((  وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير )) الحجرات 13)) وفي ظل هذه المبادئ السامية مبادئ الإسلام يجب أن تتمتع كوردستان بحقوقها كاملة ويقودها رجل منهم .
ولقد نظم الخالق هذا الكون بحيث يكون متناسقا يكمل بعضه بعضا لا أن يظلم بعضه بعضا كما حصل للأكراد ولا يزال مستمرا .
وقد ظل المسلمون حتى زمننا هذا ينتسبون إلى قبائلهم ومدنهم وبلدانهم دون غضاضة
بل علينا أن نعتز بأرضنا مثل اعتزازنا بإسلامنا فقد كانت ارض بعض الأنبياء وخصها الله بان تكون الانطلاقة الأولى للبشرية من جديد بعد أن رست سفينة نوح على جبل جودي وجعلها أرضا مباركة لقوله تعالى على لسان نوح عليه الصلاة والسلام ( وقل ربي أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ) المؤمنون 29 / وكما هو معلوم فان المكان الذي نزل فيه نوح ورست فيه سفينته هو جبل جودي الواقع في ارض كوردستان وهي نفس الأرض التي حملت إبراهيم وغيره من الأنبياء ,
وبما أن الإسلام كغيره من الشرائع السماوية لا يبيح لأحد الظلم أ والعدوان او التمييز أوالقت….الخ  كذلك لا يعطي الحق لأحد مهما كانت صفته في استغلال هذا المبدأ في خدمة مصالحهم الشخصية وأطماعهم الذاتية التي تجسد فقط شهواتهم الحيوانية اللاإنسانية ، إلا أن ذلك حصل
فإن تفضيل قومية على أخرى هي من الإشكاليات الحقيقية التي تواجه منطقة الشرق الأوسط فتركيا تركز على القومية الطورانية وتحاول تذويب القوميات الأخرى داخل هذه القومية , وسوريا  تحاول فرض القومية العربية على الآخرين , وإيران تركز على القومية الفارسية, وهذا بدوره يخلق إشكالا لان وجود قوميات متعددة ومذاهب متعددة يعني إقصاءهم عمليا عن المشاركة السياسية .
لقد فزع العرب للذي جرى للكويت وانكسرت قلوبهم للذي حل بالعراق لكن الذي حل بالأكراد لم يحرك ساكنا عند العرب , إن مأساة الشعب الكردي في أجزائه الأربعة لا تنال القدر الكافي من الاحساس لا على الصعيد العربي ولا على الصعيد الاسلامي بل وللأسف ولا حتى على الصعيد الانساني حيث التعتيم الشبه الكامل للذي حصل للأكراد علما إن الأكراد يتعرضون ومنذ أكثر من 80 عاما إلى صنوف مختلفة من القهر والقمع استهدف بالدرجة الأولى إلى تذويب الشعب الكردي في الشعوب التي ألحقت بها.
وهذا الكيل بمكيالين من قبل رجال الدين للذي يحدث من المآسي مما يؤسف له فنرى العلماء يطلقون الحناجر ويهزون المنابر للذي يحدث في الشيشان وفي فلسطين ونحن نشارك هؤلاء المستضعفين لاننا نعاني مما يعانون ولكن لماذا في آذن العلماء وقر مما يحدث للاكراد
وظلم ذوي القربى اشد مضاضة                         على النفس من وقع الحسام المهند
أم الظلم اذا كان  من المسلم لاخيه فهو مبرر ، وهذا الموقف من رجال الدين وخاصة من غير الكرد هذا الموقف هو سبب رئيسي لجعل الاسلام في قفص الاتهام عند عامة الاكراد

وهنا تكمن النقطة  الرئيسية المخلصون والاوفياء لتعاليم الرب الذي عليهم أن يوضحوا الفرق الشاسع بين الدين الإسلامي الحنيف وتعاليمه ومبادئه وبين أولئك الذين يتاجرون بيعاً وشرائاً باسم هذا الدين الطاهر.

