ابراهيم محمود
سمعت، كما قرأت أكثر من مقال لمن أعرفهم عن قرب، أصدقاء ومعارف وخلافهم، أكثر من صيغة ” صدمة ” برحيل فناننا الكردي سعيد يوسف. ومن المؤكد أنني لا أشك في سردية الوجدان لدى من سيعرِفون أنفسهم حين قراءتهم مقالي هذا، وإن كنت أشك في كثير مما أسمع وأقرأ وفي نطاق الصيغة ذاتها، انطلاقاً من مواقف أولئك الكتاب ” الصدمويين ” الآخرين طبعاً، وبعدهم الكبير عما كان عليه الفنان، فيما سعى إليه، واجتهد فيه، وبنى له اسماً، وشكَّل ظلاً ، مثلمنا هو بعدهم عن حقيقة أنفسهم بحضور شهادات وقائع تترى .
للأصدقاء المقربين أقول: خفّفوا من صدماتكم يا أصدقاء، لأنكم بالطريقة هذه، سترهقون أنفسهم، وأهلكم وأصدقاءكم، إذ هكذا كان الحال مع الذين سبقوا الفنان الكبير، وهكذا سيكون الحال مع من سيأتي من بعده.
وهنا، أفصح عن بوح ودي، وهو: كما لو أنكم لستم على بيّنة مما جرى ويجري في وضع ” موتيّ ” كهذا، وأنكم بطريقتكم هذه، تقلّلون من مفارقات الواقع، وحتى أنكم تتجاهلون ما هو عليه من ” فهلويات ” بمستوياتها .
بالتوازي أقول، ربما كانت صدمتكم/ صدماتكم، تعبيراً من نوع آخر، وهو أنكم لا تتوقعون ما صدمتم به، وهي ترجمة وجدانية لمشاعركم ومواقفكم، كما لو أنكم تقولون: لا بد أن الحال سيكون مختلفاً هذه المرة…ولم يكن مختلفاً.
هنا، أحمّلكم وزر ود، وربما نقد ود لود، وهو أنكم تشاطرون صدمويين، يمثّلون على أنفسهم، وعلى أهليهم، ومن هم في الجوار منهم، وإن كانوا قريبين من الراحل أو سواه بالأمس زلفى، ومن سيكون التالي، من خلال تاريخ طويل من التجارب القائمة، تشاطرونهم مشاعر، ما أبعد مشاعركم عنها، وأنتم في ” بيت نار ” المستجدات .
خففوا من صدماتكم، ليس لأن الذي رحل عنا- إلينا، كغيره من أعلام الصوت والكلمة، ليس في مستوى الصدمة، بالعكس. إذ لا أقل الذين يولدون في الحياة مراراً بحيواتهم الإبداعية، ولا يظهرون دائماً، وإنما لأنهم تركوا آثاراً تبقيهم حضوراً لا غياباً، ولو أننا تحدثنا بحساب هذه الصدمات التي عشناها، وسنعيشها، وليس في الأفق المنظور ما يشير إلى العكس، وفي ” عالم ” الكرد، المشهود له بالصدمات، كما تعلمون، وإن لم تسمّوا: صدمات سياسية، اجتماعية، فنية، تربوية، اقتصادية، تاريخية، ثقافية…إلى آخر سلالة الصدمات التي يمكن التفكير فيها.
خفّفوا من صدماتكم، لتعيشوا عمراً أطول، وحياة أعرض، وللكثير مما ينتظركم، وأنا بينكم، من ثِقال الأهوال في سفر أحوال كردنا، ممن يتعقبون خطى كل من له ظل وارف، ليستظلوا به في هذه اللحظات الثقيلة بمأسويتها، والخلوص إلى حياتهم المنشقة، الانشقاقية، المتشققة، كما لو أنهم لم يكونوا هم، وما كانوا هم، في زئبقياتهم التاريخية، لتبقوا أنتم أنتم، كما كنتم أنتم، وكما ستكونون أنتم أنتم . ودمتم .