سليم عمر
لا أعتقد أن اثنين يختلفان في أهمية الوحدة في المجتمعات البشرية في مختلف مجالات الحياة و في السلم و في الحروب و الأزمات ، و بالنسبة إلى الحركة الكوردية في هذا الجزء فإن وحدة الكلمة و الصف و الموقف تأخذ أبعادا إضافية ، فمآلات الأحداث الجارية في هذا البلد ستحدد مستقبله و معه مستقبل المنطقة الكوردية لعشرات العقود القادمة .
تجارب الوحدة لدى هذه الحركة ليست جديدة . في عام 1986 كانت التجربة الأولى بين ثلاثة أحزاب كوردية ، أما الثانية فقد كانت في سنة 1992 و شملت جميع الأحزاب التقليدية في هذه الحركة ، و باءت التجربتان بالفشل فقد كان التآمر و المنافسة بين الأحزاب المنضوية في خيمة الوحدة السمتان الغالبتان على التجربتين ، أضف إلى ذلك أن التجربتين لم تقدما جديدا في الساحة السياسية الكوردية أو خارجها .
و مع بروز الأزمة السورية و اشتدادها و ما لحق بالمنطقة الكوردية من كوارث و دمار و تهجير فإن الدعوات ارتفعت من الشارع الكوردي و من جهات دولية حريصة على مستقبل الكورد لتوحيد هذه الحركة ، و جرت محاولات و اتفاقات عديدة بين أطراف هذه الحركة و برعاية كوردستانية إلا أن كل ذلك لم يجد طريقه إلى التنفيذ ، و لم يكن ذلك يأتي من فراغ و إنما نتيجة عوامل و وقائع تتجاوز التمنيات .
في التجربتين السابقتين اللتين أتيت على ذكرهما كانت الوحدة بين تنظيمات انشطرت من بعضها و تنتمي إلى أرومة واحدة بغض النظر عن الشعارات و المواقف لهذا التنظيم أو ذالك ، أما الآن فإن الوضع اختلف ، و اختلف كثيرا ، و باعتقادي فإننا الآن أمام حركتين سياسيتين في هذا الجزء و ليس حركة واحدة ، و لا أعتقد أنني أتجاوز الحقيقة إذا قلت إنهما على طرفي نقيض في الفكر و في الثقافة و في االهدف و في أساليب النضال ، فالأولى و هي الأقدم و تعود جذورها إلى بدايات النصف الثاني من القرن الماضي و كما ذكرت فإنها تتشكل من مجموعة تنظيمات انقسمت على نفسها لأسباب غير مبررة و غير مفهومة أيضا ، و لقد اعتدنا على تسميتها بالحركة التقليدية فهي لا تزال تلْتحف بثوب الماضي و لم تخرج منه ، و لا تزال متخلفة عن الأحداث ، و لم تحاول التجديد في أساليب النضال و بما يتناسب مع مستجدات الأحداث و الوقائع على الأرض ، و لا تزال تعتمد و منذ عقود بيانات التأييد و الإدانة تعبر بها عن مواقفها مما يجري حولها و في العالم .
التيار الآخر في هذه الحركة في هذا الجزء و المتمثل بحزب الاتحاد الديمقراطي و ما تفرع عنه من تنظيمات و تحت أسماء و مسميات مختلفة ، فقد مارس نشاطه مع بدايات القرن الحالي ، و تميّز بالديناميكية و سرعة الانتشار ، و بنى علاقات في الداخل و في الخارج فكسر بذلك حدود التقوقع التي فرضها التيار الأول على نفسه خلال نصف قرن ، و هو يعتمد فلسفة أخوة الشعوب و أن الزمن قد تعدى مفهوم الدولة القومية ، و لو أن العالم تبنّى هذه الثقافة لكنا أول الرابحين ، فنحن سنضرب كأسنا الفارغة بالكؤوس الممتلئة مثلما يقول المثل الكوردي ، كما أنني أريد أن أهمس في آذان القائمين على أمر هذا التيار بأن ثقافة التآخي بين الشعوب لا تنتشر و لا تترسّخ بقرار ، فقبل نصف قرن رفعنا هذا الشعار – آذار 1970 – و عوقبنا على ذلك ، واليوم و مع كل ما لحق بهذا البلد من قتل و دمار و تهجير ، فإن النخبة المثقفة في ما يسمى بالمعارضة السورية ، ترى أن ما حصل في عفرين و في غيرها من المناطق الكوردية من احتلال ، ما هي إلا عمليات تحرير . أضف إلى ذلك أن المنتمين لبعض المذاهب الاسلامية لا يزالون يكرسون ثقافة الثأر لأحداث وقعت قبل عشرات القرون ، و أنهم لا يزالون يقتلون بعضهم على الهوية . أنا لا أنادي بشطب ثقافة التآخي وقبول الآخر ، و لكنني لا أرى أيضا أن البناء عليها في منطقتنا في هذه المرحلة سيكون إيجابيا ، فنحن لا نعيش في جزيرة معزولة عن العالم ، و لا نزال نعتبر أنفسنا جزءا من سوريا المستقبل ، و عندما تستقر الأوضاع ، فسنجد أنفسنا وحيدين في مواجهة من حولنا ، و سنرى أن ما عملنا على بنائه لسنوات قد تهدّم في يوم و ليلة .
إلا أنّ المشكلة في توحيد هذين التيارين لا تكمن فقط في التباينات التي أتيت على ذكرها ، و لكنها تتعداها إلى مسألة أشد صعوبة و أكثر تعقيدا ، إلى ثقافة الحزب الواحد ، إلى مفهوم الحزب القائد لدى القائمين على الإدارة الذاتية ، و أن القسمة عندهم لا تكون إلا على واحد ، و أن الذين يطالبون بوحدة الصف و العمل المشترك ما عليهم إلا أن ينضموا إلى ركبهم و تحت قيادتهم .
و لكن ، و مع كل التباينات و الاختلافات و الخلافات و مواقع القوة و حالة الضعف بين تياري الحركة الكوردية في هذا الجزء ، فإن الوحدة تظل ضرورية و مصيرية و في هذه الظروف بالذات ، فالجانبان يحتاجان إلى استرداد دعم و مساندة الشارع الكوردي و الكوردستاني ، و إلى نيل ثقة القلة القليلة من أصدقاء هذا الشعب ، و فوق هذا و ذاك فإن مصير المنطقة يتحدد الآن لعقود قادمة و على الجانبين أن يتجنبا تحمل مسؤولية القرار المنفرد ، و المواقف الأحادية لأن الهزائم و النكبات التي لحقت بنا و التي لا تزال تنتظرنا على الأبواب ستكون ثقيلة جدا لو تحمّل جانب واحد المسؤولية عنها .