إن الإسلام حرم السرقة واوجب قطع يد السارق فالذين سرقوا كوردستان ارتكبوا جرما عظيما ويجب معاقبتهم لان الله لا يرضى هذا العمل المشين ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار)
يجوز للشعوب أن تستقل بإرادتها وحسب رغبتها كما حصل بين اريتريا وإثيوبيا والسلوفاك والجيك
أما الشعب الكردي فلا يجوز له الانفصال حسب إرادته أو مطالبته بحقوقه المشروعة
إن خوف إيران وتركيا وسوريا من نيل الأكراد بعض من حقوقهم يؤكد لنا بان هذه الدول متيقنة من أن أصحاب الأرض الشرعيين سينالون حقوقهم في يوم من الأيام وهذا اليوم بات قريبا إنشاء الله (وترونه بعيدا ونراه قريبا), وان دعوا هذه الدول بالخوف على وحدة أوطانهم أو استقرارهم, دعاوى زائفة لان أصحاب الأرض الشرعيين لن يتخلوا عن المطالبة بحقوقهم مهما طال الزمن.
والإسلام ليس دين عربيا كما يدعي بعض العروبيين بل هو دين عالمي لجميع القوميات والشعوب وكونه انزل بالعربية لا يستلزم أن يكون عربيا فان اللغة مجرد أداة للتعبير لا أكثر, والإسلام لا يعرف فضلا لأمة ولا لغة على أخرى ولا قطر على آخر ولازمن ولا جيل إلا بالتقوى وحتى ما يرويه كثيرون من العروبيون من احاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في مدح العرب وتفضيلهم على غيرهم من الامم  فلا يصح نسبتها الى نبي الاسلام حسب قواعد علم الجرح والتعليل وقد اثبت ذلك جميع علماء الحديث ، ولذلك فلا بد من فصل بين الإسلام والعروبة .
ويقع الكثير من المثقفين والمفكرين العرب الإسلاميين او غيرهم حين يربطون عروبتهم بالدين بحيث يفهم القارئ الذي يتناول نتاجاتهم الفكرية بان العروبة والدين شئ واحد مع إن كليهما يختلف عن الآخر اشد اختلاف ومن هذه المفردات التي يستعملها هؤلاء هي ( الحضارة العربية الإسلامية – والثقافة العربية الإسلامية  – والفلسفة العربية الإسلامية ) حتى غدت عند البعض بأن الكلمتين مترا دفتان مع الفرق الشاسع بينهما .
مع أن  إسهامات العرب في تلك الحقول ضئيلة جدا مقارنة بجهود الأمم الأخرى
فا ( الفارابي وابن سينا وابن ماجة وأبو حيان التوحيدي والغزالي والشهرستاني والرازي وابن تيمية والآمدي ) وغيرهم كثير هؤلاء جميعا ليسوا عربا وقد ساهمو في بناء الحضارة الإسلامية والتي يدعي العرب أنها حضارتهم .
بل حتى واضع قواعد العربية سيبويه ليس عربيا
من ظلم الأكراد ؟ ليس من الإنصاف في شئ أن نحمل الاسلام اخطاء الاخرين حتى وكان هذا الآخر مسلما طالما الاسلام يقف في وجوههم ويمزق برقع الحق عنهم ويجردهم من كل حسن ، كما أنه ايضا ليس من الانصاف والحق تحميل الاسلام  وزر بعض الناس الذين لم يفهمو الإسلام أو استغلوه لأسباب شخصية وقومية .
وهل التسميات هي التي تجعل الشيء حلالا وحراما ؟ أم المضامين والمحتويات، ألم تكن الخلافة العثمانية إسلامية فأذاقت الكورد سوء العذاب، أليس على علم العراق الله أكبر وكأن ذلك تكبيرة عيد الأضحى لذبح الكورد في حلبجة وبارزان وبهدينان.

أليس هناك جمهورية إسلامية إيرانية ومصير علماء الكورد في دياجير الظلمات، وسوريا اليوم حامية العرب والاسلام وصاحب مشروع شام شريف ارض الرسالة ،  هذه أسماء فهل غدت كما أراد لها الاسلام ان تكون
إن الاسلام دين الله جاء ليحرر الانسان من عبادة الانسان ، وجاء ليقرر مبدأ دفع العدوان ورد الظالم وحرض الناس على استرجاع حقوقهم والمحافظة عليها حتى ولو أدى الى موتهم في سبيل المحافظة على حقوقهم ، وهذا ما نجده وبكل وضوح عندما يقرر النبي صلى الله عليه وسلم مبدأ الشهادة وكما هو معلوم فمنزلة الشهادة هي ارفع المنازل عند الله ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم من مات دون حقه فهو شهيد 0
ولذلك كان الإسلام هو المحرك الذي حرك الأكراد للدفاع عن حقوقهم القومية وكانت جميع الثورات والتي يقودها علماء الدين محركها الإسلام للدفاع عن الحقوق القومية ولمن يريد التأكد عليه دراسة تاريخ الكورد وخاصة في نهاية القرن التاسع عشر وبديات القرن العشرين ولذلك لا يليق بنا أن نتجاهل ذلك كله وان نشطب كل هذه الأعمال المباركة من هؤلاء القادة العظماء بجرة قلم , وعلينا أن نكون أكثر موضوعيين ولا يأخذنا الغضب على الواقع إلى التعدي على الماضي0
وإذا كان مطلوبا منا أن نمارس نقدا للذات بكل شفافية وجرأة فلا يعني ذلك أن نتجاوز الحدود المعقولة فنتحول من نقد للذات بموضعية إلى جلد للذات دون رحمة فنسئ إلى تاريخنا وننال من الذين قدموا أرواحهم من اجل الكرد و كوردستان.
إن القضية الكردية ليست وليدة اليوم بل تمتد جذورها إلى زمن بعيد ولكنها برزت وبشكل واضح بعد الحرب العالمية الأولى وبالاتفاقية المعروفة ( سايكس بيكو ) عام 1916حيث قسمت كوردستان بين دول مختلفة وكان هذا التوزيع غريبا لم يعرف التاريخ مثله ( قسم تحت سيطرة تركيا والآخر تحت سيطرة إيران وقسم تحت سيطرة العراق وقسم تحت سيطرة سوريا والقسم الأخير تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي سابقا ) ، وإن هذا التمزيق لكردستان ليقف الانسان أمامه مذعورا حيث أن هذا  التوزيع والتمزيق لكردستان فريد من نوعه 0 حيث هذا الذي حصل من قبل تلك الدول التي راعت تلك الاتفاقية يقف أمامه الإنسان مستغربا وحائرا لماذا كل هذا التمزيق بحق هذا الشعب ؟
ولماذا أعطت دول الاستعمار الحق لكل الشعوب أن تقرر مصيرها وعارضت ذلك وبشدة للشعب الكردي ؟ ولماذا لم يجزأ إلى قسمين كما حصل لألمانيا ؟
إن الأنظمة التي تحتل كوردستان استغلت  الاسلام لاضطهاد ولكن متى كانت هذه الأنظمة تمثل الإسلام أو أسست على الإسلام فليس العتب على الإسلام بل العتب علينا نحن الكورد .
إن التأكيد على استغلال وخداع الشعب الكردي باسم الإسلام هكذا مرارا وتكرارا في كتابات بعض المثقفين تعطي انطباعا بان الشعب الكردي كان وما يزال جاهلا وساذجا ومن الممكن لكل من هب ودب أن يخدعهم باسم الإسلام حتى لو كان مارقا كبيرا وملحدا معروفا مثل مصطفى كمال أتاتورك أليس هذا اتهام ظالم وساذج يردده بعض الناس بحق الكرد مرارا وتكرارا .
إن ظروف احتلال وتقسيم كوردستان لم تكن بحاجة إلى اخذ الشرعية الدينية الإسلامية حتى تنفذ مخططات سايكس بيكو وغيرها من المخططات الاستعمارية 0
إن هذا الاحتلال وذاك التقسيم تم وفقا لشرعية القوة وسطوة القوة المستعمرة وبإرادتها.
نعود فنقول لو كان الإسلام هو السبب في حرمان الأكراد لحقوقهم لشهدنا ثورات قبل نهاية القرن التاسع عشر من اجل نيل حقوقنا فالشعب الكردي مشهور ببسالته وعدم رضوخه للظلم وسكوته أمام العدوان ولو كان الإسلام هو السبب في هضم حقوق الأكراد لما استطاع صلاح الدين الكردي أن يصل إلى مركز القائد الأعلى للجيوش الإسلامية ويصبح رئيس دولة.
إن الحديث عن صلاح الدين حسب رأينا نقطة لامعة في تاريخ الكرد فمن خلال هذا القائد ذاع اسم الكرد في البلدان الإسلامية والعالم .
ومن وجهة نظرنا : مخطئ من يعتقد أن صلاح الدين عمل للإسلام ونسى قوميته وإلا كيف أدرك العالم أن صلاح الدين كردي إن لم يقدم نفسه للآخرين ككردي وكان أكثر جنوده وقادته من الأكراد .
أما لماذا لم يستفد الأكراد من هذا التاريخ وهذا القائد فبتصورنا فهذا يعود للخطأ الكردي المتكرر عبر التاريخ وهو عدم اجتماعهم على كلمة واحدة .
أليس الأجدر بنا والواجب علينا أن نوضح الأسباب الحقيقية لضعف وفشل الحركات الكردية وعلى رأسها الاقتتال الداخلي والتباغض .
والقول بان العرب والترك والفرس هم المستفيدون من الإسلام بينما الكردي هو الخاسر الوحيد من هذا الدين هو هروب من الحقيقة التي يجب أن تقال .
ولو كان الإسلام هو السبب فلماذا استطاع قادة وشيوخ وعلماء يعبرون عن حقيقة الإسلام تحريك الشعب الكردي وقيادته في ثورات ضد المستعمر بينما عجز غيرهم من المثقفين والسياسيين عن ذلك
وعندما ناضل الشيخ سعيد بيران والشيخ محمود الحفيد والشيخ عبيد الله النهري وقاضي محمد وملا مصطفى البارزاني والشيخ عبد السلام بارزاني والشيخ معشوق الخزنوي وغيرهم من فعل الكثير لهذا الشعب وطالبوا بحقوقهم الكردية المسلوبه هل تعارض ذلك مع اسلامهم وهل اعتبروا مرتدين عن دين الاسلام حاشا لله رحمهم الله تعالى اجمعين ، لا بل  كان هؤلاء العلماء يرون الدفاع عن حقوق قومهم في صلب المفاهيم والفروض الاسلامية ، لان نضال الكرد هو نضال ضد الظلم ( خيركم المدفع عن اهله ما لم يأثم  0
أليس العامل الديني والقومي هو السبب وانهما لو اجتمعا في أي شخص حاز على ثقة الناس
إن رواد الحركة الكردية  بصورة عامة من قادة وشعراء وعلماء ومثقفين هم من علماء الإسلام وشيوخ في كوردستان الى وقت قريب 0
ونأكد هنا بان الكرد بدأو بحركة الإصلاح والنهضة على يد هؤلاء القادة والشعراء قبل ارتباطهم أو تأثرهم بالإصلاحات الغربية وهذا معلوم لا ينكره احد 0
إن سلسلة الثورات الشعبية الكوردية  والتي قادها علماء الإسلام في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين في سبيل الاستقلال وطرد المحتل كان الإنكليز والروس ضد هذه الثورات بالتعاون مع الدول المحتلة لكوردستان والتي كانت لا ترغب في قيام دولة كوردية .
إن الخصوم  الذين يحتلون كوردستان  كانوا يجتمعون بشكل دوري ورسمي لملاحقة الموضوع الكردي وتطوراته وهم يختلفون في كل شئ إلا في القضية الكردية فهم متفقون بأنه لابد من سحق طموح الشعب الكردي أينما كان وقد تمكنوا من خلال سياساتهم الشوفينية تجاه الكرد في تأجيج نار الخلاف والاقتتال الداخلي ( الكردي- الكردي ) وبذلك حققوا مآربهم ونفذوا مشاريعهم , والأكراد ومع الأسف كانوا يقسمون هذه الدول العدوة إلى صديق وعدو كل حسب مصلحته الحزبية الضيقة .
يجب علينا أن نفرق إذا بين الإسلام كدين والمسلمون كأشخاص يخطئون ويصيبون ونحن نقر معكم بالمواقف السلبية والذي نلمسه من الرأي العام العربي والاسلام بشأن المسألة الكردية بشكل عام وكردستان العراق بشكل خاص في العراق وخارجه من مسالة الكورد والفيدرالية وكركوك .ولئوائك نقول اسمعوا حديث سول الله ( لا يقفن احدكم موقفا يضرب رجل ظلما فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدافعوا عنه)

الاسباب الحقيقية للتخلق الكردي
إن أفضل رد على التهديدات والمؤامرات التي تحيكها الدول المحتلة لكردستان هو العمل لتسريع وتيرة النضال من اجل الوحدة الوطنية الكردية وتغليب روح المصالح العليا للكورد على المنفعة الحزبية الضيقة وتقريب وجهات النظر في مختلف المسائل التي تطرح , وهذا يتطلب اجتماع الأحزاب الكردية ومشاركة الشعب في القرارات المهمة والتي تهم الأكراد من خلال استفتاءات ومناقشات وحوارات بين الجميع دون استثناء ومراجعة شاملة لسياسة ونضال الكرد طول قرن من الزمن مضى ومعرفة مواطن الخلل فيها وإصلاحها.
وهنا أود أن أشير الى العامل الرئيسي الذي كان يعيق تقدم نضال شعبنا ، والمعوق الاساسي في عدم حصولنا على حقوقنا وتحقيق حلمنا
يذكر الأستاذ عصمت شريف وانلي إن عوامل إعاقة نشؤ دولة مركزية كردية يعود إلى أسباب حقيقية وعلمية ولم يذكر سبب يتعلق بالدين الإسلامي وهنا ننقل جزء من كلامه حيث يقول ( إن معظم المراقبين والرحالة الغربيين الذين جابوا كوردستان خلال القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الأولى كانوا يتوقعون للأمة الكردية مستقبلا باهرا كدولة مستقلة بشرط نبذ الخلافات الداخلية والعمل على وحدة العمل الوطني ثم حدث ما حدث من خيانة دول الحلفاء للأكراد وتراجعهم عن معاهدة سيفر وإقرارهم تقسيم كوردستان في معاهدة لوزان , وكان رد الفعل الكردي على هذا الأمر حمل السلاح والثورة على الدول التي تتقاسم كوردستان
وكان الهدف من هذه الثورات والانتفاضات الاستقلال الوطني للكرد و كوردستان , ثم حملت الظروف الواقعية بعد بروز الأحزاب السياسية الكردية للمطالبة بالحكم الذاتي لكوردستان داخل حدود الدول القائمة
ويذكر الأستاذ عصمت شريف وانلي إن سبب فشل الحركات الكردية في القرن العشرين وما قبله هو
(1) الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأكراد والذي لم يمكنهم من مواجهة تحديات هذا القرن
(2) انقسامات بين رؤساء العشائر وقادة الأمارات الكردية جعل البعض منهم يوالي السلطان العثماني أو شاهات إيران
(3) ضعف التنظيم العصري للثورات التي قادها علماء الدين
(4) وجود الثروات الطبيعية والنفطية في كوردستان مما أطمعت الدول الغربية فيها
(5) موقعها الجغرافي الاستراتيجي , يقول الأب ( توماس بوا ) وكان من المستشرقين الفرنسيين الذين كتبوا كثيرا عن الكرد , بان كوردستان هي العمود الفقري للشرق الأوسط ومخزن مياهه .
إن تخلي الدول الاستعمارية من تأسيس دولة كردية والتي نصت عليها معاهدة سيفر عام 1920 عندما رأت هذه الدول إن من مصلحتها تقوية العلاقة مع الحكومة التركية ومع كمال مصطفى أتاتورك .
وعندما عقد مؤتمر لوزان عام 1923 لم يحضر أي ممثل عن الشعب الكردي لطرح قضية شعبه سوى أن ممثل تركيا اصطحب معه كرديا واحدا وهو النائب عن ديار بكر (فوزي بك ) وفي المرة الثانية اصطحب معه (زلفي زاده بك ) وأعلن الاثنان
( نحن والأتراك أخوة لا توجد بيننا أية فروقات ولا نرغب بالانفصال عنهم )
وبهذا خانا شعبيهما , واستنادا إلى تصريح هذين الشخصين سارع مصطفى كمال أتاتورك إلى الإعلان أمام البرلمان التركي أن الأكراد لا يريدون دولة خاصة بهم .
تجسدت الحركة الكردية في ذلك الوقت بحركة (الشيخ سعيد بيران والشيخ محمود الحفيد والشيخ عبد السلام البارزاني وملا خليل منكوري ) وغيرهم
وكانت هيمنة التيار الإسلامي على حركة الكوردية هي البارزة خلال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين وكانت حركاتهم ردة فعل للسياسات القمعية والعنصرية ضد الكرد التي كانت تمارس من قبل الأنظمة القومية في كل من تركيا وإيران والعراق وكان الترابط بين الكورد والإسلام عبر هذه الحركات هو السمة البارزة واستطاع هؤلاء القادة والعلماء وباسم القومية الكردية والدين الإسلامي تحريك الأمة الكردية بينما عجز الآخرون وبأيدلوجيات أخرى تحريك هذه الأمة وقتها .
في كتاب شرفنامة يقول شر فخان (عقد أمراء الكرد في عام 1513 اجتماعا واتفقوا على موقف موحد تجاه الدولة الصوفية التي كانت تضطهدهم جميعا وبعد معركة جالديران أراد السلطان العثماني سليم الأول تعين حاكم كردي لجميع كوردستان وذلك من اجل توحدها وجعلها قوية ضد الدولة الصوفية وكان هذا نقاشا بين إدريس بدليس والسلطان العثماني وفي آخر النقاش توصل إدريس البدليس والسلطان العثماني إلى إن أمراء الكرد في تناحر وعداءات مستمرة ولكل منهم قناعة بأنه أحسن من غيره ولذلك فسوف لن يقبل الامراء الكرد بالخضوع لسلطة أمير كردي ولكن قد يقبلون الطاعة لوالي عثماني غير كردي يحكمهم من ديار بكر وهذا ما دفع السلطان العثماني إلى تشكيل إمارات مستقلة أو شبه مستقلة في أمورها الداخلية ولكنها تحت إشراف والي ديار بكر
(انظر شر فخان بدليسي شرفنامة الترجمة العربية ص36)
وحتى حديثا شاهدنا قبول بعض  الأحزاب بالتعاون مع الدول المحتلة لكوردستان في ضرب شقيقاتها من الأحزاب الكوردية في تلك الدول من اجل تحقيق أهداف حزبية آنية وإرضاء للدول الغربية وتحقيق مكاسب شخصية أجهضت الكثير من الإنجازات التي كان الكرد بصدد قطف ثمارها.
حتى إن الانشقاقات داخل الأحزاب الكردية سجلت انطباعا بان وحدة الكرد مستحيلة لأنها غير قادرة على تحقيق الوحدة داخل الأحزاب نفسها
وهذا ليس انتقاما لحق هؤلاء بل للوقوف على الأسباب ، والحق يجب أن يقال بان جهود هذه الأحزاب وتضحيات ( قياداتها وكوادرها) المخلصة هي التي حفظت الوجود الكردي رغم محاولات الأنظمة الفاشية  في صهر وابادة الكورد بكل الوسائل
يتبن لنا من هذا ومن خلال مراجعة إن شئت سريعة أو معمقة لماضي الحركة الكوردية وحاضرها إن اختلاف الأكراد فيما بينهم  وجري بعضهم وراء مصالحهم هو السبب في ما نحن فيه الآن

الحوار الكردي – الكردي وآفاق الوحدة الكوردية
إن طبيعة الظروف والمرحلة التي نمر بها تتطلب من الجميع التفكر الجاد في بلورة وصياغة مشروع يعزز الوحدة الكوردية أجتماعيا وسياسيا من خلال ثوابت نعمل جميعا كل من موقعه على تعزيزها وحمايتها
لذا فإننا اليوم بحاجة إلى ( أمن قومي كردي ) أكثر من أي فترة مضت والأمن القومي الكردي يعني (حماية الأمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية) أو(سعي الأمة  إلى حفظ حقها في البقاء) أو(التطور والتنمية سواء منها الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية )

 

إن الأمن القومي الكردي ضرورة سياسية و اقتصادية واجتماعية لأنه لا يمكننا نحن الكرد التغلب على القلق الذي يساورنا منذ فترة طويلة من هذه الأنظمة الدكتاتورية ولا يمكننا العيش بأمان إلا من خلال سعينا إلى حفظ حقها في البقاء 0
إن تكوين مفهوم الأمن القومي الكردي يحتاج إلى عوامل عديدة من أهمها  توحيد الخطاب الكردي
وعندما نتأمل المشهد السياسي بكل مستوياته نكتشف إن الصراعات والنزاعات الدائمة لا تنشأ بسبب وجود الاختلاف والتنوع وإنما تنشأ من العجز عن إقامة نسق مشترك يجمع الناس ضمن دوائر ارتضوها والحوار بين الإنسان وأخيه الإنسان من النوافذ الأساسية لصناعة المشتركات التي لا تنهض حياة اجتماعية سوية بدونها وعليه فالحوار لا يدعوا المغاير والمختلف إلى مغادرة موقعه الثقافي والسياسي وإنما هو لإكتشاف المساحة المشتركة وبلورتها والانطلاق منها مجددا ومعا
فالحوار بكل مستوياته هو ضرورة لنا جميعا كي نصل إلى رؤية واقعية بعيدة عن المسبقات الفكرية أو الموافق الجاهزة
ونحن بحاجة إلى التغلب على الأهواء والنوازع الضيقة والانعتاق من كل أشكال التعصب الأعمى للذات والسعي الحثيث نحو الاقتراب من الآخر ومحاولة فهمه بشكل مباشر وذلك من اجل ان يكون الحوار داخل كوردستان هو الأصل الذي لانحيد عنه مهما كانت النوازع ومهما كانت المشكلات التي تحول دون ذلك ، في إطار الوعي العميق بطبيعة التحديات والمخاطر التي تواجهنا

إن الوحدة بين القوى السياسية الكردية ضرورة وعليه يجب إزالة كل الشوائب والرواسب التي تضر بهذه الوحدة وهذه الوحدة ليست مقولة تقال أو خطابا يلقى وإنما هي ممارسة متواصلة ومشروع مفتوح يزيد من رص الصفوف وتوحيد الكلمة وتمتين مستوى التلاحم القومي وهذا الأمر لاياتي إلا بالمزيد من السعي والعمل على تكريس أسس هذه الوحدة ومتطلباتها في الواقع
ولاريب أن الحوار بين مختلف التيارات والشرائح في المجتمع الكردي هو المدخل الأساسي الذي يساهم في تعزيز هذه الوحدة
إذن بالحوار نستطيع أن نفهم بعضنا ونكرس قيم التواصل والتفاهم ومن خلاله نتخطى واقع الانقسام وحالات الجفاء والتباعد والحوار ليس موقفا تكتيكيا ومرحليا في حياة الإنسان بل هو خيار في الحياة ووسيلة للتواصل مع الآخرين يجب أن لا يدفعنا الاختلاف إلى اتهام الناس بما ليس فيهم وتحميلهم مسؤولية أخطاء الآخرين إنما ينبغي أن نلتزم بمقتضيات العدالة والموضوعيه لهذا فان واجبنا جميعا هو العمل على تعميق الشعور بالمسؤولية تجاه كوردستان بحيث لاتكون التنوعات الدينية والمذهبية والفكرية والحزبية حائلا دون ذلك
والوحدة التي ندعو إليها لا تاتي عبر إلغاء الآخر وإنما عبر احترام الناس بعضهم لبعض
والوحدة لا تتبنى بثقافة الإقصاء والتهميش كما أنها لا تتحقق بالتعصب الديني أو المذهبي أو الحزبي

———————-
ألقيت هذه المحاضرة في الأمسية التي أقامتها منتدى الشيخ محمد معشوق الخزنوي في مدينة قامشلو

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…